ذكريات وليست مذكرات: الممثل محمد سعد.. سيرة ومسار

محمد سعد
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

حسين عبد الرحيم

ممثل موهوب لأبعد مدى، تلون ميلودي في غاية الدقة. يقدم الممثل المصري محمد سعد لوناً واحدا في الأداء اصطلح على تسميته “كوميدي” أو “فارس”، ارتبط بمفاهيم ومصطلحات أو اكليشيهات عقب ظهوره في منتهى الثمانينات وهو أداء إستيدج الكباريه السياسي وهو ما كان مطروحاً في مسرح القطاع الخاص فترة تأجج وسريان ثقافة” البترودولار” وجماهير الخليج التي كانت مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالمهزلة المسرحية وماكان يقدم فيها في مصر إرضاءً لجماهير لا تملك إلا ثقافة صحراوية هاربة من مجتمعات منغلقة لفضاءات الكباريه السياسي في ليال يمصر العامرة والباهرة والتي تحتشد لسيزون أو موسم الصيف بكل ما لذ وطاب من مشهيات دنيا من عري وتعري وإفيهات رخيصة ولعب على تشوهات خلقية مصطنعة تستغل من قبل ممثلين وكتاب منحطين روجوا للهلس والكوميك تياترو الرخيص في عقدي السبعينات والثمانينات وحتى منتصف الثمانينات.

وقتها في ذروة هذا اللون المسرحي عرفت الممثل محمد سعد في بروفات مسرحية “الفرافير” عن نص الكاتب القصصي والروائي يوسف إدريس مع المخرج الراحل البورسعيدي الأصل عبد الرحمن عرنوس.

كان سعد “مكسر الدنيا” على خشبة الطليعة وقت البروفات، بلغة رجل الشارع، ورغم سطوة الحس والزعيق الحنجوري المفرط إلا أن عرنوس كان مقتنعا بأن محمد سعد كتلة أو كتل ملتهبة من جمر الأداء التمثيلي في مدارس الفارس والسخرية والهزل والعبث وكل في مساره الخاص بتفرد ماهية تقطير الممثل للتلون الميلودي فيما يخص درجات الصوت والانفعال وحتى الثبات الإنفعالي.

المرة الثانية بعد معرفتي والتقائي بسعد في 89 في وجود عرنوسـ ظهر عرضه الثاني لعرنوس أيضاً وكان مكانه خشبة مسرح معهد فنون مسرحية بأكاديمية الفنون في العام 90، وكان عنوان العرض ” فلانو كمان وكمان وكمان” عن شبه سيرة ليوسف شاهين وارتجاله في الأداء كممثل غير عادي هو الآخر.

حضرت ليلة العرض الأولى في وجود تكريم دفعة ستينية من خريجي المعهد منهم الراحل إبراهيم خان ومحمود الحديني وغيرهما، حضر المخرج هشام أبو النصر وكان مندهشا بأداء محمد سعد. فسألته بحس رجل أخلاقي طازة: “طب كدا جو مش هايزعل يا أستاذ هشام؟”.

فرد المخرج الراحل: “بالعكس داا هايتبسط جدا”.

لحظات وفي منتصف العرض ظهر شاهين ودخل الصالة المظلمة، وجلس في الصف الأول ليشاهد محمد سعد وكانت المفاجأة المدهشة. ضحك المخرج الكبير كثيرا واندهش بأداء سعد ولم ينصرف إلا مع إنتهاء ” فولانو كمان وكمان”، وسلم على عرنوس وتوقف لربع الساعة مع محمد سعد الذي لم يتمالك نفسه فاحتضن شاهين وهو في قمة الفرح والانتشاء لحضور يوسف شاهين وإعجابه اللا محدود به.

ساعتها اقتربت من يوسف لأسمع ما قاله لسعد، وقت أن اقترب من عرنوس وأبو النصر من الاستيدج، وقبل أن يبدأ تكريم دفعة تمثيل ونقد العام 62 وردد شاهين مخاطباً محمد سعد: “إنت ممثل كويس وممكن تبقى عبقري تمثيل بس يا يارييت بلاش الزعيق والإفراط في الحنجورية”.

أظن ومتأكد إن هذه حقيقة ومختصر أداء محمد سعد، الذي أظنه لو تخلي عن ثقافة ومحميات النجم الأوحد الهاضم والمستوعب لشكل الأداء ومن قبله الإنتاج، وتتبع سلالة نجوم الكوميديا بعيونهم الثاقبة والمهتمة بردود فعل شباك الإيراد والتذاكر وبتجلي ثمة ممثل ما أطلق عليه كوميدي والذي يقوم بكل شيء في النص المكتوب من أداء وتمثيل وغناء ورقص وتلون الأداء في مناح عدة ومتعددة في مسارات وماهية التمثيل والأداء حتى الحركي ولزمات الإفيهات المكرورة، لكان من أهم الممثلين الموجودين في مصر منذ ثلاثة عقود.

مقالات من نفس القسم