لالي ميلدور
نقلها عن الفرنسية: خالد النجار
المقدمة
بقلم خالد النجار
لالي ليست رسولة وليست شيطانة…
لالي ميلدور شاعرة ممتزجة بحلمها، فهي تعيش الواقع كحلم والحلم كواقع. أو قل إن الحلم لديها هو واقع آخر. لذلك يبدو بناء نصها الشعري كبناء الحلم مفاجئا ولاعقلانيا. وأبجديتها الشعرية قريبة بالنتيجة من الكتابة الأوتوماتيكية كما عرفها السرياليون. كتابة صادرة عن قارة اللاوعي المظلمة واللاّنهائية التي يترسب فيها الخليط الخميائي السحري من ماضي الانسان البيولوجي والثقافي والعرقي. وكتابتها بالنتيجة قريبة مما يسميه العرب القدامى نثر الكهان… الكهان الذين يعيشون حالة وجد وجذب (État de trance) مستمرتين كطريقة للاستبصار. طريقة استعادها الفكر الفلسفي المعاصر ممثلا في انجاز الفيلسوف المكسيكي تيرانس ماكينا الذي يدعو إلى احياء روابط الانسان الروحية العميقة بالطبيعة وبآلهة الأرض بوسيلة الجذبة؛ أي إلى إحياء الديانة الشمانية لأنه يعتقد أن هذا التطور العلمي والتكنولوجي وهذه الحقبة الرقمية المتسارعة من تاريخنا المعاصر والتي لم نعد قادرين على التحكم فيها، ستنتهي بتدمير البشرية ماديا بعدما خربت أعماق الانسان الذي وبإبعاده عن الطبيعة دخل في ليل الغياب الكبير… ويرى أن هذا العالم لن تستمر طويلا.
لالي من تلك الفصيلة من الشعراء الذين منحوا أنفسهم للشعر بشكل كلي فاستنفدهم الشعر هو أيضا بشكل كلي. ونتيجة لذلك فالكتابة لديهم ليست حرفة وإنما احتراق… هي من فصيلة طرفة ابن العبد، وبدر شاكر السياب، ورامبو، ووليم بليك، والرسام الهولندي فان خوخ. أولئك الذين عبروا الحياة كالشهب سرعة وإضاءة واحتراقا. وكانت حياتهم عناء وقربانا لآلهة الفن… نماذج اختفت في هذا الزمن الذي تسطح فيه العالم واختفت فيه البطولة من حياة الانسان المعاصر… وتوقف فيه الشعراء كما يقول هلدرلين عن الاصغاء إلى صوت الوجود الحق، والتواصل مع السماويين… عصر الميديا التي استحوذت على أكاد أقول كامل الفضاء الإنساني. لعله ما يزال من تلك الفصيلة شعراء مجهولين لدينا، شعراء لا يدري بهم أحد… شعراء علهم ــــــ كما حدس هنري ميلر ـــ يهيمون الآن على وجوههم في الهند أو في اصقاع أميركا الجنوبية أو في صحاري العرب أو يسيرون غرباء في شوارع المدن الكبرى في باريس أو نيويورك دون أن يراهم أو يدري بهم أحد…
***
لالي ليست رسوله وليست شيطانه. امرأة تسير في الحياة على حافة الحلم والواقع المتداخلان… تبدو مختلطة وضبابية بيد أنها تلمس حقائق الأشياء عن غير قصد… تضع الكلمة في قصيدتها في مكانها فإذا بالكلمة في أعماقك… نتلقى شعرها حدسا كالموسيقى نحسها في كياننا دون أن ندرك كنهها…
لالي ليست من أولئك التجريديين أصحاب النظريات الواضحة التي تمنع الدفق والتلقائية، والتي تمضي بأصحابها إلى الموت الشعري. ورغم كتابتها نصوصا تنظيرية حول الشعرية فقد ظلت محافظة على السر الشعري، وهذه النصوص نفسها هي ابداع حول الابداع الشعري…
ورغم قرب لالي من الماركسية وانحيازها للمستضعفين في الأرض، وللمهمشين والضائعين لم تسقط قصيدتها في الخطاب الأيديولوجي التحريضي الشعبوي استرضاء للجماهير، بل كانت من بين قلة نادرة من شعراء العالم الثالث ممن أفلت من أسر الأيدولوجيا، ومضى إلى ذاك الالتزام الكياني الشامل بالحياة الالتزام الأنطولوجي…
***
لقيتها أوّل مرة في محطة قطارات مدينة مونبولييه الفرنسية… كانت تبدو كالطيف حاضرة وغائبة كان يصحبها في هذه الرحلة الشاعر التركي القدير طغرل تانيول… وحملتنا نحن الثلاثة سيارة المهرجان التي كانت في انتظارنا خارج المحطة. حملتنا في قيظ أواخر يوليو تحت تلك السماء البيضاء إلى لوديف، وإلى مهرجانها الشعري… لوديف المدينة الجنوبية ذات الملمح الروماني الاسباني. لوديف المهمّشة الملتفة على نفسها الهادئة والمنسية وسط بساتينها ومياهها ولكسر هذه العزلة بعثت هذا المهرجان الشعري. وهكذا تحولت في ذلك الصيف البعيد إلى عاصمة شعرية للمتوسط… جاءها الشعراء من كلّ مدن هذا البحر القديم، وشعوبه من عرب وبربر وصقالبة وترك وبلغار ولا تينيين. وامتلأت برجال ونساء وفدوا إليها من كل المدن والقرى الفرنسية. رجال ونساء في منتصف العمر: يساريون وفوضويون وحالمون من بقايا شباب ماي 68 … شعراء شباب من القرى المجاورة: إيزابيل التي اختارت العيش في كوخ في جبال السيفين بعدما غادرت صديقها وانطوت وسط جبال السيفين على وحدتها وقصائدها…
باتريسيا الشاعرة النحيلة الصموتة في وجهها لمحة من جمال نساء عصر النهضة. باتريسيا ترسم قوارب خشبية شبيه بقوارب الفايكينغ على شريط ورقي مطوي في شكل اكورديون بحجم الكف؛ تتخلله قصائد قصيرة مثل الهايكو مكتوبة بخط دقيق. ثمة جرح خفي يتجلى في ابتسامة باتريسيا ورغبة في السفر بعيدا في هذه القوارب التي ترسمها… أو كما لو أن أوراق الأكورديون أجنحة تطير بها في عوالم الروح اللانهائية…استيفان الشخصية الهستيرية، الشاعر الصاخب كامل الوقت؛ لماذا يذكرني في حركاته وكلامه المتدفق بمشاهد من فيلم الراقصة الأميركية إيزادورا دنكن لدى لقائها بالشاعر الروسي يسينين.
باختصار كانت لوديف في ذاك الصيف تضج بأناس متوحدين… نساء متوحدات باحثات عن دفئ العلاقات خارج ثقافتهن. صعاليك ومهمشون باحثون عن الشعر والمطلق؛ عما يهز أعماقهم في هذه الأوروبا الرأسمالية الباردة التي لم تعد تشبع متطلباتهم الروحية.
شباب الحركيين الجزائريين الضائعين بين هويتين وانتماءين، تكتظ بهم الشوارع، شباب يغلب عليه العنف ضد فرنسا: فرنسا التي شكلت لديهم مفارقة درامية، أكاد أقول شيزوفرينية؛ فهي المثال والعدو الذي وعن طريق التبشير الفرنسي اغتصب أعماقهم… تستشعر ذاك الاغتصاب في نظرتهم الحزينة الضائعة… في الليلة الأولى شهدت خصومة. رأيت الشاب ذو الملامح العربية وعرفت أنه جزائري حركي من سكان لوديف. كان يصرخ ويشتم رجال المهرجان عاري الجسد وكانوا يحاولون مسكه والبوليس يطارده بين كتل الجماهير وهو يتفلت منهم ويصرخ ويشتم بأعلى صوته…
في هذا المناخ الاحتفالي الضاج بالألسن والأجناس والثقافات، وفي منعطفات وأزقة لوديف القديمة رافقت لالي ميلدور وطغرل تانيول طيلة أيام المهرجان. رأيت لالي عن قرب… وعبر تلك الدروب، روت شذرات متقطعة من قصص حياتها… قبل الغروب بقليل التجأنا إلى مقهى فندق البريد. النادل حركي جزائري يخلط بين العرب والكرد والأتراك ويخاطبهم كلهم على أساس أنهم عرب…تحلقنا حول طاولة في الداخل. وفي الخارج، ومن وراء مربعات زجاج النوافذ كان يتراءى لنا ضوء برتقالي يغزو سماء الغروب، وقمر نصفي في زرقة السماء الباهتة يبين بين أغصان أشجار الدلب العملاقة التي تحيط بالساحة أمام المقهى، وترمي بظلالها المتطاولة على اسفلت الشارع… طانيول يتحدث عن بول فاليري، تذكرت أورهان باموق الذي تحدث هو أيضا في سيرته عن محاولات أبيه كتابة الشعر متأثرا ببول فاليري. فاليري الذي كانت له مكانة رفيعة في تركيا ما بين الحربين كما هو الشأن لدى مثقفي المستعمرات الفرنسية. استذكرنا قصيدته المقبرة البحرية، قرأت عليه المقطع الأول كان في قمة التواجد. ولالي غائبة في عالمها… أو تسأل بلطف من حين لآخر إن كنت زرت فرنسا فيما مضى، أو أشياء من هذا القبيل. وهي تعود باستمرار في حديثها إلى بلجيكا:
عشت في بلجيكا فترة ولكنها كانت صعبة للغاية… هناك افترقت عن زوجي وسقطت في كآبة عميقة ثم جاء أخي وأخذني معه…
كانت تروي كل ذلك بتعبيرات قلقة وتقلصات الوجه كما لو أنها تعيش ألمها ثانية… طلبت منها قصائدها القصيرة، وأرض النيران وهي المطولة الشعرية التي قرأتها في أمسية البارحة. قالت أعطني عنوانك وسوف أرسلها لك… ولكن القصائد لم تصلني أبدا.
