سجائر أبي الرخيصة.. أفلام أمي المسروقة

أكرم محمد
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

أكرم محمد

١

كنت أتعجب صغيراً أثناء مشاهدة الأفلام مع أمي،

حين ينطق شخوص الفيلم أغنياتهم الخاصة،

وبينما أسمعها محاولا ترديدها بمحاكاة لأصواتهم التي تليق بأبطال السينما،

تقول إنها أصوات مستعارة لمطربين آخرين

أتعجب، حقا، كيف لأحدهم أن ينهب صوت رجل ما، بمكان ما، ويضعه على وجه، ويا للعجب، يصبح الصوت ملائما له، كأنه نطق به برحم أمه العجوز، ذلك البيت المتسع حد أنه يتسع لتدحرج عاشقين، أو بقبر أبيه، ذلك المنزل الضيق حد أنه لا يتسع لشفة ذابلة.

٢

عمراً بأسره،

كنت أظن هذه رائحة أبي،

رائحة تخصه لا تلمس أنفي إلا برؤية وجهه،

حتى التهمتني السجائر الرخيصة التي يشربها،

لأشتم الرائحة نفسها،

وأعلم أنها، بالأصل، تلك الرائحة التي تتركها السجائر بملابس أبناء روادها

٣

بكل مرة يصفعني وجه نحيف بالمدينة،

أقول: هذا وجهي المسروق.

وجه ابتلعته السجائر الرخيصة،

التقطه العابرون محاولين سرقة أعضاء وجهي،

نسيت أمي أن تخرج بقيته من الرحم،

حتى الآن تنمو بقايا وجهي برحمها، ككائن آخر يعي تمامًا أنه بقايا وجهي، أنه ابن آخر لأم لن تخرجه من رحمها، معتبرةً ذلك الانتفاخ الملحوظ برحمها سمنة طبيعية، ستحاول كثيرًا تقليل الطعام، غير أنها لن تعرف أن بقايا وجهي تقطن رحمها.

كما يفعل الأطباء دائمًا، تركوا رحمها بجسدها، تركوه بكل تلك الوجوه داخله، وجوه لم تولد لرجل تصفعه الوجوه النحيفة.

سأقف يومًا أمام بوابة الأعضاء المسروقة،

أتساءل عن كل ما فقدته من وجهي،

أقول، بصدق لم أجربه بحياتي:

لماذا لم أملك عضوًا واحدًا بوجهي؟

لماذا لم يترك لي العابرون بعض اللحم برأسي؟

مقالات من نفس القسم

يتبعهم الغاوون
موقع الكتابة

نصوص