حوار: عبد الهادي عباس
أحد أشهر النقاد الشباب، تُعلن دراساته المتميزة عن نفسها في الأوساط الثقافية، إنّه دكتور رضا عطية إسكندر، ماجستير في الآداب عن “مسرح سعد الله ونوس (دراسة سيميولوجية)”، من كلية الآداب جامعة عين شمس بتقدير امتياز وتوصية بالطبع، ودكتوراه عن “الاغتراب في شعر سعدي يوسف: دراسة في النقد الثقافي”، بمرتبة الشرف الأولى.. عضو “لجنة القصة” في “المجلس الأعلى للثقافة”.. حاصل على جائزة “ساويرس في النقد الأدبي” 2017، لأفضل عمل نقدي عن كتابه “العائش في السرد”، وجائزة “أفضل كتاب في معرض القاهرة الدولي: فرع النقد الأدبي” في دورة اليوبيل الذهبي للمعرض، عن كتابه “الاغتراب في شعر سعدي يوسف: قراءة ثقافية”، وجائزة المركز الأول من مكتبة الأسكندرية في مسابقة مقال النقد الأدبي حول رواية ميرامار، 2012.. يُرسل د. رضا رسائله إلى:
1-نجيب محفوظ: الأستاذ دائمًا
ستبقى الأستاذ والرائد بإسهامك في تأسيس الرواية العربية، والمجدد بكتاباتك الطليعة، قدمت الرواية في أنواع شتى: التاريخية المشحونة بإسقاطات على الواقع المصري، والواقعية الاجتماعية ذات الوعي النقدي السياسي أو ذات الإسقاط الفلسفي الوجودي والرواية المحلمية الرمزية وكنت أول من كتب ببراعة الواقعية السحرية المستثمرة تيمات التراث في “ليالي ألف ليلة”، حتى كانت نصوصك المدهشة، فوق النوعية؛ في “أصداء السيرة الذاتية” ونصوصك الحلمية، لتبقى جبلاً راسخًا غنيًا بكنوز لا تفنى، وهذا ما يثير غيرة وأحقاد الكثيرين من الكتّاب أنصاف المواهب والأدعياء نحوك.
2-توفيق الحكيم: كنوز لم تستثمر بعد.
كنت مستحقًا لـ”نوبل”، مثل نجيب محفوظ، وهو الذي صرح بذلك. أجد كثيرًا من كنوزك لم تستثمر بعد ولم تُقرأ كما تستحق، تركزت معظم الدراسات النقدية والقراءات الجماهيرية على أعمال بعينها من نصوصك، بسبب الوعي أحادي النظرة الغالب في العقلية النقدية العربية، فأنت رائد من مؤسسي الرواية العربية في “عصفور من الشرق” و”عودة الروح” و”يوميات نائب في الأرياف”، وكنت صاحب ريادة طليعية في المسرح بنصك المدهش، “ياطالع الشجرة”. لم تزل كثير من نصوصك كمسرح المجتمع والمسرح المنوع ومجموعاتك القصصية لم تستثمر كنوزها بعد.
3-أحمد عبد المعطي حجازي: لكلماتك الحياة
حين أخبرني ناشرٌ سوريٌّ في معرض باكو للكتاب بأذربيجان بأنّه لا يذكر من شعراء مصر المحدثين غير شوقي وحجازي الذي مازال يحفظ قصيدته “لمن نغني” بعد ربع قرن من دراستها ضمن مقررات البكالوريا، حضرني سطور من قصيدتك ياحجازي التي تبث فيها حلمك بحياة للشعر: “كلماتنا مصلوبة فوق الورق/ لما تزل طينًا ضريرًا، ليس في جبينه روح/ وأنا أريد لها الحياة” ونقول لك ياحجازي إنك تغني للشعر والجمال وخلود الكلمات التي تحيا بروحك الملهمة، لتبقى هرم مصر الشعري ونباهي بك الأمم.
4- صلاح فضل: شيخ النقاد العرب
أراك أستاذي الشامخ الضلع الثالث في مثلث عظماء النقد الأدبي مع طه حسين ولويس عوض، بإسهاماتك المهمة للنقد العربي، استوعبت بوعيك المتقدم أحدث المناهج النقدية الغربية وأعدت توطينها بأرض الثقافة العربية واستزراعها في حقول النقد العربي، قدمت المنهج البنيوي والنقد الماركسي والنقد الثقافي وبلاغة الخطاب وعلم النص وغيرها من النظريات النقدية الحداثية التي جعلت النقد علمًا. صرت أنت المعمدان وكتابتك عن المبدعين ونصوصهم بمثابة معمودية تمنحهم صك الاعتراف. تعلمت منك أنَّ النقد رسالة وعشق للتميز وقدرة على التمييز بين أقدار المبدعين.
