محمد ربيع حمّاد
رَحِمٌ
شرذمَتنا الحرب، التحقتُ بصفوفِ المُهاجرين، واختارَ توأمي البقاءَ، مضىٰ كُلٌّ إلى غايتِه، في أحد اتصالاتنا كان يتكفَّأ في مَرمى وابلٍ من رصاص، يصرخُ بقهرٍ وهلعٍ: يا إلهي!
ساد صمتٌ، جُنَّ جُنوني، أُغشىَ عليَّ، هنا علىٰ ضفَّة النهر؛ أخرجوا من صَدري نصفَ رَصَاصةٍ.
غُربةُ روحٍ
في هجرتي؛ سِرْتُ عاريًا من قلبي، قفزَ من صدري عائدًا، كأنما أخفى عني تذكرة العودة، تبعتهُ مُرْغَمًا، أَقْتفِي أثرَهُ حتى رأيته يلبس زعانف ويضع على ظهره أنبوب الهواء، وقد عزم على رحلة بحرية طويلة تنتهي به إلى حيث ينبض في سكينة، خاب أملي في ثنيه عن قراره بتركي وحيدًا في غربتي الحارقة، اتخذتُ مسكنًا حديثًا، امتلكت شركة خاصة، تزوَّجْتُ امرأة غريبةً، تطلُّ شرفتي على المحيط، أغطس كلَّ جُمْعةٍ، أبحثُ عن وطنٍ في القاع.
عرضٌ مُستمرٌّ
مسرحٌ أحمر، إضاءةٌ خافتةٌ، أطلقَ “المايسترو” إشارة البدء، أبدعَ الموسيقيونَ عزفَ “كونشيرتو الحرب” انتهى العرض، لَملمُوا آلاتِهم ومَضوا، هنالكَ في الجانب المظلم من العالم؛ ما يزالُ القتلى يتساقطون طَربًا.
.
تغطيةٌ إخباريةٌ
سقطت بعدما تشتَّتَ فريقها في ساحة الحرب، تكوّرَت على نفسِها، يلفُّها ضبابٌ مطعمٌ بغازٍ يخنقها، تبصقُ على تقريرٍ أمميٍّ سقطَ من يديها عنوةً، تستجمعُ قواها، تنهضُ، ثمةَ تقريرٍ عن تعددِ الجنسياتِ يتكون في أحشائِها.
تضليل
تتبعت قوات مكافحة الإرهاب الدولية خلية صغيرة، دمرت أثناء مطاردتها مستشفيان وثلاث مدارس، فضلا عن خمس مساجد واقعة في نطاق المطاردة، وأخيرًا حديقة أطفال كان يتمترس فيها ثلاثة مقاتلين ذوي لحى صفراء لا يتحدثون العربية.
ترصُّد
في حصة الرسم، أبدع في تصوير مدرسته، الأشجار المقصوصة التي تحيط بالفناء، شموخ العلم وهو يرفرف فوق السطح، في بضع ثوان من الصمت؛ غاب عن المشاهدة، ليلتقطه المنقذون ويده قابضة على رسمة تحكي آثار الدمار.
مُخيّم
تدفئ مقلتيه دموعٌ حارّة، بعد ما أثلجت سقف منزله المطاطي بوادر الشتاء، أبٌ قد انكمش جلده، يلتفّ حوله الصّغار، يبتكرون دفئًا من نوع آخر، على قارعة الطريق إلى مأوى هذه العائلة، لافتة فاقعة اللون، ينتشي من حولها العراء
تنوير
صبر على قومهِ، لبث فيهم دهرًا يدعو إلى مذهبه الجديد، حتى غدا متكئًا على منسأته، بُحّ صوت آرائه، تنازعوها، قضى نحبه عاضًّا على الزمن، تخلصوا من جثته حين أحرقوهُ مصلوبًا على عصاه.
ضلال
بعد سنوات من التحصيل، تخشبت ركبتاه في مجالس العلم، عادَ من رِحلته بخُفَّيْ حُنينٍ، إلا من كراسةٍ، تعجُّ بفتاوى أحادية، جمعها، نمَّقها، طَبعها في كتابٍ مُبهرٍ، حين صرَّح بها؛ أحرقوها ثم لطموهُ بخفٍّ وألبسوه الآخر في رأسه.
إشارات
قدّم قهوتها، وأومأ برأسه تحية الانصرافِ
غمزها الزوج، متهكمًا على صدرها المتدلي
قبل ذهابه مسحَ النادلُ علىُ رأس حزنها بعينيهِ
أخذت تقهقه، بينما يدوي أنينها في فراغ الفنجان
شيءٌ من اللَّاوعي
استترت خلف نافذتها الزجاجية، نبأها حدسها بطيف لا تخطئه، تماهى حنينها مع ظلٍّ يغادر برويةٍ، أشرعت النافذة، ابتسمت لحبيبها، ثم أمطرته، بوابل من القبل الهوائية، بعد ما أسبلت على كتفيها شعرها المستعار، لتواصل حلمها بأناقة.
كاريزما
راجت شهرته، هامت به الحسناء، راقت له فكرتها عن الشراكة، بزغ نجمها وربت الأرباح، تضاعفت الشهرة، في صبيحة عرسهما؛ كشف الطبيب الشرعي عن آثار غيرة على بصمات القاتل.
عزوف
بعد فراقٍ، أرّقه شعورٌ يتنامىٰ بعزلته، يقض الحنين مضجعه، تاقت مشاعره للعودة، تجهمت ملامحه مما سمعه قبيل الباب؛ أتاح لخياله نسجُ باقي المشهد، على أصابعه عاد مسرعًا بينما تلاحقه أصواتٌ رقيعة.
عجز
تعطَّرت، بعد ما لبسَت قميصها المُعد لمثل تلك الليال، دعته هامسةً، خرج لها في صمت رهيب، استلقت على ظهرها مباعدة بين ساقيها، ولجها دفقة من هواء ساخن فيما لا يتعدى دقيقة، لملمت نفسها ثم انتفضت غاضبةً لتصرخ: حتى أنت أيها الشبح؟!
معجزة
تطير كل صباح، تجوب الشوارع والمقاهي، تطوف حول ملتقيات العشاق والملاهي، بينما في المساء تشاهد أحدث عروض السينما والمسرح، جارتنا الشابة التي لم تغادر كرسيها المتحرك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شاعر وقاص مصري، والمجموعة صادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب ـ سلسلة كتابات جديدة