ربة المنزل العمياء

تشكيل
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

البهاء حسين

كنت أجهز شيئاً من الفزع

شهقة أو شهقتين

قبل أن أراقبها

أخمن الكوارث المحتملة لامرأة عمياء تطبخ

لكن كل شيء كان يعرف الطريق إلى أصابعها

البهارات

الوضع الذى تحتاجه الحلة، لتعطى أفضل ما عندها

السكاكين

حتى البخار كان يخرج لوحده دون أن ترفع الغطاء

وكانت عيناي تتسع فوق قدرتي على الدهشة

،،

كانت أيامها تجرى بشكل صامت

أمام عينيها المغلقتين منذ الولادة

الشبابيك لم تغير مكانها

يعرف زوجها أين يضع قبلاته

إبرة التريكو تنتظر يدها

بكرة الخيط

كل شيء فى شقتها الضيقة يشاركها فى أعمال البيت

لكنها كانت تقرأ لوحدها بطريقة ” برايل “

وإن لم تعرف أبداً ما إذا كان نباح الكلاب يأتى من الشارع

أم الرواية أم الذاكرة

دائماً ما يختلط عليها بكاء جارتها ببكاء البطلة

:

ليس بإمكان الكلمات، حين تصبح مجرد نقط بارزة على الصفحة

أن تدلها على مصدر الدمع

أو تدلك ساقها

يا للعرج

حين يجعل من الأقدام عبرة

حين يجبرها على ارتجال خطوة مشوهة

،،

لم يكن للعمى أثر على فمها

فقد كانت ضحكتها واضحة

غير أنها وهى تمشى كانت تتوكأ على الركبة

ترفع ساقها

كأنها تخلع بلاطة فى كل مرة

:

حين تكفّ سيدة عن الرؤية

تتجهم أعضاؤها

حتى البشرة تبدو شاحبة

كمحطة مهجورة

،،

لو لم يخترنى زوجها الكفيف، من بين الطلبة

لأقرأ له فى البيت

لو أن ابنها كان باراً بأمه

كالعكاز باليد

لما عرفتُ أصابعها

لم أكن لأفهم الجسد

حين يبالغ فى الترهل كلما أحسّ بالوحدة

:

كيف يمكن لخزينة مغلقة أن تفضى بمحتوياتها

كنت أسأل كلما سالت على خديها الدموع

،،

أحياناً كان يخيل إليها أن الكلاب بداخلها

تنبح عليها

رغم ذلك

ما من مرة جرحتْ نفسها

لكن شتائم زوجها النابية كانت تجرح البيت كله

:

العمى بئر زلقة

،،

فى المساء

بعد أن تسألنى عن غروب الشمس

تبدأ فى تشبيك الخيوط

كأنها تبدأ فى سرد ظلمتها

على البكرة

لا يوقفها سوى التليفزيون حين يتحرك من مكانه

لأن إسماعيل يسين يهز شلاضيمه

:

يا لضحكتها التى تلمع كأنها عين

،،

كم كنت أتمنى أن تستمر ” الجامعة ” سنوات أخرى

ليس من السهل أن تجد امرأة كهذه ، من روائح وخيوط

تعيش بداخلها وحين تخرج تتوه

ترتد إلى طفولتها

عندما نسيتها أمها فى الشارع

وحين عادت إليها بعد ساعة وجدت أنها كبرتْ سنين

:

ليس من السهل أن تجد أصابعك الطريق، دون أن تبحث عنه

:

حتى وهى نائمة كانت أصابعها راضية

حين ودعتها، لآخر مرة، منذ 30 عاماً

سلمتُ عليها بكلتا يدىّ

كى أعيش أنا أيضاً بداخلى

من وقتها لم أخرج منى

إلا إلىّ .

مقالات من نفس القسم

خالد السنديوني
يتبعهم الغاوون
خالد السنديوني

Project