في لوديف رأيت كيف يمتزج الشعر بتفاصيل حياة لالي اليومية: بحركاتها بسهومها وتيهها بهشاشتها وقوتها الخفية إزاء العالم… رأيتها وهي تسير في شوارع المدينة تنادي رفيقها طغرل تانيول كلما ابتعد عنها؛ وسمعتها تتحدث عن بروكسل، عن الماركسية والشعر الإنكليزي، عن إليوت وعيزرا باوند، عن اسطنبول عن موسيقى مناطق المدار في أميركا وأغاني البيتلز وبوب ديلان وكارلوس يوبيم، وبادن باول انطونيكو، عن أسفارها عن وحدتها؛ تتحدث لغة فرنسية ذات لكنة تركية مازجة كلامها ببعض الألفاظ الانكليزية…
***
نادرا ما رأيت في كامل أسفاري شعراء ممتزجين بأحلامهم وبقصائدهم ومداراتهم الشعرية وبمكابداتهم الروحية كما هي لالي. رأيت شعراء لديهم دماثة باردة مثل موظفي البنوك وشركات الأسفار ومدراء الفنادق. وآخرين مفعمين زهوا مرضيا بأنفسهم. وآخرين هادئين يتكلمون برصانة متفاقمة كما لو كانوا أعضاء خطرين في جمعيات سريّة، أو أعضاء في أحزاب حاكمة من العالم الثالث ممن يقومون بمهمات خاصة ومسترابة تستوجب الكتمان والسرية المطلقة، وخاصّة المراقبة الشديدة لألسنتهم حتى لا تنزلق بما لا تحمد عقباه. شعراء وجوههم كالرخام تخلوا من أي تعبير أو نأمة… لالي شيء مخالف. لالي تتحرك في العالم بحرية وبتلقائية وخفة وكأن لا شيء يحيط بها سوى ملائكتها؛ أو كأن التخيلات لديها هي عالم حقيقي آخر؛ وهي نعمة نجدها لدى الأطفال وقلما يحتفظ بها الكبار، هكذا هي لالي.
وأنا ما أزال أعود بالذكرى إلى تلك الأمسية البعيدة في لوديف وهي تقرأ قصيدتها الطويلة والجميلة أرض النيران كما لو أنها تهمس بهدوء إلى كائنات لا نراها تاركة سيلان الصوت الداخلي يطفو بنبراته وتردداته…
ثمة قصائد ونصوص تصحبك كما يقول جورج لويس بورخيس مثل قدر فهي تفعل شيئا فيك وبالتالي في مصيرك وهكذا تصير قدرية وتظل معك مدى الحياة. أرض النيران واحدة من تلك القصائد الهرمتية التي يكتبها الشاعر مرّة واحدة وتبدو بقية أعماله الأخرى تنويعة على ذاك العمل المدهش… من هنا جاءت مقولة نحن نكتب دائما الكتاب نفسه…
***
ولكن من أين جاءت لالي بكل هذه الهرمتية في هذا العصر المزدحم بالشعراء والذي يفتقر إلى الشعر الحقيقي؟؟ الجواب أن لالي جاءت صدفة ككل الأشياء. جاءت إلى العالم وكأنها على موعد مع لحظة الانفجار الشعري والفني الكبير الذي أحدثته موجة الدادا وتسونامي السريالية وتيار التعبيرية التجريدية الذي حرر الفعل الإبداعي…
فمزاجها السيكولوجي والشعري متوافق مع هذه المدارس. مزاج لا يقبل العقلنة ولا الأساليب والقوالب واللغات الجاهزة والمفتعلة…
جاءت لالي بعد ان انفتح باب تلك القارة المظلمة والشاسعة واللانهائية والتي نسميها اللاوعي أو قل العقل المحتجب ـــــ كما يسميه مصطفى صفوان ــــ وانفتاح الفنانين على مناطق شبه الوعي، وعالم الأحلام. وصار الشعراء والرسامون على وعي بوجود تلك القارة المتاهة، وبإمكانية الإفادة منها في عملية الإبداع، وطرق التعبير الشعري اللانهائية… وظهرت نتيجة هذا الاكتشاف الكتابة الأوتوماتيكية التي فجرت الأشكال واللغات وحررت النص. لم يعد للرسام ولا للشاعر تلك القوالب والمرجعيات التي تقود خطاه داخل العملية الفنية. صار مسافر ليل يسبح في خضم عارم من الغموض والمجهول. تخلّى عنه إلهه. وعليه ابداع ابجديته وسرديته التي لابد لها من أن تقنع القارئ. لم يعد هناك مقياس خارجي وأشكال وقوالب مقدسة. صارت قوة الاقناع التي يمارسها العمل على القارئ هي الفيصل.
لالي دخلت مبكرا من هذا الباب المحرم فتحه كما في قصص ألف ليلة وليلة. باب متاهة اللاوعي باب الكتابة في الحقول المظلمة. وبعدما عبرت هذا الباب أسرتها كما تقول هي ساحة الشعر المظلمة… فأنت تجد لديها ظهورات كرؤية المسيح، وشيوخ الطريقة النقشبندية. وعوالمها خليط من أوروسكوب وسريالية وتصوف وهذيان على حافة الجنون تؤدي كلها إلى عالم شعري مدهش. عالم كما لو أنك تضيف حياة إلى حياتك.
***
كنت أقف في مدخل الكنيسة التاريخية التي تقع في زقاق متفرع عن شارع الاستقلال، حيث ستقرأ لالي بعضا من قصائدها. وصلت مع الصديق الفلسطيني قبل بدء البرنامج. كنت أريد لقاء لالي ؛ ولكن وفي غمرة الحديث مع الصديق نسيت أن لالي ستقرأ وأنها من الممكن أن تحضر بين لحظة وأخرى… ظللت أتحدث مع الشاعر الصديق وأنا مأخوذ بكل ما يحيط بي: العمارة العثمانية لآخر القرن التاسع عشر عندما بدأت تدخل عليها بعض التأثيرات مدرسة اليونغ ستيل النمساوية، حركة الناس في شارع الاستقلال، أضواء إسطنبول الربيعية. وأفكر في السلطان عبد الحميد الذي كانت له خلوة في هذا الشارع؛ وفي ارنست هيمنغواي الذي سكن في فندق إنجلترا القريب… كانت ثمة هناك شمعة طويلة تنوس فوق طاولة خاوية في شبه الظلمة السحري لهذه الكنيسة شمعة تشتعل هناك منذ قرون…
كنت أنتظر لالي، وكانت لالي قريبة تحادث امرأة، ولم أنتبه… التفت فجأة، لم أتعرف عليها من أول وهلة، حدست أن المرأة التي تقف هنا في البوابة الداخلية للكنيسة تشبه تلك التي رأيتها في فرنسا قبل سنوات في صيف بعيد. وبرمشة عين قلت في نفسي إنها لا لي.
كانت لالي قد تغيرت كثيرا عن الصورة التي رأيتها عليها قبل سنوات طويلة في مدينة لوديف الفر نسية، ازدادت لالي سمنة، وفي وجهها تعبيرة القلق القديمة: العين الزائغة والشعر المنفوش كتقليعة وليس اهمالا. تقدمت نحوها. نظرت للحظة باستغراب، ثم استرجعت الماضي. سلام حار، واستذكار لقائنا قبل أكثر من عشر سنوات في لوديف. واستأنفنا الحديث كما لو أننا افترقنا البارحة… ثم، ها هي جالسة تقرأ قصيدتها أرض النيران في ترجمتها الإنكليزية بنبرتها الحلمية أمام شمعة صفراء طويلة تنوس في ظلمة الكنيسة؛ تضئ بهرتها الحجارة البيزنطية القديمة وتضفي سحرا وغرابة على تعبيرات وجه لالي
***
إنها لالي وقد تحولت إلى أسطورة…
لالي الشاعرة الغريبة المتفردة التي لقيتها قبل أكثر من عشر سنوات في ذلك الصيف الفر نسي البعيد… لالي… الشاعرة التي تجول اليوم في شوارع اسطنبول بمعطف فرو يعود موديله إلى خمسينات القرن العشرين. ترتديه كذكرى عزيزة عليها غير عابئة بالموضة التي هي فن القطيع، فهو معطف والدتها التي رحلت منذ أعوام: شعر منفوش بصبغة حمراء ضاربة إلى البرتقالي، وأحمر شفاه قان، مثل ممثلة إيطالية في مسرحية فودفيل من الستينات… لالي، تتحرك ببطء على كعب عال، تتكلم مع الآخرين وكأنها تحدّث نفسها، تبدو لك تعيش حالة مونولوغ داخلي لا ينتهي… تلفظ كلمتها الأولى وهي كما يبدو تخاطبك؛ بيد أنّها في حقيقتها تواصل حديثها الدّاخلي… ثم تصمت لحظة، تتأمّلك بعين جامدة ساهمة تتحوّل منك، تنزلق من على كتفك إلى الوراء، إلى البعيد، إلى عالم آخر كالمطلق لا تراه إلا هي… ثم تنطلق في ضحكة مدوّية تعبيرا عن نهاية القصة التي كانت تدور في عقلها فقط… تتكلم فرنسية المستعمرات، فرنسية أراضي ما وراء البحار التي تعلمتها في مدارس أبناء الذوات التركيّة على عهد دولة مصطفى كمال أتاتورك المتماهية بشكل كاذب مع الغرب… لالي تجول باستمرار داخل اسطمبولها هي؛ وهي مدينة لا يراها الآخرون، مدينة تتشكّل من حلم نوستالجي، مدينة طفولتها في الخمسينيات من القرن العشرين، مدينة لم تعد قائمة سوى في ذاكرتها، مدينة هي مزيج ثقافي من الأجواء العثمانية الشرقية والأتاتوركيّة المأخوذة وبشكل مرضي بالغرب… لالي شاعرة شرقية متشبعة بالثقافة الفرنسية والانكلوسكسونية بيد أنّها متمسكة بفرديتها وعالمها حتّى أنّها تبدو وكأنها تعيش على حدود الشيزوفرينيا، كأنها تعيش داخل فقاعة محاطة بالضباب…
من الآن سوف لن التقي سوى بنفسي وجها لوجه
مع أختي… هنالك بين الأحلام والخرائب
التي تعجّ بالجعلان… قل لي
من هي فتاة البحيرات
هل هي أنا أم أختي التي تبحث عن شبيهاتها
الضائعات وفي جيوبهن ريش طيور
أجل تعيش لالي بين الأحلام والخرائب… أتمثلها تلمح العالم من وراء زجاج مضبّب فتبدو اسطنبول بمياه بوسفورها اللازوردية المليئة بانعكاسات النجوم والأسماك الطائرة فوق سطح الماء، بمرايا قصورها الإمبراطورية ومساجدها العثمانية المشتعلة الأضواء وكنائسها التاريخية وآثارها البيزنطية المجيدة بحجارتها الرومانية التي رثاها جيبون في تاريخه انهيار الإمبراطورية الرومانية بأكثر العبارات حزنا. اسطنبول بأسواقها الشرقية الملوّنة وفللها الحديثة، وحدائقها البحرية. اسطنبول بكلّ سلالاتها من ترك وكرد ويونان وأرمن وعرب وصقالبة كلها تبدو للالي كما لو كانت حلما داخل حلم آخر… وأتمثل لالي ميلدور وكأنها تسير داخل ذاك الحلم الذي لا ينتهي… ذاك الحلم الذي لم تغادره والذي كان وسيلتها لصيانة ذاتها واستيعاب العالم شعريا… وابتداع تلك القصائد الهرميتية الغامضة والجلية في الآن وهي عبقرية القصيدة الحقيقية التي تأخذنا كلية.
خالد النجار
***
عبر نافذة مطيرة …
3
سرير المطر
كنت تنمو كما الأعشاب الطفيلية في كل مكان… ولدى وصولك
أحاطت غيمة بخار بالزهور … أنت لا ترى الصّمت
الذي يعبر من فوقنا مثل موجة خضراء…
ومع ذلك المتوحشة الحقيقية هي أنا المختنقة بلغات
لا يمكنني استعادتها…
و ما أن تصفق الباب حتى يرتفع سياج من المياه تهدم في الأول كل شيء
إثرها تجتاحني اللغات…
دون أن أنبس بكلمة أنظر إلى
البقع البنفسجيّة التي ترتسم على الجدران….
أناوله ورقة دقيقة وطويلة وأقول له:
لا تخشى شيئا فنسيجي من زجاج
وأنا كنت ميّتة… وها أنا أعيش الآن من جديد…
في داخلي ليس ثمّة سوى عويل… وطحالب…
والغرف التي تحت البحر ليست سوى سرير من الأمطار…
4
هيلويز
كان يجب أن تروى بشكل مغاير ذكريات أميرة ساكس
أحسّت مرّة أخرى ذات يوم وبشكل لا يحتمل
بألم يشل الحركة
فجأة انفجرت الريح وأخذت حجما آخر
بدت سوداء متنقلة
بين صيحات النوارس وضباب الغابة
كانت الثلوج تساقط فوق منطقة كاتاي 1
والفراشات البيضاء تنتشر مع حركة الر ياح
وكانت هيلويز نائمة محمولة في حلم لانهائي
مدفونة تحت الثلوج…
5
في الصباحيات الضبابية الغريبة كما في ليالي الشتاء اللبنية اللون
كانت هيلويز تتقدم في هالة بنفسجية. فوق سطح بحر الشمال
شريط منسوج بزهور السوسن
من جليد أسود يتحرك بين ضباب الغابة…
في الصباحيات الضبابية الغريبة كما في ليالي الشتاء اللبنية اللون
على خيط أصوات طفوليّة تصطدم بالصقيع
كانت هيلويز تتقدّم شنيعة مثل البرسلان
وبالرغم من السنون التي لا تمرّ
لنقل العام الذي لا يمرّ…
فهيلويز ماتزال تعرض يديها اللتين من كريستال.
6 *
في الصباحات الضبابية الغريبة كما في ليالي الشتاء اللبنية اللون
على خيط أصوات طفليّة تصطدم بالصقيع
كانت هيلويز تتقدم فوق صفحة بحر الشمال
كانت هناك شمس من الساتان الأسود وتلك الآلهة
التي لا يكف الأطفال الضائعون عن البكاء طلبا لعودتها
في الصباحات الضبابية الغريبة كما في ليالي الشتاء اللبنية اللون
كانت هيلوبز تتقدّم في نفس الوقت ونفس الأماكن
وعلى سطح بحر الشمال شمس من شمع.
وعلى صخرة بيضاء كتب اسم مجهول…
7
كان البجع الأرجوانيّ سجينا مع أناشيده
في غرفة تشتعل فيها مصابيح ليلية موديل آر نوفو
يكتسي لباسا ليليا من لآلئ سائلة
واذ يمر من أمام المرآة تتكرر صورته
وريح الشمال تكنس هنا وهناك ندف الصوف إلى الداخل
وفي وسط الغرفة بالضبط امرأة من رخام مسجاة
وسط زهور الليلك الأبيض والدفلى
وقد توزعت نقاط التقسيم إلى ثلاث
عبر الرقبة وعبر الحزام. كانت تصغي لأناشيد الأطفال
الحلوة في أعماق الليل.
منتزعة ملابسها الليلية استلقت فوق الرزّ
جامدة مثل زنبق الماء… هيلويز…
عندما تربطه بماضيها
ينبثق وهج من عينيها البنفسجيتين
وتغلق الحجرة بسبعة خواتم من الياقوت الأزرق
8
ذات يوم وسط طحالب بحر سرقسطة
امرأة تركت نفسها لحركة الماء وغرقت
بين الطحالب وقنافذ البحر والكتل الصخريّة
وفي التيارات تحت المائيّة يمضي الزمن مثل سحلية…
وهيلويز موشومة بحرف في لوح كتفها…
تعبر البحر في أعماقها… والنهاية تقترب مثل توليب البحار
قبعة فولاذية تجثم على الرّأس ووجهها ملوث بالزبد
تدفع يديها ذات اللون الأزرق البترولي لتضع الخاتم في إصبعها…
وبضع فراشات ذهبية بلون الرصاص والقسطل تطير في دوائر …
1 1987 /
9
خيمياء العين
أوحيت أن تتفتح عيني الباطنيتين
هناك حيث يتقاطع محور الشمال الشرقي
مع محور الشمس
أوحيت أن يغلق وادي الملوك
هناك حيث تتحوّل الأجساد إلى ذهب
لأنّ قوتهم القصوى كما قلت هي قوة كا الفرعونية
كما قلت كا، كا هي قوة السماء
نحن نعيش في مدينة الموتى
والآن ها نحن جميعنا
في مساكن الموتى
رغم ذلك ها أنا
فوق الرمال
أشكل الأواني الطينية
على شاطئ النّيل
أبحث عن الماء النّمير
وسط الأحجار اللامعة
10
وأنت مع ذلك
بعينيك الشبيهتين بالنجوم
جالسا فوق عرشك
وعند قدميك تماثيل السفانكس المغطاة بالرّمل
تتطلع إلى الشمس الوليدة
مهندسة الزّمن
365 تمثال سفانكس تقف وجها لوجه
في دائرة لانهائيّة هي مثال للكمال
وبوجهك الثالث
بوجهك الذي من صمت وأسرار
تنظر إلى هندسة الانسان
هل ترا ني
أنا أعيش هكذا
مع آلامي
وذكرياتي
أنا وهم في غاية الكمال
نجمة
نجمة متلألئة
شكل وامكانيّة
ووجود
11
يا حبّي
مات كلّ شيء
الكلّ اختفى
رويدا رويدا
اختفت
البنت الصغيرة التي تجعل الثلج يسقط
فوق زهور الكرز
كان في الاول عالم جميل هو الذي مات
ثم ماتت أحلام العالم الجميل
ثم ابتدأ هطول في شكل
نجوم الثلج
وأمطار عيوني تتساقط
كم مرّة كان عليّ أن أموت؟
أنت، بعينيك حميتني
يا حبّي
تعال إلي
أنا الذي ظللت أناديك منذ السنين
وها أنا اليوم احمل ألوانك
12
مطر
مطر… يجعل الخيول تسقط منهارة على جنوبها
مطر… ومحطات القطارات… وأزهار نحيلة في المحطات
وخاصة أولئك الناس الذين يشدون على الأيدي
إلى الآخر… الذين يلتفتون إلى الوراء حتّى عندما
يكون كل شيء قد انتهى… من أحذيتهم الفرو
المتروكة… مطر… بلاد منسيّة
أناس نتركهم جانبا…
هو البحث عن بلاد لا أدري أين… بلاد سبتمبريّة…
بعد ليال من تصوّف غامض
في سواد قاع البحر… ريح طحالب…
مضيء وأسود… أزرق رائق في أعشاب قاع البحر…
هو البحث عن شمس المحيطات السوداء…
عن الموسيقى وعن المعنى وعن كآبة الطحالب…
1986
13
عبر نافذة مطيرة
عبر نافذة مطيرة
أنا ربوط الكشف
أراكم
تنامون
مثخنين بجراحهم مثل وحيد القرن العاشق
أراكم وأنتم تعزفون
على الكمان في الصالون
وتكسرون زجاج نوافذه
عبر نافذة مطير ة
أنا ربوط الكشف
أراكم
تعزفون
موسيقى تجل عن الوصف
بأناملكم الطريّة
بحفيف
خفيف يزيل شهر آب النباتات المائيّة
من السيل الجارف
والأنهار ذات المياه الضحلة
تحفر في القلوب المغلقة
أسرّتها
14
عبر نافذة خريفية
أنا ربوط الكشف
أبصر صورة جدارية
أرى النجوم تخبوا
شجرة تين
مصعوقة
وسط عاصفة رياح هوجاء
وأنتم تشاهدون ألوان الأرض
تشاهدون مجيء الخيول
أنا ربوط الكشف
آخر الأساطير
بيد أن الناس لا تأبه بشيء
وفي السيول الغامرة ستجف ذات يوم النباتات
المائيّة
وأعلن
أن كلّ شيء مات يا ربوط الكشف
1986
15
القمر
أيها الزمن امنحني القمر
أنظر. كلّ شيء مضى
كلّ شيء مضى منتحبا
والمياه بردت
وها هو القمر ينزل بيننا
قربانا لنا نحن الثلاثة
شكل مضيء يبتعد في أعماق لسماوات
أما الآن فالوقت متأخر جدّا
يمضي القمر ويتركني مرّة أخرى في مكابداتي
شموسي لن تعيد لي الحياة
وعقاب يطير بقوة من جبهتي يلامس السماء
يخدشها
وفي أماكن أخرى
نصغي إلى الضجيج الصاخب لدولاب لامرئيّ
الذكريات القديمة
تنبعث ثانية من غربي أنا
مثل كواكب
وكذلك الشموس تنهار في الأخير
أنظر
ها أنت تجذبني للحياة في دوائرك التي من معدن صاف
بواسطة قوى ملغزة
بواسطة آلام غامضة وكثيفة تجذبني للحياة
تتجلى كما أنت
مرعبا
ألديك شيئا إنسانيا أيها القمر
16
كلّ شيء ممكن، كلّ شيء يضيء ما أن تظهر هي
كلّ شيء موضوع في مكانه
أنت عد إليّ في الليل أيها الإمبراطور
اسحبيني مرّة أخرى من العتمة بواسطة عينيك
أشبك شعري بمفاتيحك القديمة أيها القمر
أجدل جروحا في وجهي
بملابس الحداد وبالمسوح
هيّئني أيها القمر لتلك الأعراس الوحشية
مثل أشباح تخترق جدرانا داكنة
مثل زهور تنتظر ليالي جليد أزرق ناصع
مثل منارات تجوس آفاق البحر اللامحدود
رجل في الفضاء يتأرجح على المشنقة مثل بندول فضيّ
ومن دموعه تنبثق بذرة
إنسانية فسيلة تنبت راهبا
مثل دخان مسموم
يتسلل من تحت زجاج ندي
والغيوم تنساب وتنساب
فوق صفحتك أيها القمر من البداية إلى النهاية
أيها الزمن امنحني القمر
لبضع الوقت
ولنصغي مرّة أخرى إلى القيثارة في الصوّان
وإلى الأناشيد البنفسجية لعرائس البحار في البعيد…
1986
17
الأيام الأخيرة
في خرائب دو إينو ثمة ظلّ وكآبة
كآبة ليست آتية من القمر ولا من شيء آخر
أن تستبطن ما ضاع… الروح
الذي يمور داخلنا… العود.. تحوّلاتي
العلامات الجديدة والمحجوبة للكآبة… الأيام الأخيرة…
في بحر يوم طويل… أحد أيام النهاية
في حجم مائة غرام وضع جدارا أمام الكون والرغبة
فالمجهول هو (العلامة الأولى التي تظهر إنسانا محطما
ومقيدا بخيوط وبحبال… على امتداد ثلاث سنوات
لم يستطع الفكاك وكان هناك الألم)
النيران والحواجز والخطر…
كانت هناك في الليل بصمة ياء كانت سقطت عليك
في تهجئة اسمك واسمه هو
وقد التقيته انت وتزوجته
هناك مسافة كما في الأيام الأولى وقوّة الصّدى…
واقتربت منه وسط أصوات
رنين البيانو وتكسر الزجاج فوق المنضدة
لم يستدر إلى الخلف
كان هناك شيء في الداخل مثل دخان بركاني أحبّه
لطمه الهواء على وجهه وفي الأخير أدرك اسمه الحقيقي
وإليك تحدّث بشيء آخر لم يكنه
18
ظلّك يتيه بين الأشجار وفي المساحات الشاسعة لمدينة بمبايي…
الواحدة تجرح الأخرى
تخنقها
تبتلعها
لو كنت في قمري لكانت انتهت حينها ثوراتهم
وفي رأسي أكداس من النجوم شديدة الثقل تغير مواقعها…
1986
19
عاصفة بعيدة…
ما يشبه قصة يصير صرحا
قالها بناء
20
عاصفة بعيدة
I
أيتها العاصفة البعيدة
أنا خائفة
منك
خائفة من غيابك
من تقلبك الذي نعدّه أمانا
أيتها العاصفة البعيدة
لا أفهم كيف يكون
هذا البعد الهش قريبا أيضا
وهو في الآن صورة لقالق طائرة
وليزر
معلن للزوابع التي تصطحبك
هذه الحياة التي بلا أمل حيث لا تسكب
أي دمعة تجعلني أقول بالأبيض
بياضا شديد النعومة
أن مياههم تكسر الزجاج
إلى شظايا
وفي داخلي حركة مكوكية لسيول صغيرة وشقوق
21
II
عندما تأتي
ينهار كل شيء ويتكسر
وعبر الأبواب
يجيء طوفان مفعم بكتل الجليد والزجاج المكسور
وفي الجدران طقطقة حلميات
وفي الردهة تأثير دوبلر
III
عشق رجل
يقترب منك بنعومة
مثل دخان سيجارة
ايها الليثيوم غبارك الذهبي علق بوجهي
22
IV
أحمل
إليك مرآة من فولاذ ذات حواف حادّة أيتها العاصفة البعيدة
لأتقمّص شكلك الخاص
ومن أعماقك قواك الزجاجية
ذاك أن للكبرياء شبيهه
أيتها العاصفة البعيدة
سأكتبك يوما
وستكون هناك مرايا ثقيلة
لا تعكس سواك أنت
وجمال كهربائي
يجرح الآذنين بالبارافين
سأكتبك يوما
دون أن انسى أنه
لابد من الوقت لجسدي البائس
حتى يتهّيأ للبروق
سأسجل ذاك الغبار الذي بلا بقع
شرارة الغبار تلك
ذاك البركان الذي في الجزيرة المتجمدة
… علينا ألاّ ننتظر أبدا
هاهي ساعة الارتطام بين شبحي باخرتين صامتتين
23
VI
أنام ملتحفة بدرعي
بيد أني وفي الصباح أجد حربة هنا في قلبي
VII
أيتها العاصفة البعيدة
أقولها لك للمرة الأخيرة
صباح الليالي سوف يأتي
كصباح حيث
لن أجد في فراشي نبيذ جزيرة لايت
ولكن مثل نهر يفيض على ضفافه
سيكف قلبي حينئذ عن النبض
وفي سمعك فقط سيستمر ذاك الحفيف
لأجنحة مضت لألاّ تعود.
24
VIII
أفرّ من نارك الباردة
التي وبسببها تتحول ذاكرتك إلى جليد
هموم قلب نابض
باخرة تتحول إلى كرة نار
وكل ما كان تحول الآن إلى بقايا متحجرة
أحيانا أفكر أيضا
ما الذي بقي مما كنته
أطراف الأعصاب التالفة
الشرايين المشوّهة
وربما ساق خشبية
بقيت صورة بجعة ميتة في الذاكرة
وفي داخلي هناك مدينة وكل نجومها ما تزال مطفأة
يا أورسالابندة !
25
IX
إنه طائر البطريق وقد انبثق من الدخان
بلون الماء إنه نهاية الكآبة
وقد يكون أيضا
وقد يتشكل… فيما بيننا طبقات من السموم
… ذاك الرماد الأبيض … هو الحقد
26
X
الفارس الجنوي أندريا دوريا
مهندس متذبذب حول تعارض المرأة مع الرجل
تطلع إليه هو الآن مدفون تحت الرمال
ومتى يكون هناك هزّ متواصل……………….
تصير له لحظتها طاقة مرعبة
تحدث زلزالا
شيء مثل الجزيئات الذرية
مياه تفرغ بالشطف هبات عاطفية
إن كانت أحيانا ماتزال تسجل بعض الهزات
ذاك الصدام الذي يطوف حدود الألم الطويلة
يسحبه الانسان نحو التاريخ
27
I X
ارتيابب يتعفن
أجسام باردة تخترق العظم
نقطة الصفر فوق خرائط الألم
موت من الداخل رقصة قاتلة
إيقاع معدني رقص جنائزي
وحول خصري
ألفّ نطاقا أسود من المجهول…
28
I I X
هي حرب داخل الحروب
حرب المرأة مع الرجل
الكراهية تقول تراجع تراجع
والحب يقول اقترب… اقترب
أنا حرب بحرية
ولتكن هذه الذكريات التي ما تزال طافية فوق اشعة غاما
صادرة عنك…
1979
29
انحسار الشمس…..
هو مهرج منكسر
هي ممثلة شجرة قبر
هي ممثلة الشر والماء والنار
وهو ممثل الأرض
كتبه مجهول
30
I
كنا مرتبطين بمصير واحد
صورة مثالية لتآلف أحلامنا
ظلانا ينحلان في الجدول
يتناجيان بصمت وعيوننا مسبلة
كنا لابثين في بوابة متوارية
في أعماق هاوية
وكنا ننظر لبعضنا وفجأة
انزلقت حياتي في اعصار
شبيه بالانهيار
كنا مشدودين برباط
كما تقتضي الصورة المثالية لتآلف أحلامنا
تغمرنا حرارة باعثة على اليأس
غافلين عما يجري
ينحل ظلانا في الجدول
يتناجيان بصمت وعيوننا مسبلة
أردنا أن نكون كل شيء
ولم نرد
أن يصدر عنا كل شيء
واذ نزيل كل شيء
من جديد ولكن من جديد أيضا
نصير شيئا فشيئا متشابهين
والحب كما يصعد
في انحناءة كاملة ويتركنا
مستثارين ملتفتين نحو الدياجير
متى نشهد مرة أخرى
متى يتفكك جهاز الشمس العصبي
متى تكون نهاية هذا السحر القاتل
متى نوقظ أنفسنا مرة أخرى
31
I I
ذاك أن الكآبة في صمت تمنح تنفسا
وعلي أن أرتدي الأبيض مثل الجليد الذي فوق الأشجار
أهجرني الآن
ايها الأمل أيها الوصيف المبذر
NOLI ME TAHGERE
من جسدي سوّيت شجرة
وبدءا من الآن لن يلمسني أحد
فأنا الميموزة العفيفة
جرح جماله لم يمس
والأشجار أنصاف آلهة أصوات داكنة ويائسة
ولا عدّ لها وهناك يتخفى الموت اخضر غامقا
لقد قتلتم كل كائن حي
مثل الضوء الذي يعكسه التأمل
وأنا قطعت غصن شجرة الحداد
ثم ومن جسدي كونت شجرة
شجرة تتنفس هبوب بحر العصر السيلوري
NOLI ME TANGERE
نسيت جسدي
أنا شجرة نسيت الحركة
نسيت أني اعيش
والبحر ينسى شقائق النعمان
32
III
عفونة زرقاء مخضر ة تستقر في رأسي دون أن اعي
أن أنسى عفونة الموت الذي بداخلي
أن احس بأحلام إيجابية تحت الجفون
لا تلمسيني
فمن جسدي صنعت شجرة
ماء أخضر يخرج مني محملا بالبكتيريا
أنا طحلب
أنا نبات الكلوروفيل والكريزوفيتا والبسيلوبسيدا
تأوي هسهسة الرياح في غصوني
أيتها الأرض تغطيك أوراقي القديمة
وتعيشين مرة أخرى شيئا من الماضي…
33
IV
فوق ضفاف النهر
أتفرج على الخيول الصغيرة الحمراء
… وتشرع في النحيب بصمت
وفي لمعة الليل الزرقاء الغامقة
تتراءى ندبة… أه اقول ندبة آه
هو بكل بساطة خفاش
… ولا شيء آخر… لا شيء آخر…
أبتسم وأنا اغمز بعيني
أنت تبكي
شيء غريب قلت في نفسي
نصف الجسد يبتسم بالأحمر
ونصفه الآخر يبتسم بالأزرق
اللام والكاف
قلت الأنصاف لا تعني شيئا
فنحن مع بعضنا
أجبت بحسم ركّب كل المرايا
كلانا يستطيع أن يحكم على الأشياء
متجهة بكلامي إلى نصفي الذي ينتحب
هو أنت… والوحيدون
… من … لا… يعتقد
أنك غير نائم
34
V
حلمت مرة أني كنت على الضفة الأخرى
أنفخ فقاعات هواء فوق سطح البحر
ويبدو أني الآن نسيت كل شيء
ارتعبت
وأنا أشاهد تحلل هذا الحلم
أ كنت أنا هو الآخر أم حقيقة أنا الذي مات
ضباب كان فيما مضى يرفّ فوق النهر
وقرف من الحياة
وانفتح باب على البحر آه يا فتاة البحار الزرقاء
إني أنتمي إلى أزمنة أخرى إلى أزمنة أخرى…
35
V
الكآبة تخفي
الضوء الذي في النهر
وعينايا المتعبتان تسكتان
جمالهما أيتها الحورية أندروميدا
أنا وحيدة وثمة من حولي هالات الثلوج
أسكن قرب بلاد الشمس
غيمة من الغبار تكنس الشارع
لا. لا يوجد شيء في الهواء
لا شيء آخر في حياتي سوى المرض
ظبية طلعت علينا
وفوق رأسها أخشاب زرقاء لازوردية
36
VII
فوق عربة ثلج جلبوا كائنا خنثويا
أمهق
كان ينظر إلى الأغصان التي فوق رأسي
ويوقظ ذكريات محرمة
وهو يمعن النظر في عينيك
ويغني اغنية وهو غير مبال
37
VIII
آه أيها الحظ
عاد العقاب إلى أركانا الكبيرة
وعجلة القدر فوق جبينها الكئيب
وضعت الآن كل علاماتها…
38
IX
ها أنا استقل قاربا شراعيا أسود فوق النيل
كنا نمضي عبر نباتات البوص وعبر مياهك الطينية الخضراء
كانت المراكب الشراعية تصدر صريرا تحت الريح عبر التيارات المحملة
بأكوام من السحليات وخصي متخشب وأوراق مصفرة
ومومياوات سحالي إنها العبادة الكاملة للشمس
عندما مررنا قرب الحياة
حملت… مركبا شراعيا أسود معي
وخرق بيضاء وتمددت بكامل جسدي
تركوا كتاب الموتي إلى جانبي
وفي البعيد كان أنوبيس يزن قلبا…
39
X
ثمة في رأسي شيء غامض مع ذكراه
إنه تذكر الموت
سأدخل بيت دياجيرك
لأصوغ جمجمتك شعرا
مسكت بين يدي قلبا
قلت كان هنا
ثم قذفته نحوك
إذن كنت أعرف من أنت
وأدري إن كنت قريبا أم نائيا
سوادي سيصير لغة بلا موضوع
وسأمنحه ثنايا قلبي المتوهجة
40
مضى زمن كنت أعتقده
نهاية طريقي
وأنّي أعود إلى نفسي
في بيت مظلم
تهيّأ لي أن جسمي لم يعد موجودا
انتظرت
أن تحمله بعيدا
نسمة رقيقة
انتظرت لحظة
في ريح الزفير الشمسي معتقدة أنها ستنثر
قلبا متفحما
وعندها أنهض
رافعة استرحاما
استرحاما إلى الشمس إلى الزمن إلى قبائل الأزتيك
وإلى العالم الجديد…………..
1974 / 1986.
41
دهاليز من الجوخ…………………
أمضين في طريقكن انطلقن
أيا فتيات الشواطئ البحرية
أردت مصيرا آخر
لمن يوغلن في الدياجير
وليم بطلر ييتس
42
خلف زجاج كثيف
البوص يغطي المستنقعات
والهواء فاسد
كلّ الناس تريد أن تستعيد النفس
ولا أحد يتنفس
ولكن أغلب الناس
تعتقد انها سوف تتنفس من جديد هواء نقيا
ومعظم الناس لا تموت
لأنهم في الحقيقة هم الموت نفسه
البوص يغطي المستنقعات
والهواء فاسد
ومانريسة
تصير حينئذ لا مرئية
وهي تريد أن تصير لا مرئية أو
متخفية بين اشجار الخيزران التي يغطيها الضباب
مذاقات حامضة/ فطر الخريف
آلام تستثيرنا بشكل غريب
إن كنت أعرفها أو لا أعرفها
ولكن ما أنا متأكدة منه أني لم أقل أبدا
أني لن أبوح بها
ثم ياتي المطر
وقصص المطر
والأعشاب التي تنحني تحت الرياح
تتقصف أكثر من غيرها
أولئك الذين كانوا يصرخون البارحة سيصمتون غدا
وسوف تلتقي الشقوق في اطرافها
وهذه الرطوبة الخانقة
منذ أزمنة سحيقة
كل يوم علينا أن ننسى أكثر فأكثر
لماذا نبدد الجهد في الكلام
لأجل ذاك الذي يظل صامتا وهو يعتقد نفسه كل شيء.
ونحن نجمع ريش النوارس في صمت شامل
43
رسالة باخمان ج بريل إلى أصدقاء اسطنبول
ماذا تقول اشياء كثيرة قديمة
لا أحد آخر في مقهى التارو
سوى موتي
وأولئك الذين يطرقون الحديد في الخارج
بينما لا أحد مهتم بالحل
أن نتحدّث لغة الأوراق ظلك
ولا عالم جديد بدون لغة جديدة
ما يجرح أكثر من غيره هو ما لم أستطع التعبير عنه
ولم أستطع العثور عما أبحث عنه
من ترك لي زهرة سوسن عندما هجرني؟
بنات البحار يمتن في البعيد
كل الأحلام التي من الممكن أن تحلمها امرأة
هي الوصول إلى أمازونيا يا قلبي…
لغة تتكرر هو عالم يتكرر
ما يعني التدهور
كل ما حولي صار أيقونة وشخص
بل عديد الأشخاص يتوقفون ليطعنوك
أن تكوني في مارنيسا ذات ليلة من الليالي
وأن تتركي نفسك تنجذبين إلى قيم السعادة
بوجه رخامي تنجذبين نحو متع من طراز عتيق
انسي عصر الانحلال، انسي عصر الانحلال
44
ولكن مانريسا ليست هنا هذه الليلة
المطر ينهمر على بروكسيل
وفوق كلّ المدن ليس هناك سوى خوف واحد
تقولين أيضا أشياء قديمة أكثر مما ينبغي
رغم ذلك لا شيء تغير
أتذكر رعب اللحظات التي تسبق الليل
رعب لا نهائي حبيس
كنا مجتمعين في غرفة صغيرة
كان كريلوف هناك
وناستازيا فليبوفا
وآخر كان وحيدا في الغابة يعزف على القيثارة
كانوا كلهم يعيشون في مارينباد
في مواجهة ظلال حيواتهم الشبحية
لم يكونوا ميتين
كانوا يعيشون من جديد نفس الشيء بشكل آخر
كنا مجتمعين في غرفة صغيرة
وعندما اتسعت الغرف لم يعودوا يثقوا بنا
45
فريا
طوقوني مثل خط ماجينو
بمعاطفكم الفرو بأظافركم المهينة
ببطونكم المخملية بأحلامكم الدموية
طوقوني ضد العنف… وليحمني العنف من العنف
أنت مخلصة يا فريا… مثلي أنا…
أنا المخلصة مثل حيوان متوحش
بعينين مفترستين أواسيكم
وبعينين ناعمتين أمنعكم
أنت صلبة يا فريا مثلي أنا
أنا الصلبة مثل حجارة الماء
ومثل جذور النباتات الخفية تحت الأرض
بعينين حمراوين أحتملكم
أنت ناعمة يا فريا … مثلي أنا… الناعمة
ومثل الرماد ومثل أجيال من الحيوانات التي بصدد الانقراض
أحمي نفسي بلا مسافة…
ذاك الشريط… وتلك الحرارة النائية… ذاك النداء المقدس…
ألوان صفراء ورماد ية وسمراء
هل هي علامات الزمن القادم ؟
46
قل لي يا سيلينا هل سيكون هناك ما يكفي من المياه لنسكبه
فوق المدن ؟ وإن تم هذا فربما ستبقى
طفلة صغيرة عطشى تنتحب منطرحة في ركنها. وسأسألها
لماذا هي تبكي. ولابد أنها ستجيبني بأن قلوب معظم البشر
قدّت من السيليلوز. كنت سأقول لها دعي جانبا
الدموع وتأملي طويلا أعماق الزهور
ربما وفيما بعد عندما تسقط الثلوج يأخذ أحدهم بعض دموعها
واذ يضعها في العراء ستتجمد تماما كالثلج
ومن يدري قد تصير لآلئ…
47
ذكريات امرأة وبلاد
كانت هناك امرأة وحبيبها
منفية عن عينيها المنتحرتين بلاد
وذكريات أزاهير وزيت زيتون في علب التنك
ومدن أخرى كانت تطوق المدن
مدن ممنوعة هي مدن الآخرين
كانت هناك بلاد وكانت هناك امرأة حيث صور
الغجر والدفلى الوردية كانت هي الضامنة
للحب في تلك الأمكنة حيث رائحة الفم شبيهة برائحة الأقبية
والمعاصم المكسورة
وأطفال آخرون يحاصرون الأطفال
أطفال سفاح هم أطفال الآخرين
والنساء لا يتوقفن عن إعادة نسج الكروشي وذكرياتهن
والشوارع تبدو مكتظة
بحشود الرجال الساهرين في أعماق الليل
كانت هناك امرأة وكانت هناك بلاد وجرح لم يلتئم أبدا
48
نهاية: شفرة
اليوم في إسطنبول وقبل موت
بجعة كاريغراد أكتب لك الشفرة الأخيرة
مثل نشيد قديم بجعة محتضرة
رغم الأخوية الكاذبة لمحفل الشرق الكبير-
والبنّاء الأعظم والسياسات الدّهليزيّة
والصحاري التي تفصلنا عن بعضنا
حكاية من بيروت الحديثة
عهد لي بقيد ومفتاح
سجين من السامرية كنت جئت أنت جارّا قواربك.
عندما كانت الأنهار جافّة جئت سائرا عبر أسرّة الانهار
ثم رأيتك أنا
رأيتك بين أشجار الساسافراس
ووسط أعشاب الأيل
لقد جعل منك الألم كتلة ضخمة
أما أنا فلا أحد آلمني. لم تعد لي أسئلة
وأضعت الأجوبة. وفي ذاك اليوم لمحتك
بين أشجار الساسافراس ووسط أعشاب الأيل
حاملا أصفادا في يديك ومفتاحا
49
الحياة السعيدة
عبر الرنين الملغز
الذي يصدر عن الكريستال
أتعرف عليك
وأنت تجعل السلاح الذي في جيبك
ضوءا قادما
من الشعرى اليمانية
وحيدة تعيش الشخصيات العاصفة
أيها الحبّ
ظلال النجوم الميتة في عينيك
تخفيها وراء نظاراتك السوداء
متوحدة تعيش الشخصيات العاصفة
بيد أن تلك التي فوق أو التي تحت
والمختلفة لا تهمنا
أليس ثمة غرفة شاغرة
مشيدة بحجارة مربعة
أليس ثمة بلاد حقيقية بأناس حقيقيين
أيها الحب
عندما أدير عينيا نحوك ولكن
وهما مضطربتان
تتظاهر بأنك لا ترى بيد أن
المحال سوف يثير الحب
والآن… وبعد كل شيء
هناك فقط ظل وحيد… هو فرحة الحياة
فرحة الحياة الموغلة في البحار
هناك مركب تتراقص فوقه الملابس البيضاء
ألا تريد أن تأخذه يا إليتشو
بعيدا جدّا عنّي…
50
… أترك لك يديا وعنقائي
أترك لك
أترك لك
يديا وزهور شقاري الجافة في شقوق الجدران
لمياهي الداخلية
ولعوسجي
ومستنقعاتي
أتركك
واترك لك الجمال الفوضوي
لذراعيا المضمومتين على نفسهما
أتركك
سأضعك في كفيا
مثل أوراق الزيزفون
سأغرسك بين نهديا
كما أضع البنفسج
وسأضعك في عينيا
مثل ماء المطر
1985
51
إضاءات تلقائية
ذاك أن كيمياء تلك اللقاءات
صادرة عن صورة تفكك الصور التي أأوّلها
تتساقط قطرات المطر الشاردة
مطر ناعم وواهن
وليوناردو يغط في النوم
رجل لن يتعود أبدا على العزلة
وسط دخان متبلر
ووجهك مثل صورة جدارية منسية
دوق بافاريا رجل لم يتعود على العزلة
طلوع وخبو النجوم في ساعات محددة
علاوة على ذلك فالسفينة هي أيضا نموذج لتشكيلة من النجوم
اضطراب وفي البوصلة ريح
هبوبها مسجل أبدا. تراكم الزمن في العقل السري
والذكريات مثل الشهب
تتساقط فوق هضاب الرماد
وفي فضاء الذاكرة أنوار تلقائية
52
في رخام الذاكرة وأيضا في الحمم
ماذا تفعل صورة راهب راهب مطبوعة
في فترينة المتجر الملطخة بالزيت؟
وماذا يفعل حيوان وحشي في مواجهة الصياد
وماذا تفعل امرأة لها صورة المطارد
يا ديزيريديوس إيرازموس أنت في مكان آخر
أنت في نظام الرياح. أنت رجل كئيب
إنه العصر الوسيط الحالي وأنت… أنت عصر النهضة
كيف تقتفينا أشياء كثيرة
يقال أن الذكريات التعيسة تتلاشى وتصير دخانا
تبدو كمرايا متقابلة وجها لوجه
وكلّ ما يتخلل أعماقنا لا يغادرنا أبدا
لو ذات يوم نلقي
كل ثيابنا البالية
في الماء
فسوف ننطلق نحو الشمس الطالعة……………
1981
53
حلقة
انتظر مع الصيف / في حلم غريب / مادلي تبحث عنك
كان يعتقد أن السر الذي يهمه هو أنت
أنت قطة صبار
أسكن في الدياجير…
فوق الجدران خرائط المطر…
كيف ظللت هناك منذ وقت طويل … في النافذة
لقد شيدت لنفسي بيتا من طقوس
أنام/ في شنطة قديمة
فوق طوف
أنام داخل رجل من المارتينيك
أنام في عيني إنسان ما
أصغي إلى البعيد…
هل تستمعين سأم صيف ذي صفرة فاقعة
يا بورنغابا سيأتيك الجمال
قبلة تمنح/ أبدا لن تضيع/
انتظري مع الصيف
الحجاب التلي الاسود فوق عينيك/ ومادلي تفتش عنك
54
الجمشت
…
كانت تشرب في كأس من الجمشت قبل أن تنسى
امرأة كارباتشيو
تعيش في قصر الرياح
واذ يلسعها البرد تتدثر بشال من التويل
والعابرون يلتفون حولها مثل موجة قادمة من المدينة
كانت تشرب في كأس من الجمشت قبل أن تنسى
وتعيش في قصر الرياح
كما نتنزّه في حديقة النبات
تتلقى رسالة من جزر فيجي
وتردّ ها إلى قبائل الازتيك
وتكتب إلى مرآة لا تعكس شيئا.
ليس ثمة نسيان
55
صديقي الجميل
كنت حملت معك جميع الأشياء قططك العاقة
وخنجرا مرهفا
كان المطر يساقط حسب البعض
وأنا على كل حال كنت أنتظرك منذ سنوات
وأنت حملت كل شيء معك هيأتك المتبجحة
وابتسامة مرسومة على ثغرك
كان الثلج يسقط في الحكاية.
وظللنا قرنا بأكمله عالقين في هذه اللعبة
حملت كل شيء معك تخطيطاتك التي لا تقرأ
وحياتك الجمشدية بين يديك
كانت الأوراق تبرد في دهليز من الجوخ
لقد عرفنا في زمنك البعيد صفاءك النائي.
56
الأيام المهجورة
كانت أياما مهجورة
لم يدركوا أني كنت ما أزال أعيش
ربما لم أعش شيئا بعد تلك الأيام. كانت هي الأيام المنسية
وهذا يذكرنا بجزر بحري صغير ونسترجع مدينة الجزائر
أين ذاك السحر الذي لم يبطله أحد؟
كانت اياما مهملة
ومن أولئك الذين يقولون أني عشت متقلبة؟
وما هي حقا الحاجة لكل هذا؟
ومن يهتم بالكلمة الصحيحة التي اخترنا أو لم نختر؟
وهذا يستدعي جزر بحري صغير في أدمغتنا نستحضر الجزائر
أين ذاك السحر الذي لم يبطله أحد؟
57
سرباندة
ذاك الشيء الجذاب الذي لا يكف
عن تغيير أشكاله على عتبة وعيك
ضجيج وسط الأشجار
أو هو شراع من التويل يتطاير
ربما هي رقصة السرباندة المندثرة
وأنت في المتاهة أو أيضا
في جمال مادة الابريان
تلك المادة الجذابة والتي لا تكف
عن التشوه على عتبة وعيك
ملامح الذكاء اللانهائية
أو أبضا زجاج يعلوه الغبار
سرباندة تخفي عقلك داخل متاهة
كل تلك الأشياء الفانية
التي تجذبه نحو النواحي اللانهائية…
سارا… سرباندة…
1982
58
قصائد من الجوخ
تموت قصائد الجوخ…
في غبار المتاجر وتدفن في ضباب الأبراج…
يسيل النهار نحو الليل… والليل نحو النهار
والموت يمضي نحو الحياة … والحياة تمضي نحو الوعي…
الوعي أيضا يسيل لم يقرروا بعد
إن كان ينطلق من غرفهم من غرف نوع…
من العزلة والكآبة
كانوا في كل مكان
والآن لم يعد هناك مكان للعودة إليه…
59
مقدمة موسيقية لإحدى شموس فلك البروج
مثل مطر سبتمبري أنت في البعيد وراء تول أسود
في البعيد
دون أن تنتبه لكلماتي وللمقاطع التي تنعكس
في داخلك
مثل خرائط جغرافية غامضة تستيقظ أنت
مضطربا
مثل صخرة حية تسلك تتصرف باستمرار وأنا حينئذ
لا أفهم من ذلك أي شيء
وكل الحروف التي كتبت فوق ورق البردى تريدها
أن تمحي وتضيع
مثل نمر بنغالي كنت ترسل نظراتك وفي ورق شفيف
كنت تغلف كلماتي
تقول ثمة أحيانا ضباب
وفي البعيد شيء كالمطر السبتمبري
1983
60
رفائيل
كنت أفكر في شيء… في عينيك…
الشبيهة بالنجوم المطفأة… أفكر … في شيء…
في كرة النجوم… في تراجيديا الكرة الأرضية
سأستعيدك يا رفائيل
بعد ذلك… فجأة…
دخل الزمن في مدار الظلال
مع صرخة وحشية قادمة من قمم كليمنجارو…
الطيور الكواسر التي كنت تحبها أكثر منّي
ستصير بدءا من الآن هي حياتي
كنت أفكر في شيء… في ذاك الخواء الفلكي…
حيث كنا ننزلق سوية… أو بشكل آخر أيضا…
لو كنت تدري كم كنت وحيدة وأنا معك يا رفائيل.
61
صيف هندي أحمر
على حافة الشاطئ شريط
ماء يريد
أن يتحول قرفة
وعيا منفلتا
والشمس تشحب فوق الجزيرة الجامدة
لم أرك في أي من أحلامي
انظر كل شيء من حولنا ينتحب
وجهي مصلوب على النافذة
لا… لا. يجب أن أقول
محوت اسمي وكتبت قصيدة
وعندما ضممتني
حاولت الابتعاد
ثم استسلمت
خوفا… خوفا من عينيك الداكنتين
والهنود الحمر يتركون على الشاطئ حصان بحر
لكل صيف يمر
وحينذاك ستنهمر الأمطار كامل الأسبوع
ولن أفكر فيك طوال الاسبوع
سأفكر في كوكب برجنا الثابت في السماء
وداخل الأكواخ
وفي الغابات شآبيب مطر غزير
ستترك قلبي كئيبا وهي تسيل
وفي وقت لاحق ستكون هناك امرأة
امرأة مغطاة بالأمطار
وحيدة
وستحمل لي
ورقة داكنة
في شرقي المتجمّد
وفي شهرها شهر اورانوس تنتحب هذه المرأة
على ضفاف نهر جاغوار
التي رأتها في المنام
62
II
لأجل صيف
يعبر بيننا
مثل ماء أبدي
صيف
حيث النمور
والهنود الحمر
والسكاكين هي التي تحدد
زمن لحظة
أقرب من حبل الوريد
وحيث ستبعث التماثيل من جديد
على طريقك
انتقاما
لا
لا أتمني تذكر أي شيء
لا شيء آخر سوى صيف أبدي
من يدري كم من مرّة أخرى ستظل
عيوننا دامية
مثل الطحالب الحمراء
من يدري كم من مرّة أخرى ستظل
في صيف آخر أبدي
قد يكون هناك مكان للخطيئة
وموجة طويلة
أقول بالتالي
ليكن صيفا أبديا
لا أود أن يكون لي فيه شيء أتذكره
63
سيفيرين
الصور… الصور…
سجينة أعاصير تمثلاتها الخاصّة
ماسة خاتمها الزرقاء الداكنة… وعينا سيفيرين الخضراوين…
هي ماركيزة الظلال… مظهرها الحساس والمهذب يذكر بالجنيات
كيف يمكن لها أن تفكر بهذا الشكل
كيف ستفكر بهذا الشكل
صورة تطاردها… في الحقيقة هي نفسها عاصفة مدارية
أخرى… وجه آخر لامرأة من القرون الوسطى…
خاتمها ذو الفص من حجارة زرقاء داكنة… ولون عيني سيفيرين الأخضر
ما الذي يجعلها ترسم ابتسامة خفيفة لدى عبورنا
64
الأغاني الوثنية
هذا هو وجهك القديم والجديد في الآن
ربما أنت جسر غير متوازن في بلاد آشور
أنظر إلى بجعة تعبر الطريق متزحلقة… متزحلقة
إنها رسولة السلب والعدم واللاوجود
غادر أنت بدورك امضي في الاتجاه الذي أخذته البجعة
وحيثما تهرب هي أهرب أنت ايضا
امضي أنت ايضا في نفس المسار الذي اتخذته
امضي ففي كل مكان سوف تبصر بجعة مقتولة
هذا هو وجهك القديم والجديد في الآن
ربما أيضا سنرى في الحلم انتظار
الرجل الذي لا ينتظر…
65
في دلفي
أنت أيضا قادم من دلفي كما يقال لابد
أنك تشعر في عينيك بصوت مياه كاستاليا
الهادرة وجلبة النساء
كيف وقع أن السطحية المرعبة لبلاد ما بين النهرين
غذّت أساطير التحريم البابلية
وما يغذي هذه الجلبة لابد أنه علامة
نظام فكرة شيء متشابه
إذا كان كوكبنا نصا ملغزا فلا بد من تفكيك رموزه
في كل الحالات فأنت كمواطن سكندري
تفكر في آلات النفخ الموسيقية
تفكر في الكرة البلورية
التي ستتنبأ بحركة النجوم
أنت أيضا قادم من دلفي كما يقال لابد
أنك تشعر في عينيك بخرير مياه
كاستاليا…
1982
66
ليل وسحر
خرائط الليل تتناءى عنكم والإمبراطور
في بروج النحاس الأخضر وأنتم تنتظرون الزمن
تنتظرون متاهة دروب آسيوية تنتظرون علامة H D، والقديسة جوستين…
وعندما يتعذر عليكم القبض على ضوء النجوم
يرتسم جرح فوق وجوهكم
هل تتذكرون انكم احترقتم ذات مرّة؟
وتحت مخدّتك تنام الساحرة مورغان لآفاي
وفي الغابة أجزاء طفولة ضائعة
حولت طريقك ذات مرة…
1986
67
مشهد عام أو تناغم العصافير
ثمة أظافر مثلومة… تذكر بحركات
مجاذيف… قبل كل شيء ثمة في الخلف خفق أجنحة دائم
طائر في توازن مع آخر
ثم ضباب خفيف وفجأة يتبدل كل شيء
تخفق الصدور وتفرد الأجنحة
تناغم وثني… وآلاف الطيور رافعة الأجنحة
طيران لا يمتلكه سواها..
إيقاع طيران متميز لكل نوع من الطيور
طيران دائم التناسق وغير متماثل
68
في زبد البحار القديمة
في البعيد قيثارة تنتحب…
وجنية صغيرة… وزهور منسية على سطح مياه الشلال…
واللون الوردي الكابي الذي يتبدى للبيوت الباذخة
وفي الغابة عيون تنام منذ قرون…
زهرة بنفسج تتفتح في الضوء
ظهرت في زبد البحار القديمة
أطلال وكآبة طفولتي
69
استيقظت الميلنخوليا
أيتها الجنية ميلوزين ها الميلنخوليا قد استيقظت وعندما أدركت ذلك
لم ألحظ شيئا. ولم ألمح من حولي شيئا غير عادي.
لم يقع أي تغيير في هيئة الناس
بيد أن الكآبة استيقظت. وفي تجويف شجرة
تجلت عين ذات جمال خارق بألوان بنفسجية وخضراء
عبرت غيمة ماطرة وقيثارة مطر عزفت
والأبواب انغلقت واستيقظت الكآبة.
