د. فاطمة البودي: أنا ناشرة من مقاعد المثقفين

فاطمة البودي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

حاورها: صبري الموجي

بحسب تقرير مجلة ” فوربس” العربية، اختيرت ضمن أقوي مائتي سيدة في مجال الأعمال.

درست الكيمياء الحيوية، وحصلت فيها علي درجة الدكتوراه.

لشغفها بالقراءة، التي تربت عليها منذ نعومة أظفارها، يممت وجهها نحو الثقافة والفنون، فأنشأت دار العين للطباعة والنشر، التي أخرجتْ للمكتبة العربية علي مدي ٢٥ عاما إصدارات صنعت الفارق، وأثبتت أن للعين رسالة وهدفا، وهو ما أهَّلها للفوز مؤخرا بجائزة الشيخ زايد للكتاب في دورتها ١٧، التي تنافس عليها أكثر من ٣٠٠٠ مرشح من بين ٦٠ دولة عربية وعالمية.. مع الناشرة د. فاطمة البودي مؤسس ورئيس مجلس إدارة العين للطباعة والنشر كان هذا الحوار

سلكتِ دهاليز الطباعة والنشر وحققتِ تميزا أهَّلك لحصد الجوائز رغم تخصصك ودراستك العلمية.. أسباب التحول؟

خلفيتي العلمية، ودراستي هما ما دفعاني للتفكير في دخول عالم النشر، فكلُّ أصدقائي من أقطاب الثقافة العلمية مثل د. أحمد مُستجير، ود. مصطفي فهمي، ود. نبيل علي، ود. أحمد شوقي، وكان هدفي أن أتخصصَ في نشر الثقافة العلمية فقط؛ لأن هذا النوع من الكتب كانت تفتقر إليه المكتبة العربية جدا، فكان ضروريا أن يعرف الناسُ معني الثقافة العلمية، أو العلوم المُبسَطة، وهذا بالفعل ما دفعني لدخول عالم النشر.

دخلتِ عالم النشر رغم سيطرة الرجل علي مفاصله بامتياز.. حدثينا عن معالم الطريق الذي رسمته د. فاطمة البودي لإثبات ذاتها؟

بدأ الاهتمام من أول اختيار اسم الدار، و”اللوجو” المُميِّز لها، فكانت “العين” تعني العين التي تري، والعين مرآة الروح، ووسيلة المعرفة، ورصد كلِّ جديد، فرسمت طريقا يهدُف إلي تحقيق نقلة نوعية في النشر، فمنذ بدأت السير في سكك ودروب هذا العالم، لم يكن أحدٌ مهتما بنشر كتب الثقافة العلمية، فحرصتُ علي تعزيز مفهوم الثقافة العلمية، وساعدني بل أعتبره نجاحا كبيرا أن نشرَ عندي كتابٌ كبار كالأسماء سالفة الذكر، إضافة إلي أن الصحافة لعبت دورا كبيرا في هذا النجاح أيضا من خلال فرد صفحات ثقافية تُناقش إصدارات دار العين، وتُعلن عن مولد دار نشر جديدة ومتميزة تعرف هدفها، وتسير نحوه بخطوات واثقة، إضافة إلي نشر تلك الصحف دراسات نقدية عن إصدارات دار ” العين”.

صناعة النشر تحتاجُ إلي مجهود مُضنٍ بدءا من كون الإبداع فكرة في ذهن المُبدع مرورا بمحطات إخراجه للقارئ.. أهم الصعوبات التي واجهتك وكيف تغلبتِ عليها؟

بعد فترة من دخول عالم النشر، أدركتُ أن نجاح الناشر، يتطلب نشر جميع أطياف المعرفة، فنشرتُ إلي جانب الثقافة العلمية الأدب، والدراسات الاجتماعية، وساعدني في تحقيق النجاح تعامُلي مع كبار الكتاب والمفكرين في شتي صنوف المعرفة مثل د. جلال أمين، والسفير حسين أحمد أمين، ونشرت في الاقتصاد للدكتور حازم الببلاوي، وفي العلوم للدكتور فاروق الباز، وكلُّهم أسماء وعلامات مضيئة في طريق دار “العين” للنشر.

