رحلة الشتائم المرحة

فهد
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

فهد العتيق

قررنا الاحتفال بسعادة المدير الجديد لقسمنا فأخذناه مساء يوم جمعة في رحلة ترفيهية لأحد البراري القريبة شمال مدينة الرياض. انطلقنا جميعا في سيارة زميلنا سعد، كنّا ثلاثة موظفين قدماء ومديرنا الجديد رابعنا وفوق رؤوسنا قمر مضيء. فرشنا سجادة كبيرة على الأرض الحمراء الممطورة وبدأنا في إعداد الشاي والقهوة والعشاء. وكان المدير الجديد يتوسط المجلس وهو يحس بالرضا والفخر ويتأملنا بابتسامة مدير ونحن نتحرك حوله مثل أولاده.

كان يشعر أن العلاقة بيننا رسمية وخجولة في المؤسسة ولهذا بدأ يرمي بعض النكات القديمة التي كنّا نضحك عليها بمجاملة واضحة جدا أشعرتني أن هذه الرحلة تشبه تمثيلية ضعيفة الإخراج . وضعت أمامه ابريق الشاي الحار وصحن الفطائر فقال لي بابتسامته القصيرة والغريبة التي يتقن ايقافها بسرعة : أجلس لو سمحت ، اعتذرت له بأدب لأني مشغول بمساعدة الزملاء في اعداد القهوة وعشاء الرحلة . لكنه أصر وهو يضحك فجلست . وضع جواله على الأرض وقال لي : أريد أن اكسر هذه الحواجز الرسمية الوهمية بيننا ، سألته : كيف ،  قال : عن طريق لعبة صغيرة مسلية وممتعة، قلت : تفضل.

قال بعد تردد وكان يبتسم تلك الابتسامات القصيرة والمتقطعة والغريبة : اشتمني لو سمحت .  

أخبرته : أنا لا أعرف الشتيمة .. ثم أنك مديرنا ولا يجوز أن نشتمك . قال وهو يضحك هذه المرة :  تفضل لو سمحت اشتمني .. لا تتردد .

قلت له بعد تردد وأنا اضحك أيضا : ما فيه داعي يا ملعون .

قال بسرعة مع ابتسامة قطعها بسرعة : هذه ليست شتيمة.

قلت : لماذا، قال : أريد شتيمة شوارع .

قلت له: أعفني من هذا لو سمحت . ثم ناديت على زميلي سعد ربما أتخلص من هذا الاحراج مع شخص بدأت أشك في تصرفاته. لكن سعد رد وهو يضحك أيضا : لحظة أنا جاي لكم بالقهوة .

قال لي المدير وهو يواصل ضحكته :  اشتمني يا أخي .

قلت له بضيق : خلاص يا كلب .

وهنا فجأة تغير وجه سعادة المدير من اللون الحنطي الى الوردي ثم الى الأحمر الغامق ثم الى الأسود، ثم رأيت جسده يضمحل تدريجيا ، بدأ يفقد وزنه النحيف أصلا. ثم وفي لمح البصر تحول سعادته الى أرنب أبيض يشبه كلبا صغيرا وناعما، ترك مكانه بهدوء ومشى نحوي على أربع وأرتمى في حضني، ومن هول الصدمة دخلت في حال من الارتباك والرعب والهذيان . أحضر زميلي سعد القهوة ووضعها على الأرض، وزادت حالتي سوءا حين رأيت زميلي سعد يبتسم لمكان المدير وكأنه موجود كما أنه لم يلحظ هذا الكائن الحيواني الصغير الذي في حضني، ارتعب قلبي واحسست بالبرد ثم تصبب جسدي عرقا غزيرا وشعرت أن ما يجري أمامي الآن له علاقة بعلامات الآخرة فقفزت من مكاني ورميت هذه الكائن الحيواني على الأرض فهرب يركض في اتجاه، وأنا هربت في اتجاه آخر راكضا أهيم في ظلام البراري.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قاص وروائي سعودي 

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون