رأس الصياد

رأس الصياد
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام
بن لوري* يعود صياد إلى قريته ذات ليلة حاملا في يده رأسا بشرية مقطوعة. يَغرِز الرأس في وتد ويَرْكِز الوتد في الأرض بالقرب من كوخه. ثم يدخل إلى الكوخ و ينام.  

يقف رجال القرية عن بعد وينظرون مرعوبين إلى الرأس. يوشوشون فيما بينهم طوال الليل ويغضبون لما فعله الصياد.

بيد أنه لا أحد منهم ينبس بكلمة عندما يخرج الرجل  من كوخه في الصباح و يتجه  نحو الغابة. يقفون ويراقبونه وهو يذهب فحسب.

وحين يبتعد، يستديرون كرجل واحد لينظروا إلى الرأس مرة أخرى غير أنه لا أحد منهم يجرؤ على الاقتراب منها.

باستثناء طفل صغير.

يتضح في النهاية أن الرأس المقطوعة لامرأة. امرأة شابة، ليست جميلة و لا قبيحة.

ينظر الطفل في صمت إلى الرأس  للحظة.

 ثم تفتح الرأس عينيها.

بووو ! تقول. ويقفز الطفل.

آسفة، تقول . لم أقصد إخافتك.

ظننت أنك ميتة، يقول الطفل.

ميتة؟ ماذا تعني؟

لا يعرف الطفل كيف يجيب.

تجول عينا الرأس في الجوار.

أين أنا؟ تقول. لا يبدو المكان مألوفا.

أنت في قريتنا، يقول الطفل. هل أتيتِ من قرية؟ يضيف  بعد لحظة.

قرية؟ تقول الرأس. لا أتذكر.

تقطب للحظة، كما يبدو، لتفكر.

لا أتذكر جيدا، تقول.

 

تبدو الرأس حزينة. هكذا يحاول الطفل أن يُبهجها. يحكي لها قصصا عن حياته. يحكي لها قصة  الراكون الذي  قضم  إصبع قدم أخيه.

تضحك الرأس و تضحك و تضحك.

ثم يعود الصياد من الغابة.

يعود هذه المرة  حاملا رأسين.

لا يبدو أنه قد لاحظ الطفل حين غرز الرأس في الوتد. يثبت الوتد في الأرض كما فعل للوتد الأول.

 من أين تأتي هذه الرؤوس؟ يقول الطفل.

ولكن الصياد  لا يجيب. يمر بمحاذاته تماما، يدخل إلى الكوخ وينام.

   يلقي الطفل نظرة إلى الرأسين. تفتحان عينيهما وتحدقان فيه.

من أنت؟ تقول الرأسان.

طفل. تقول الرأس الأولى. لقد فقد أخوه إصبع قدمه بسبب  الراكون.

آه، تقول الرأسان الجديدتان. ثم تنظران إلى الطفل.

آه. تقولان.

 

في الصباح، يستيقظ الطفل باكرا ويتبع الصياد إلى الغابة. يسير الصياد بسرعة. من الصعب اللحاق به. ويصير الأمر أصعب وأصعب بينما هما يمشيان.

يتبع الطفل الصياد طوال اليوم. ويضيع كل مسالك المكان الذي يوجد به. كل ما يعرفه هو أنه  لم يسبق له في حياته  أن ابتعد عن قريته كما الآن.

وأخيرا  يشرع الصياد في التمهل.

يتوقف خلف شجرة و يفحص المكان.

ثم يهيئ خنجره و رمحه.

 

ينتبه الطفل كي يتابع نظرة الصياد. بعيدا عن الشجرة ثمة قرية في الرقعة الخالية من الأشجار. إنها مليئة بقرويين – قرويين يشبهون تماما  أولئك  الذين يسكنون في قريته –   يعيشون  حياتهم في سلام.  يتحدثون و يضحكون ويواصلون  حياتهم كما لو أن لا شيء  يحدث. كما لو أن لا أحد  كان يختبئ وراء الشجرة ويستعد للهجوم  عليهم وقتلهم.

يهجم الصياد. يهلع القرويون. يصرخون و يصيحون ولكن لا شيء يستطيعون فعله. يضرب الصياد ويطعن ويضرب ويجز ثلاث رؤوس أخرى. ثم يجمعها  في يديه ويعود إلى الغابة مرة أخرى. يهرع مسرعا – دون أن يُرى- بمحاذاة الطفل.

وبعد لحظة  يتبع القرويون الصياد.

 

يهرع الطفل خلف الصياد، ويتعقبهما القرويون. يهرع لأجل حياته دون أن يلتفت إلى الوراء. يجري بأسرع ما يمكن. يجري إلى أن يخفق قلبه بقوة في صدره ويصير كل ما يستطيع سماعه هو تنفسه. وفي ذهنه يسمع صياح القرويين بينما الصياد يضربهم حد الموت.

 وبطريقة ما يعود الطفل إلى قريته حيا تاركا متعقبيه في الخلف.

 وهناك يجد الصيادَ بالقرب من كوخه  يثبت  الرؤوس الثلاثة في الأرض..

 

متأخرا، تلك الليلة، يدخل الطفل إلى كوخ الصياد ويقف بالقرب منه في الظلام. يريد أن يعرف ِلم يقتل أولئك الناس، يريد أن يعرف لم يجز رؤوسهم. ولكن ليس في الشكل النائم للصياد ما يفسر للطفل أي شيء  – أي شيء بالمرة – عَمّ يدور بذهنه ولماذا يقوم بالأشياء التي يقوم بها.

عندما يستدير الطفل أخيرا و يخطو خارج  الكوخ يجد ستة رؤوس مقطوعة في الخارج تنتظر.

ينبغي عليك أن تقتله، تقول الرأس الأولى.

 ينبغي عليك أن تفعل. تقول الثانية.

أنت الوحيد الذي يستطيع، تقول الثالثة.

إن لم يكن أنت، فمن سيكون؟ تقول الرؤوس.

 

في اليوم الموالي، يختبئ الطفل في ظلال كوخ أمه ويراقب الرؤوس الستة بينما هي تتكلم. يستطيع سماع ما تَقُلْنُه ولكنه يعرف أنها تتحدث عنه- تستمر عيونها في النظر صوبه.

يحمل الطفل سكينا في يده- سكينا صغيرة وجدها في الوحل.

يتحسس حافة السكين بإبهامه. يجفل  حين تكون على وشك  اختراق جلده.

 

عندما يعود الصياد من الغابة ذلك المساء لا يكلف نفسه بالانشغال بالأوتاد.  يلقي بكل الرؤوس التي يحمل في كومة قريبة من كوخه و يدخل  و يتمدد لينام فحسب.

ينظر الطفل إلى كومة الرؤوس  التي  تنظر إليه .

 يمر بعض الوقت.

ويمر أكثر.

ثم يصبح الجو مظلما جدا.

 

ينهض الطفل من مخبئه و يخطو إلى الأمام.

قم بذلك. توشوش إحدى  الرؤوس. فَكٍر في رأسه كإصبع قدم ، تقول الرأس. كن كالراكون.

قم بالأمر لأجلنا، تقول رأس أخرى. ولن تُجزً  مزيد من الرؤوس أبدا .

قم بذلك، تقول الرؤوس الأخرى. قم به. قم به.

قم بذلك، تقول كل الرؤوس.

 

ويقوم  الطفل بذلك.

ثمة كثير من الدم. و تستغرق  عملية قتل  الرجل بعض الوقت.

بيد أنه عندما يخرج الطفل أخيرا من كوخه حاملا الرأس، يشعر ، على نحو غريب،  بالهدوء .

يضع رأسَ الصياد في وتد  يثبته في الأرض.

أغلقت  الرؤوس الأخرى  عيونها.

ينسل الطفل إلى الغابة و يختفي.

ــــــــــــــــــــــــــــــ

Ben Loory: قاص أمريكي من مواليد سبعينيات القرن الماضي. يعيش في لوس أنجلس.  يعتبر  واحدا من بين كتاب القصة الجدد المتميزين. نُشرت قصته TV  في مجلة النيويوركر الشهيرة. صنف موقع مجلة The Nervous Breakdown  الالكنروني كتابه : Stories for Nighttime And Some for The Day   الصادر عن دار النشر Penguin   العريقة كأفضل كتاب لسنة 2011.

 

مقالات من نفس القسم