تجلس الصغيرات مسحورات بطقوس أمهاتهن. تتابع الأيادي، تتمطى كالأمواج فى مدها وجزرها. يتحول الطقس إلى سيمفونية لها موسمها السنوي الوحيد.
لم تؤمن جدتي يوماً بالتكنولوجيا. رغم محاولات أبنائها إقناعها باستعمال خلاط العجين، تجيبهم أن على المرأة الإحساس بما تقدمه لأهل بيتها، فحبها هو ما يضفي السحر على طعامها.
هذا العام تضاف لجدتي مهمة إطلاعنا نحن الصغيرات على سر الخلطة، وأصول الطقس النسائي، تجيب عن أسئلتنا البلهاء بصوتها المعطر بطيبتها.
تلاحظ انبهارنا فتمنحنا قطعة عجين، نحملها كقطعة ماسية نخشى خدشها، تدفعنا جدتنا لغرس أسنان “المنقاش”، والضغط لإثبات النقشة، فتُعلِّمنا النحت بدروس عملية. ترسم لنا بقبضة يديها وانفراجها تعليماتها، لا يُسكَب الحليب مرة واحدة، ولكن مع العجن المستمر، عدم الإكثار من الماء لكيلا يفقد الكحك ليونته.
“يعني إيه ريحة الكحك يا تيتة؟” تجيبني: “حاجة كدة صغيرة ميبقاش الكحك كحك من غيرها”, ثم تبدأ اختبارها لها، تمنح كلاً منا قليلاً على يدها، تحثنا على إغماض عيوننا واختبار طزاجتها، نقلدها بعيون نصف مغلقة، نتلصص عليها وهي تغازل ما بين يديها، فنتبادل الضحكات المستترة، فتنتبه وتؤنبنا بابتسامتها.
ينتهي العيد، ويودِّعنا هذا العام حاملاً معه أجمل روائح العائلة، نودعه إياها كأفضل أماناتنا. تبقى الأواني بأماكنها في الخزائن التي صُنعت خصيصاً لها، يسكنها الحزن والذكرى بعدما فقدت رائحتها المميزة، ولبستنا نحن الصغيرات تلك العادة؛ نشتري بقليل من مدخراتنا تلك الرائحة، نبسط كفوفنا، ونغمض عيوننا ونبدأ في الغزل.
*من مجموعة “في انتظار سانتا” التي فازت بالمركز الثاني في مسابقة عماد قطري للمواهب الشابة