وبالنسبة للصعوبات فكان التعامل مع المطابع أهم الصعوبات التي واجهتني، والسبب أن مهنة النشر برمتها كانت حكرا علي الرجال، عكس بقية دول العالم، فكنت أول مصرية تخوض غمار هذا العالم، وكان غريبا ولافتا أن يجد عمالُ المطابع امرأة تقود العمل؛ لهذا حرصت علي التردد علي المطبعة باستمرار لإزالة هذا المفهوم لدي عمال المطبعة، ولأشرفَ علي دقة الطباعة، ودرجة ألوان الغلاف، وغيرها من الفنيات، التي وجهني إليها الفنان أحمد اللباد مصمم “لوجو” دار العين، والذي استعنت به في البداية في عمل كثيرٍ من أغلفة الدار.

هذا إضافة إلي ” التزامي الأخلاقي” فكان من أكثر الصعوبات التي واجهتني، فمهما بلغ إعجابي بكاتب، أو مفكر ينشرُ لدار أخري، فإنني لا أفكر مُطلقا في استقطابه، أو مخاطبته للنشر عندنا علي اعتبار أن هذا اعتداء علي حق الزملاء الناشرين، والحالة الوحيدة التي تجعلني أقبل الكاتب، هي مجيئه بنفسه، وإعرابه عن رغبته في النشر بدار العين دون تحريض من أحد، ساعتها فقط أرحب به كاتبا لدار العين، وناشرًا بها !

وبوصفي ناشرة، أعتبرُ “التوزيع” من الصعوبات أيضا، خاصة أنني كنت شغوفة بنشر إصدارات نوعية تحقق تغييرا في المجتمع، ولا تكون كبقية الإصدارات الكثيرة والمنتشرة في الأسواق، ولكن ” العدد في الليمون”، فكانت مسألة التوزيع مهمة صعبة للغاية، تحتاج إلي جهد مضن، وتغلَّبنا علي تلك المشكلة بفريق عمل يعمل بروح الفريق، ويؤمن بأن الدار داره هو !

ومن الصعوبات أيضا، والتي سببت لي شخصيا حرجا كبيرا رفض النشر لكاتب مهم، ولكنَّ كتاباته لا تتماشي مع مستوي الإبداع الذي تنشده الدار، وهو ما حدث مع كثيرين.

اختلفتْ وجهاتُ النظر حول الرقابة فرآها البعض مُؤطّرا للأدب لتوجيهه في إطاره الصحيح، ورآها البعض عائقا.. موقف البودي من الرقابة كناشرة ومبدعة؟

أرفض الرقابة بكلِّ أشكالها، وعُرف عن دار ” العين” أن سقفها عالٍ في نشر الإبداع تحديدا، طالما أن الكتابة إبداعية والعمل محكم، فالرقابة بكل صراحة تقصف الإبداع !

نعم هناك مسلمات، أحافظ عليها، لكنْ ليس بالقمع، فالرقابةُ لا تؤطر الأدب، والأدب الجيد يستطيع أن يقول كلَّ ما يريد دون أن يتعرض لقصف الرقابة.

دخلتْ “العين” مارثوانا صعبا لحصد جائزة الشيخ زايد.. فبماذا تميزت العين عن مثيلاتها لتنال جائزة الشيخ زايد للكتاب؟

تميزت بمشوار استغرق 25 عاما من الجهد، والعمل بإخلاص ودأب، لأحظي بشرف هذا التتويج المبهر، وهو جائزة الشيخ زايد للكتاب فرع النشر والتقنية الثقافية، وفوزي بهذه الجائزة مسئولية كبيرة، فبمجرد سماع خبر الفوز، شعرتُ بأنني صغرت 30 سنة، وأدركتُ ثقل المسئولية التي حملتُها علي عاتقي، والتي ستدفعني لنقلات نوعية في النشر، لم أسلكها من قبل، فسريعا فكرتُ في نشر كتب أطفال، وزيادة كتب الفلسفة، وتعميق النشر في هذا الخط، مثلما عمقنا النشر في خط التاريخ، الذي أخرجنا فيه إصدارات متميزة، والخلاصة أن النجاح مسئولية ولكنها لذيذة وممتعة.

اعتمدت د. البودي في تحولها للثقافة علي الموهبة وحدها أم صقلتْ ذلك بالدراسة ومن الذي شجعك علي هذا التحول؟

أنا لم أتحول للثقافة، فطول عمري قارئة نهمة، وأحب الموسيقي، والفن التشكيلي، وعززتُ ذلك بالدراسة في أكاديمية الفنون، وحصلت علي دبلوم نقد وتذوق أدبي، ويرجع الفضل لأصدقائي في جعل دار العين للنشر واقعا ملموسا بعدما كانت حلما، حيث شجعوني أكثر من مرة علي إنشاء الدار، وأكدوا أنني أستطيع تحقيق ذلك، وهو ما ملأني ثقة، برغم أنني لم أكن أعرف شيئا عن هذا العالم المليء بدهاليز ومفارقات لم أكن أعلم عنها شيئا.. المهم أن هدفي والذي جعلته نصب عيني، هو تثبيت أقدامي بإصدارات متميزة فقط.

تمتاز الكتابة العلمية بالوضوح والصدق البعيد عن الخيال وهو ما يعوق انتشار الإبداع.. كيف تغلبت علي هذه المشكلة؛ منعا لكساد سوق الكتاب العلمي، الذي تميزت بنشره دارُ العين؟

لم يكن – أبدا – هدفي الربح المادي في البداية، بل كنتُ أنشدُ تحقيق نقلة نوعية في عالم النشر في مصر، جاء ” صالون العين الثقافي” برهانا عليها، فكان شيئا مُميزا لدار العين، إذ اعتدنا أن نعقد كل أسبوع ندوة أو أكثر، نناقش فيها إصدارات الدار، وهو ما لم يكن مألوفا لدور النشر آنذاك، وكان يواكب تلك الندوات تغطياتٌ صحفية كبيرة وواسعة، لاسيما عندما بدأت العين في نشر الأدب، وكان يوم مناقشة رواية ” موسم الهجرة للشمال” للطيب صالح يوما حافلا ومشهودا، حيث اجتمعتْ القاهرة كلها في مكتب دار العين للنشر، بحضور قمم ونجوم الثقافة والإعلام، وأؤكد أنني كنتُ في رحلتي في عالم النشر مدعومة بمباركة وعناية إلهية، وفي بداية امتهاني مهنة النشر لم أكن أعاني مما نعانيه الآن من مشكلات تتعلق بهذه الصناعة لقلة عدد الناشرين، إذ إن رقم عضويتي باتحاد الناشرين المصريين كان ٣٥٥ في حين تجاوز العدد الآن ١٤٠٠ ناشر، وهو ما يؤكد أن “العدد في الليمون”. إضافة إلي أن كتب الثقافة العلمية، كانت تُلتهم التهاما؛ لوجود نقص شديد في المكتبة العربية في هذا النوع من الكتب، وبفضل جودة وغزارة ما أنتجته دار العين للنشر من كتب ثقافة علمية مترجمة، ومؤلفة، ساهمنا في شق رافد جديد من روافد مكتبة الأسرة، وهو رافد الثقافة العلمية، فكانت العين مع المكتبة الأكاديمية يشكلان أهم روافد هذا الفرع في مكتبة الأسرة.

انتشرت “الميديا” انتشار النار في الهشيم، فمتي بدأت استفادة “العين” منها، وهل ساعدتٔ ” الميديا” صناعة النشر أم ألحقت بها الضرر كما حدث للصحافة الورقية؟

أنا من أوائل من تعامل مع الفيس بوك، ووقتها لم يكن انتشر مصطلح ” السوشيال ميديا”، ففي سنة 2007 كان الفيس بوك يشق طريقه نحو الانتشار، وساعدني في التعرف والتعامل مع الكتَّاب والشعراء، والمفكرين في أنحاء الوطن العربي كله، وساعد أيضا في أن تكون دار ” العين” معروفة للمهتمين بالنشر سواء قراء أو ناشرين، ومع الانتشار، الذي أسهم في تحقيقه الفيس بوك، شاركنا في معارض عربية ودولية بإصدارات متميزة ثبَّتت أقدامنا، وهنا أؤكد أن مشاركاتنا كانت بعد تعدد إصداراتنا وتميزها، وليس كما تفعل بعض الدور الآن، حيث تشارك في معارض رغم حداثتها، وقلة إصداراتها.

