زاد وعِشْق

محمد الفخراني
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

محمد الفخراني

خرجْتُ لألتقى أصدقائى، سنكسر سجن الڤيروس، لم يكن هناك مقهى أو مكان مفتوح لنجلس فيه، ما زال العالم مغلقًا، فقط نتمشَّىَ فى شوارع وسط البلد، هذا لطيف بحد ذاته، وكافٍ، ظهر لنا شيطان شاب من شارع جانبى، عَرَّفنا بنفسه، “اسمى زاد”، وطلب أن يتمشَّىَ معنا، قال إن مقاهيهم أيضًا ما تزال مغلقة.

 فقَدَ حبيبته منذ أسبوع بعد إصابتها بالڤيروس، أرانا صورتها فى هاتفه، عشرينية، عينان قَهوتان، شعر أزرق أرجوانى قصير بتسريحة مُهوَّشة الأطراف، وابتسامة شقيَّة، كانت مصادفة أن تقع عيناه فى عينىَّ وهو يقول عنها: “حبيبتى عِشْق، رسَّامة”.

بدأ الڤيروس عندهم بإصابة الشباب، عكس ما حدث معنا، استمر ثلاثة شهور فى القتل من عمر 18 إلى 25، “اعتقدنا أن عالمنا سيفرغ من الشباب”، لكنه انتقلَ إلى الأكبر سنًا، والأطفال، قال “زاد”: “أنتم البشر محظوظون، لو هناك حظ فى هذا”، لأن أىّ شيطان يصاب بالڤيروس ليس أمامه غير خمسة أيام فقط، إما أن يتعافىَ، أو يموت، ونسبة التعافى أقل بكثير مما لدى البشر.

 ظهرَتْ الدموع فى عينيه وهو يقول إنه لا يعرف إنْ كان قد نقلَ العدوى لحبيبته، فقد أُصيب به وتعافى، “هل نقلْتُه إليها قبل أن تظهر أعراضه علىّ، لا أعرف”.

ابتسمَ زاد، وقال: “عِشْق أكثر شيطانة أعرفها لديها أصدقاء من البشر”، يوم موتها وضعوا صورتها على صفحاتهم لثلاثة أيام، كتبوا حكايات لها معهم، وصفوها باللطيفة الكريمة الموهوبة.

“كانت تُضحكنى بسهولة، سريعة البديهة، ابنة نُكتة وفَرَح”.

فى أول أيام العاصفة، أخذَتْه فوق أعلى مبنى بالمدينة وقالت له “اعطنى قُبلة نهاية العالم”، قال لها “لا أعرف قبلة بهذا الاسم، لكنى سأُقبِّلكِ على أىّ حال”، “لا أريد قبلة على أىّ حال، أريد قبلة نهاية العالم، سنخترعها”، قالت له، وطلبَتْ منه أن يتخيَّل أن هذه اللحظة هى نهاية العالم، وهذه آخر قبلة لهما، وسيموتان بعدها، “كما تريدين ما دمتُ سأحصل على قبلة”، كانت قبلة من اختراعها، بطعم الرعد والبرق والريح والمطر، وكلهم بطعم “عِشْق” وكرمها ولطافتها وفَرَحها.

ضحكَ “زاد”: “فى بداية علاقتنا اخترَعَتْ لنا قُبْلة أَسمتها قُبلة بداية العالم، كانت تخترع قبلة من وقت لآخر وتعطيها اسمًا، وأنا أسميتُها: عِشْق مُخترعة القبلات”.

أعطته لوحاتها كلها قبل أن تموت، “سأقيم لها معرضًا أدعو إليه كل أصدقائها الشياطين والبشريين”، سيواعد روحها فى مكانهما المُفضَّل، ويذهبان معًا إلى المعرض، “الكل سيرى روحها بجوارى”، قال إنه يتوقَّع  أن تُلقىِ “عِشْق” نكتة عند باب المعرض يضحك لها الجميع.

يحكى “زاد” كأنه يناجى حبيبته، أحببنا ما يقول، لم نقاطعه، قال إنها طلبَتْ منه أن ينجو، وأنه سينجو فقط لأن حبيبته “عِشْق” طلبَت منه.

صمتَ “زاد”، توقف فى منتصف الشارع، نظرنا إليه، ننتظر، نريده أن يستمر فى الحكى عن “عِشْق مُخترعة القبلات”، ابتسمَ لنا، قال إنه يتمنى لو بإمكانه أن يدعونا إلى الغداء فى مكان ما، لكن ظروف الإغلاق عندنا وعندهم، اقترحَ أن يصحبنا إلى بيته، “بيت جدَّتى أقرب”، وجدْتُ نفسى أقول وقد ملأتْنى رغبة قوية أن نأكل فى بيتكِ، جدَّتى حبيبة.

طبخْتُ أصنافًا متنوعة فى وقت قياسى، أكل “زاد” بشهية كبيرة، أعجبنى أنه ملأ طبقه بنفسه عدَّة مرات، “اعتبِر نفسك فى بيتك زاد”، “أنتِ حبيبة اعتبرى نفسك فى بيتك”، قال وضحك، أنهينا كل الطعام، فرَّحَنى هذا، كنتُ قد طبخْتُ بزيادة، لعبنا، ضحكنا، بكينا، وضحكنا من جديد، صنعنا زخمًا وضجيجًا كنتِ لتُحبِّينه جدَّتى، نسينا الشكوك التى زرعها الڤيروس، وخلال ذلك رسمْتُ لوحة لنا فى دقائق.

سأحضر معرض “عِشْق مُخترعة القبلات”، لا شكَّ لدىَّ أنى سأرى روحها بجوار “زاد”.

………….

*مقطع من رواية: “100 ملِّلى حبيبة”.

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون