“سر خلود الرموز..العنصر “x” وقشرة البيضة”

موقع الكتابة الثقافي art 68
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

محمد أسامة

– على ذكر صدام حسين في المقال السابق، فقد أصابتني لحظة من الاستغراب والدهشة بعد مشاهدتي للمقطع المسرب لإعدامه، والذي في الغالب لم ينشر كاملا في القنوات الكبرى وقتها تحت شعار “مراعاة لمشاعر المشاهدين”، والذي يظهر -الجزء المقصوص- قوة وصلابة تليق بصفاته، وسخرية مرعبة كأنه في أفضل أحواله حين قال “هاي هي المرجلة؟!”، لكن المقطع كامل جعلني بعد ذلك استغرب، وأقول: معقولة؟، هذا الذي أرعب جلاديه واستفز من حوله برباطة جأشه، يتهاوى في بضع ثوانٍ ويستسلم للموت بسرعة! طبعا البعض يرى هذا طبيعي مكرر في أزمنة متعاقبة ولرموز معروفة مثل زعيم إيطاليا موسوليني أو نيكولاي تشاوشيسكو رئيس رومانيا وغيرهم، فما المميز؟

قشرة الهيبة

-ببساطة ما يميز المقطع عن غيره هي السرعة في الانتقال من حالة لحالة أخرى مختلفة، نرى فيها بوضوح تمزق القشرة التي يصنعها البطل أو الرمز حوله، يستوعب من خلالها المشاهد أنه شخص عادي يتعرض للموت كما يتعرض، ويصير ضعيف الحيلة لا يقدر على دفع هتافات من حوله.

-تتشابه الفكرة مع المقال السابق “سر خلود الرموز….أجزاء من ملحمة البقاء” بوجود تبادل بين الرمز والناس، وانهم يمنحونه قوة ليكون مهاب الجانب، وهو يمنحهم هوية مرتبطة به تختفي باختفاء أثره، لكن العلاقة لبعض الرموز تكون تبادلية بدرجة تقارب التمام، فمقابل كل حركة تكون أمامها المقابل من الناس مهما اختلفت الكمية المؤداة أو المستقبلة، أما رمانة الميزان أو العنصر الكيميائي “x” هنا هي توليفة من الصفات والأبعاد النفسية تتماسك وتشبه قشرة البيض “إذ أنها سهلة التفكك والكسر كما رأينا” يستخدمها الرمز أحيانا لتجعله من رجل يظن الناس بأنهم جزء منه، إلى بطل خارق متفرد، أو على الأقل فوق العادي بدرجة.

لعبة الوسائل الدفاعية “ثور مينوس وسوزان سونتاج “

-في أحيان لا تأتي تلك القشرة وتتملك من صاحبها بشكل عشوائي أو هبة ما، بل هي تنتج من لحظة أن يعي الإنسان بنفسه ويفطم من أحضان أمه للعالم، ويرى تجربته النفسية مع المحيطين به، أو يرى تصرف الناس تجاهه ويخزن فيها طيبها وخبيثها سواء تنمر أو هوة طبقية وخلافه، كما أيضا يلتقط من خبرات قرناءه، وهكذا تنمو وتنمو إلى أن تغلف عقله تماما، تضح أكثر حين يكون المرء مشوشا ذا حساسية شديدة لا تليق بعالمنا وقساوته

ففي كتاب الكاتبات والوحدة للكاتبة نورا ناجي، نرى أن شخصية “سوزان سونتاج ” تظهر جفاءً وغلظة في التعامل مع الكتاب، وتعلله الكاتبة في أحد صفحات الكتاب بأن أجواء هوليوود جافة وقاسية، بينما سوزان تعاني بداخلها من هشاشة كبيرة نتيجة مشكلاتها الأسرية “خاصة مع والدتها” والجوع المستمر للاهتمام تجعلها في حالة بغض للذات وإنكار للجسد تزيدها تشوفا للتحرر، ورؤيتها لمرض السل بأنه أكثر شاعرية، فوسيلة الدفاع البسيطة في مكان لا يقبل بالحساسية أمام كلمة “business is business ” هنا قشرة في محلها تماما

ملاحظة : في الكتاب كذلك نرى “إيلينا فيرانتي” تتبع نفس الفكرة، ويكون ما لاقته من إهمال الأم يرد في صورة فقدان ونسيان لأبنائها دون شعور للشفقة

-وتأكيدا على ذلك في كتاب البطل بألف وجه لجوزيف كامبيل نرى في أولى صفحاته الملك الكريتي مينوس الذي منحته آلهة اليونان الحكم وأهدته مينوتور ليقوم بتقديمه قربانا بعد ذلك، لكن من خلال ما يراه من مصيره بعد ذلك أو يهيأله أن وجود ذلك القربان مرهون بوجوده، فهنا تتشكل القشرة كوسيلة دفاع هي الأخرى فصنع له متاهة ضخمة يصعب الخروج منها بل وقدم له بعض من سكان الجزيرة طعاما له

التعري ” خيبة كبيرة أو شجاعة؟ “

-ربما يستخدم البعض تلك الفكرة لسد عجز أو محاولة بائسة لاستعراض القوة، كربيع في جسم مثالي لرجل مهم التي تقوده ذكوريته حين يجد مانعا بينها وبينه، فيحاول بالخشونة أو المزاح “الغشيم” مداراتها فتنطلي على زينب، أو فكرة هيبة المنصب عند شخصية استاذ إلهامي في رواية “على فراش فرويد لنهلة كرم ” لكن مع محرك بسيط من شهوة مثلا تحاول تلك الشخصيات خرق تلك الهالة بيديها، وبالعودة للكاتبات والوحدة “وتحديدا في فصل أروى صالح ” نرى التشابه الواضح بين ما تراه الكاتبة كتجربة ذاتية وما يدفع أروى صالح للانتحار، وهي احتماء بعض المدعين بالثقافة ويمارسون فيها الطبقية بتصنيف العامة بالعاديين، ثم بلحظة شهوة ينزلون لطبقة أقل، تماما كشخصية إلهامي ومحادثاته الجنسية كما أفردتها الرواية

-هناك قلة تحاول تمزيق تلك القشرة بدعوى” لم يعد لدي شيء أخسره” كما سمحت سوزان سونتاج أن يلتقط لها صورة في معاناتها الأخيرة بالسرطان والاستسلام لمحاولة الجسد إثبات وجوده، وكفاليري سولاناس “ذكرت في الكاتبات والوحدة” والتي عانت من صدمات قوية من طفولتها، لكن بشكل أو بآخر حاولت كسر تلك الفقاعة حين استغلها أحد المخرجين، فقتلته، تحاول في فعلها عيش حياة الإنسان الأول، لكن تلك الشجاعة سرعان ما تختفي زهوتها، فنراها تعود لصنع غلالة أشد سماكة مما تعرت منه.

مقالات من نفس القسم