رحاب إبراهيم.. “حيل للحياة”

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 72
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

عبد الحفيظ الشمري

تُسجل الكاتبة رحاب إبراهيم من خلال مجموعتها القصصية الجديدة «حيل الحياة» موقفها المنحاز وجدانيا وتفاعليا مع الحياة الإنسانية البسيطة.. تلك التي شغلت فيها، وجعلتها مدخلا متميزا للتفاعل السردي والفني والبوح الوجداني لتنهل في تدوينها من معين حكاية لا تنضب.

القصة الأولى في المجموعة «الرجل الذي أحب زوجته» جاءت محققة لفرضية ما تذهب إليه الكاتبة في إبداعها القصصي، لتعنى بتفاصيل الحكاية الإنسانية حتى وإن كانت من قبيل التخييل أو وضع صورة العلاقة الزوجية التقليدية بإطار خيالي مبهمة، ربما رغبة ما في تقمص أدوار الرؤى والأحلام التي تزاور نموذج الزوج في هذا النص، ليسعى من خلال هذا الاستكناه للحلم من أجل الوصول إلى رؤية فنية مناسبة.

قصة «أبناء كيوبيد» في المجموعة رسم إبداعي جميل، وأسلوب فريد ومميز، تتبعته الكاتبة رحاب حينما استهلت هذه القصة بخيال مألوف عن كائنات غريبة ظلت أسيرة عقولنا نحن أبناء يعرب على وجه الخصوص، بل جعلت الحكايات هنا هي التي تسرد التفاصيل دون أي داعٍ للحكاء المفوه، أو ما نسميه نحن «الراوي العليم»..

رسمت الكاتبة تفاصيل هذه الحكاية الأزلية بين من يخاصمه النوم وزيارة هذه المخلوقات خيالية التي أطلقت عليهم أسماء قديمة عند الأسلاف على نحو «أبناء كيوبد»، لتبث معاني الخيال بشيء من الجمال الإبداعي حيث تقول: «الذين يفتنون للمرة الأولى يخاصمهم النوم، يظلون ساهرين يغزلون من ضوء الشموع آلاف الأقمار الصغيرة، ينثرونها على الطريق الذي مسه خطو الأحبة.. أشياؤهم الصغيرة المبعثرة في المكان، كلماتهم العابرة وضحكاتهم العفوية» (المجموعة ص13).

فالمقطع السردي هنا ينم عن قدرة متميزة للكاتبة بأن تبدع في رسم الحالة العاطفية الفاصلة بين النوم والسهد.. تلك المرحلة التي تتداخل فيها عوالم الصحو بعوالم الإغفاء.. فالهالات التي تصنعها لحظات الخلود للنوم أو السعي إليه هي ما انبنت عليه فكرة هذا النص وهي بحد ذاته فكرة جديرة بالمتابعة والتأمل.

عناصر السرد في هذا العمل مكتملة المظهر في تكوينها ودلالاتها من حيث وضوح الفكرة واللغة والحدث وحيزي الزمان والمكان في كل قصة وإن اختلف حضور هذه العناصر من نص إلى آخر وفق ما تقدره الحالة الفنية للسارد أو الراوي الذي يعمد إلى استنباط المعاني من حكايات ساملة ليبرع في رصفها وإظهار محتواها بشكل بديع.

تميل بعض هذه القصص إلى أسلوب الاستطراد في شرح تفاصيل حكاية ما.. إلا أنها تظل معنية باستدراك ما هو مفيد على نحو قصة «داء الشبحية» حينما تسعى الكاتبة رحاب من خلال هذا النص إلى ابتكار أسلوب جديد وغير مطروق لرسم تفاصيل المشاهد اليومية في حياتنا على نحو تخيلات تصاحب بعض المواقف، كالنظر إلى شفاه المتحدث بطريقة مركزة حتى تختفي من أمامه شخصية الرائي له وهي طريقة موجودة في الحياة اليومية، لكنها تحتاج إلى حسن تدبر ومعرفة وقوة في التركيز.

كما أن اللغة المستخدمة في هذه النصوص تميل إلى الوضوح والبساطة من حيث تكوينها، إلا أن بعض المشاهد الخيالية تحتاج إلى مزيد من اللغة الخاصة التي قد تحسب أحيانا على أنها مناورة حول الحقائق دون خوض في تفاصيلها كما في القصة الأولى في هذه المجموعة «الرجل الذي أحب زوجته» التي قد يصعب على بعض القراء التقاط معناها نظرا لأن اللغة جاءت مواربة ورامزة.

بيئة السرد في هذه النصوص مالت كثيرا نحو تفاصيل الحياة اليومية التي يعيشها الناس ولا سيما شخوص هذه القصص فهي بيئة بسيطة ومتواضعة وغير فارهة، فقد تحبل هذه البيئة بالكثير من النماذج التي توظفها الكاتبة على نحو بديع، لأن البيئة ان كانت راقية ولامعة فلن تجد فيها خصوبة لمثل هذه الحكايات التي تدور في فلك الخيال والحالة النفسية والتعاسة والهموم اليومية التي تولِّد الكثير من الصور الأليمة التي تجد فيها كل ما هو جديد من هذه المعاناة التي يعيشها الإنسان في كل تفاصيلها.

فالفكرة المحورية لأي نص هنا تدور فعالياته على الإنسان البسيط ومعاناته اليومية إلا أن كل نص له هويته وشخصياته وأحداثه التي تتساوق بشكل منتظم لا إطالة فيه أو ترهل.. فالنصوص اقتفت أثر الحقيقة وما يشاغلها من خيالات أخرى، وهذا هو عنصر الإبداع في مجموعة رحاب إبراهيم القصصية .. المتميزة بحق.

……………………

*نشر في جريدة الجزيرة السعودية

 

 

مقالات من نفس القسم