5-صالح سليم: المايسترو
يبقى الكابتن صالح سليم أيقونة للشموخ وقامة مديدة وراية فخر حمراء ومثالا أعلى للتسامي والالتزام بالمبادئ مهما كلف ذلك من احتمالات لبعض الخسرات الوقتية. لم تكن ياصالح لاهثًا نحو الأضواء فصرت شمسًا مشعة تسكن سماء تخصك، كنت صادقًا ومتسقًا مع قيمك، لم تهادن في سبيلها، حافظت على الأهلي قلعة للقيم، لذا أحبك الملايين من جمهور الكرة وحملوك كشارة اعتزاز. رحلت يا صالح وبقت سيرتك عطرة وشموعك مضيئة لكنَّ مكانك ظل شاغرًا لم يملئه من جاءوا بعدك.
6-سركون بولص: شاعر يغرد خارج السرب
الشاعر العراقي سركون بولص أراه الأهم في قصيدة النثر العربية، كم أعتز بأنّ كتابي “تجربة المكان في نص سركون بولص” هو أول كتاب نقدي يقرأ تجربته العامرة بجماليات لم تكتشف بعد؛ فشعره كخمر معتق يقوى أثره وتثمن قيمته بتقادمه، جسدت يا سركون ببراعة مأساة اغترابك بالمكان الآخر: “اللاجئ المستغرقُ في سَرد حكايته/ لا يُحسّ بالنار عندما تلسعُ أصابعه السيجارة/ مُستغرقٌ في دهشة أن يكونَ هنا/ بعد كل الهُناكات”، حملت العراق في شرايين قصائدك: “دمائي العمودية وحدها تذكّرني/ بأنهار وطني”.
7-نبيل عبد الفتاح: تجديد الخطاب التنويري
أنت واحد من قلائقل مخلصين في حمل هموم التنوير والعناية بقضاياه وتشريح الفكر المصري المعاصر ونقد العقل الراديكالي وتفنيد الفكر الأصولي، نعرفك وقد أخذت من وسم اسمك الكثير، نقدر مسارك كعقل إصلاحي يسعى إلى غاياته بتقدير الظروف والمتغيرات المفروضة في أرض الواقع بحكمة واعية ورزانة متعمقة في بنى الواقع على مستوى أفقي بإدراك متفطن لتشابكات القضايا وتداخلات المعطيات، ومستوى رأسي باستيعاب المسارات التاريخية للقضايا الفكرية التي تفككها بمنهجية مسلحة بثراء معارفي واقتدار متبصر يستشرف مآلات الأمور.
8-عفاف راضي: سحر الصوت المصري الأصيل
لصوت عفاف راضي هوية وشخصية مميزة تجعله محصنًا من التشابه مع غيره من الأصوات وعصيًا على التقليد، تتبدى فرادته في جمعه بين الاقتدار الأوبرالي والتجذر في الهوية المصرية، صوت كنبت راسخ في التربة المصرية، كنتِ الصوت الذي تجلت فيه عبقرية بليغ حمدي في “لمين يا قمر” و”ردوا السلام” والرحبانية في مسرحية “الشخص” وأغنيات كـ”الصاري عالي”، تنسمنا نحن مواليد الثمانينيات من القرن الماضي نسائم الطفولة المدهشة عبر أغانيك للأطفال وارتشفنا انتماءنا المصري من أغنياتك الوطنية: “حبك أصيل وكفاية”، و”مصر هي أمي”.
9-محمد بدوي: بلاغة النقد
أقدرك ناقدا ذكيًا، أبهرتني كتابة التساؤل في كتاباتك واختياراتك النقدية. كم كان كتابك “بلاغة الكذب” فارقًا ومدهشًا يبرز اقتدارك النقدي وذكاءك الحاد وبصيرتك النافذة في قراءة النصوص الجمالية. نعرفك ناقدًا يمتلك وعيًا قادرًا على تقديم نص نقدي يعيد إنتاج النص الجمالي والثقافي المقروء بأناقة وتعمق نافذ إلى خلايا النصوص، كأنك عليم بكثير من أسرارها. أعرفك زاهدًا في كتاباتك النقدية لكني وكثيرين معي ننتظر بشغف كتابك عن نجيب محفوظ الذي قدمت عنه عددا من الدراسات البديعية والمختلفة.
10-جرجس شكري: مثقف يقدر رسالته
عرفناك شاعرًا حقيقيًّا مميزًا بين شعراء جيل التسعينيات، ومثقفًا يحترم إبداعه ويقدر مسؤولياته ويعي أهمية دوره وقيمة رسالته. تحية واجبة لك على دورك الفعال بما قدمت للثقافة المصرية من خلال مشروع النشر في الهيئة العامة لقصور الثقافة بإصدارت مهمة أشبعت احتياجات القارئ المصري لثقافة جادة، كما في سلسلة نصوص المسرح العالمي وكتب ذخائر التراث وغيرها من أمهات الكتب. لكن نتمنى ألا يشغلك العمل الثقافي العام عن مشروعك الإبداعي وكتاباتك الشعرية التي لها مكانتها المرموقة على خريطة الشعر المصري والعربي.
………………………..
*(نقلاً عن جريدة “الأخبار” عدد الأحد 29/ ديسمبر/ 2019)