دفع ارتفاعُ سعر الورق بعض الدور لإصدار طبعات شعبية لترويج الكتاب.. مدي تأييدك ورفضك للفكرة؟

مصطلح الطبعة الشعبية تم استخدامه في أوروبا وأمريكا، فيطبعون عددا محدودا نحو 200 نسخة تقريبا بورق فاخر مصقول، وهارد كفر، فتكون النسخة مكلفة للغاية، وتكون بمثابة اختبار للكتاب، وبعد هذه الطبعة الفاخرة، يطبعون الطبعة الشعبية بغلاف ورق “كوشيه”، وورق داخلي غير فاخر، إضافة إلي محاولات تصغير حجم الكتاب، وكلها محاولات فاشلة، أما دار العين، فتعمل بأحسن ورق، وأحسن تقنيات طباعة، ونهتم بالغلاف بفضل القفزة التي قفزتها دار العين، بالتعاون مع الفنان عبد الرحمن الصواف، الذي أبدع في عمل أغلفة جذبت الأنظار لجناح دار العين للنشر هذا العام.

كناشرة.. حدثينا عن أثر دكاكين النشر ودور بير السلم علي دور النشر صاحبة الاسم والتاريخ؟

أنا أول من استخدم مصطلح دور نشر ” بير السلم”، وهذه الدور تسيء إساءة كبيرة للنشر الجاد، وتشوه الشكل والمضمون بواسطة ” الذباب” الإلكتروني المُخيف، الذي يروج لمنتج غث رديء يهدم أركان هذه الصناعة العتيدة !

كما يعتبر التزوير الورقي أهم خطر يهدد صناعة النشر، فكنا بمجرد طباعة الكتاب نجده نزل علي الإنترنت، وهو يُعد ضربة في مقتل لدار النشر الأصلية؛ لأن المزِّور ليست عليه أيُّ تكاليف مالية كما هو حال دور النشر، التي عليها تكاليف من مكتب وموظفين، ومرتبات، حق المؤلف، أما المزور فإنه يسطو علي كل ذلك، ويصنع كتابا ويبيعه بلا أعباء، ومن هنا أطالب بوقفة حازمة من الدولة وتغليظ عقوبة التزوير التي تهدد بانهيار صناعة تُنعش الاقتصاد وتدر الدخل علي البلاد.

وماذا عن درجة رضا المؤلفين المُتعاملين مع دار العين؟

بالنسبة لدرجة رضا المتعاملين مع دار ” العين” فهذا أمر يُسأل عنه المتعاملون أنفسهم، ولكني أؤكد أنني أحرص علي حقوق المؤلفين، فأنا ناشرة من مقاعد المثقفين، صحيح أنني لست كاتبة، ولكني ناشرة لإصدارات متميزة، أهلتنا للفوز بجائزة الشيخ زايد.

معايير اختيار العمل المنشور.. تعتمد علي الاسم أم المضمون أم ماذا؟.

أهم معيار أن يكون العملُ جيدا، فأنا آزرت، وأؤازر الموهوبين رجالا أو نساء، صغارا أو كبارا، المهم أن يكون العمل جيدا وبه إضافة تُمتع وتفيد القارئ، فالجودة هي المعيار أولا وأخيرا، وليس شرطا أن يكون الاسم كبيرا، فقد تعاملتُ مع كتاب في بداية طريقهم، وصاروا الآن نجوما كبارا في سماء الكتابة.

وماذا عن مشروع العين الثقافي؟

مشروع العين الثقافي تتمثل معالمُه في اهتمام الدار بالأبحاث، فقدمتُ جائزة لأحسن بحث علمي، وقتما كنت عضوا بلجنة الثقافة العلمية بالمجلس الأعلي للثقافة، وكانت العين الراعي الرسمي لجائزة يحيي الطاهر عبد الله للقصة القصيرة، واستحدثت جائزة للرواية القصيرة باسم الكاتب الكويتي الراحل إسماعيل فهد إسماعيل، وتشارك دار” العين في كل المعارض العربية والدولية بخبراتها الواسعة، كما تشارك في المؤتمرات المهنية، والندوات الثقافية، وكلها فعاليات تُثبت أن للعين مشرعا ثقافيا واضحا.

مقالات من نفس القسم