1982
70
ماتت ايريس
ماتت إيريس. في الأول خضرة عينيها هي التي ماتت
تمددت ساكنة طيلة أيام اضطجعت
في مطارح باردة. كانت تنام وسط قطرات الماء المتلألئة
كان ينبعث منها بخار لا يمسك متأت
من برودتها. كان جسدها يبرد شيئا فشيئا
ومنذ ذلك الحين أطلقت ريحا بعيدة خاصة بالقطط
وعلى الرغم من أنها كانت تفقد بريقها
ماتت في الأول خضرة عينيها. لقد ماتت إيريس
1982
71
كوريغراف
أجلب إلى هنا
صورة إيريس الأحلام
مرصعة بلؤلؤة باروكية
تضمين ذراعيك
وأنا أندفع إلى النهاية
تنامين هنا
في شعري
مرصعة بلؤلؤة باروكية
أنت
في عينيك عينا السيدة الاقطاعية
تحتفظين بنظرة معاصرة
ها أنت تستيقظين فيبطل السحر
والثلوج
التي تتساقط
فوق زهور الكرز
تتساقط
فوق
جفنيك
كان زمن فتاة
عاشقة
27
الهجران أياما
أياما كنت تترقب نهاية الفراق
الذي يصير على امتداد النهار
مثل تلك الفراشة المغبر ة الفظيعة
لا تبحث عبثا عن طفولتك في جذور البنفسج
لا تنظر إلي عبر كرة الكريستال
فأنا لم أجيء فوق سفينة ساحر
حبي المؤلم يقترب منك
وفي عيونك عيون الرضيع اصفرار الموت
وها هي الآن قد تحجرت ابتسامتك
لا تحدثني عن جميع الفرص التي كان من الممكن أن نقضيها معا
واجلب معك القطرات التي تتلألأ فوق ورقة سوسن طويلة
73
ذكرى هسيس الجليد
كانت ذكرى عابرة بيد أنها ظلت في داخلي
مثل هسيس تكسر الجليد
كانت ذكرى عابرة تشير إلى استقرار عاطفي
كبير
مثل لؤلؤة منتظمة
أو انسان متصالح مع العالم
كان الصيف الأول وكانت الأشياء الشفافة
تنساب
والتناغم يمتزج بالهواء الخفيف
كانت ذكرى عابرة ربما لم تكن أنت حتى على
على عتبتها
عندما وأنا أخرج من ذاك البواب
صرت كائنا خالدا
وفي اللحظة التي تتجمع فيها الذكريات
مثل كسر الزجاج
تتتالى في رأسي ذكرى
الذكريات الأخرى
74
غرفة الكتابة
أدخل مرة أخرى إلى هذه الدائرة السحرية
عينايا معصوبتان والحريق في أذني
أنظر هناك افتح الجرح
أتحسس شبحا أحاول
التعرف عليه. حروف تتحابب عبر
صخرة مشعة رغم أن عيوني معصوبة
ان كانت يدايا ترسل
شررا بركانيا فلتظهر قميص
سان بينيتو الذي أرتديه ولينكشف معذبي
وأنا لا أعرفك بعد. أنت تجذبني فقط
ربما نحو كارثة لا مثيل لها
ومرّة أخرى ولآخر مرّة في هذه الغرفة
المذهبة ألعب الغميضة مع كتاباتك
في غرفة الخيميائي باراسيليوس
75
عن الكآبة
من الآن سوف لن التقي سوى بنفسي وجها لوجه
مع أختي… هنالك بين الأحلام والخرائب
التي تعجّ بالجعلان… قل لي
من هي فتاة البحيرات
هل هي أنا أم أختي التي تبحث عن شبيهاتها
الضائعات وفي جيوبهن ريش طيور
ومن الآن الريح هي التي سوف تحملنا وتحطنا
أختي إلى جانبي… ونحن بأحذيتنا
التي من نحاس ومعاطفنا التي من ثلج
عابرتين قرى غارقة تحت المياه
والخيول الوحشية المصفحة تخبّ قطعانا من تحتنا
أيائل وأجنحة وياقوت
والآلهة اللاّمرئيّة التي تبحث فجأة عن باب
والتي غرقت في سبات عميق تحت الصّنوبر
سوف تضع ضمادات من ورق نديّ
فوق جروحنا التي تتجمّد…
بلطة المحارب وجلد الأيائل…
ولكن لأجل من ؟
وبالفعل تصادمت ومنذ وقت طويل بشكل حاد
مع أختي… قبل أن أخرج
إلى ضوء النهار في بحر من الأميبا
في الأول همست لها باسمها هناك …
الميلنخوليا
76
القلب عالق في الطحالب
أحب الأخضر الضارب إلى سواد ولن أرى
مرّة أخرى ابتسامتك الشديدة المداريّة
وعيون القطط داخل المغارات
ووجوهنا القديمة المخططة
فهد بلا رأس يعبر حذوي متسللا
ملامساتك… نظراتك ذات حزن المناطق المدارية
تعبر متسللة بجانبي
دمي ينزف لك أحمر وأسود
خدوشي وجراحي وأضراري قاتلة أيتها المدارات
رجل. رجل ظهر، انبثق من قمة الربوة
طيف شبح من العصور القديمة
أقول لك أطمر قلبي بين الأوراق
الشديدة المدارية ودمي ينزف أخضر داكنا
ما هذا الحداد الذي يختفي ويظهر
والذي يتشكل أمام عيوننا كلّ صباح وبلا انقطاع
الأسماك الميّتة فوق سطح الماء… والبنفسج العملاق…
يدي السّوداء… الحواجز الحديدية…
وسرقسطة * أبدا، لن تغرق طفولتي بصمت
77
شيء ما يسير فوقي… وسكين في يده
صورة ملحة… تصحبني مدى حياتي…
أغلق كلّ ما يأتينا
كلّ أطياف البنفسج الضارب للخضرة أغلقها… اللون الفيروزي الداكن…
أحبّ أن أقول لك أحمر ضارب إلى سواد
وفي المياه ثمة عاصفة تبتعد
أقول لك أعيش فلماذا لا تصدّقني
خدوشي وجراحاتي وأضراري حمراء ضاربة إلى سواد
في الخرائب
ثمة بحيرة
جرح
قلب عالق في الطحالب
الليل ينمو فقط في الرمال الدقيقة…
وقلب المرأة يتضخم… بمرض مداريّ…
والظلال تعبر أضواء الغسق…
عينا القطة…
والخوف… يحومان حولي…
الأمطار تنهمر كامل اليوم فوق الأكواخ
مضرّ بي وغريب عنّي
أن أحب برعب
قلت وددت لو أموت ذات يوم
لو أموت… فليفجر الرعد
كلّ شيء مثل حياتي… نوا نوا
1980
78
كتابات الريح
امرأة مصرية خطت للريح مايلي:
على حافة بحيرة انتشرت دموعك على طول الشاطئ
وجسدك مثل جسد أنثى مهجورا بالكامل
1982
79
هناك حيث تتواصل المحيطات مع بعضها …………..
بجعة الخرافة تتذكر بلا أمل
منقذها الذي لامثيل له بلا أمل
ستيفان مالارمي
80
موسيقى الماء
ننام وراء الزجاج … الفراشات/ العقارب
تتطاير من حولي ها هي تقترب مني الآن… رائحة الكلوروفيل
مع ذلك لا شيء يهم… والآن لم يعد هناك شيء…
في أوريسا قيثارة أخرى تعزف… مثل ذكرى
تسيل كالماء… أيقظتني مخالب القط
قط من ضباب… في جلبة كريستالية…………….
موت فراشة من زجاج… هل هو قلبه
أم قلبي أنا… هناك حيث تتلاقى المحيطات
طائر نحام يصيح… مثل بداهة… لا يوجد شيء
قلت لا يوجد شيء… زهور الأوركيدة/ البنفسج/ الفهود
كلها تعجّ من حولنا ونحن ننام في كتل الزجاج………….
81
زمني الرائع
لاتحدثوني عن الحب… فقد بكيت هذه الكلمة…
هناك مسافة تحطمني… بقايا الرماد تلك والحروق
التي كنت خبرتها في الجحيم
على كل حال ها أنا أحمل الآن قفازات من التويل البنفسجي
قلت فثمة في أعماق كل امرأة استعار نجميّ عظيم
وأنا أنام بين صورتين واحدة تبنيني والأخرى تهدمني…
ولا أعرف إلى الآن ايهما تهدمني… بيد أن ذاك الذي يبنيني
تجلى لي في ضوء السنوات… تجلى بين جزر
المرجان والعقيق والطواويس… وزين مدينتي الخربة مثل بجعة
فضية… وبيتي هو خاو الآن بدونه………….
82
دستينا
ليلة البارحة عندما كنتَ نائما
غمغمت اسمك
ورويت قصصا مرعبة
قصص حيوانات.
ليلة البارحة عندما كنت نائما
سقيت الزّهور
وقصصت عليها حكايات بشر مرعبة
ليلة البارحة عندما كنتَ نائما
ارتبط بك قلبي مثل نجمة
انظر، لهذا السبب، لهذا السبب الوحيد
منحتك اسما جديدا
دستينا
أنت، إذ تنام هكذا بلا علاج في ركن
فلهذا السبب. لهذا السبب وحده
تجدك أكثر قربا من الموت منك إلى الحياة
لأنّهم يا دستينا يهدمونك بقوّة
فسوف أمنحك سرّ حياتي
83
بعد قليل سيتوقف الصيف
وسأذهب حيث لا يوجد باب
مثل نهر يحطم مجراه
مثل ريش الطاووس الأخضر الخبازي
الذي يترك أثرا فسفوريا
سأقذف بعيدا رسائل طويلة
وقريبا سيتوقف الصيف
وستظل أصداف اللؤلؤ منسية
لن يستطيعوا تجويد جمالي
لقد أضعته في جزيرة اللؤلؤ
هي كانت أنا ولأجل ذلك لا يوجد مخطوط
الآن، لا أريد كواكب. أريد أن أكون
ورقة من أوراق اللوتس تلك التي تطفو فوق المياه.
1982
84
موعد في دنكرك
كنت أنا كاسندرة، وكنت أنت طروادة
كنت هيروشيما وأنت فوجي ياما
كنت كلاسندرا. وكنت أنت كادزنت
كنت هيلدغارد وكنت أوستندا
كنت ألفا وأنت أوميغا
كنت أنت معاطف بيضاء وكنت القدس
هناك أماكن مرصودة من قبل لبعض الأحداث
موصوفة بكل العناصر المتضاربة
ليظل كنزك محروسا أنت
يا من لم تكن أسطولا حربيا لا يهزم
كثبان الرمل والليل كانا يدعوانك
أداجيو دل بينوني
85
حنين إلى فينيسيا
ها أنا سأخرج فجأة وستكون اللحظة التي يلتفت فيها وجه نحو شارة من الكريستال. والذكريات سوف تجعلك تستحضر بيتا مطمورا تحت الرمال. بيتا مستضاء بالزهور وبأشجار البامبو بالشموع وبالمرايا التي تستعيد الماضي. كان ذاك البيت مطوقا بمرض سرّي أو هكذا بدا لي وأنا أهوي واهوي داخل ذاك البيت.
وهذا هو السبب الذي يجعلني أخرج فجأة لأنكم كلكم متشابهون. وهكذا سأتخلى عن كل شيء
فقط لهذا السبب سأغادر فجأة لأنكم كلكم متشابهون. وهكذا سوف أتخلى عن الكل. ولو أني إضافة لذلك ارتديت روب بلون اللؤلؤ وأنا ذاهبة لأموت في مدينة اللؤلؤ فلن تكون هناك سوى طبقة بحرية فوق خيالي الذي ظل بالبيت. ومن جديد ها أنا سأنبثق فجأة في فصل آخر من العام……… أمام المحيط علامة تادزيو………………
86
الأشياء في انتظار من يتملكها
وأنا أرفع رأسي… مثل بحر ينحسر…
كل غبار السماء شيد بيتا
من رماد كما لو أني كنت ألمح في البعيد… أريكة فوق الربوة…
موجة جديدة حملت لي فتاة… قماش تويل وردي يتراءى في البعيد
البحث عن خاتم زواج قذف لحظة غضب في صحراء منعزلة… أكيد أنه يمثل
عاطفة… كلمات باطلة… في هذه الآونة حيث كل شيء أعد لهذا العالم
مثل امرأة غير متماسكة تخلب العقل والحياة…
……………………
87
قصة حب قديم
عقد من مطر في جيدي
أجلس كامل النهار فوق حجارة مبللة
أنا وقطتي السيامية
نلقي اشياء كثيرة في سلة النسيان
كان لي فيما مضى عشيق روسي
لم يكن في تلك الفترة يضاهيه أحد في عيني
كانت القصة تدور في قاعة ذات مرايا من ياقوت أزرق
كل شيء كان في الأول جيدا
كنت راقصتني وكانت لديك عصابة سوداء على عينك
اعتقدت أنك قرصان برتغالي…
ثم تبين لي فيما بعد أنك كنت فيما مضى نبيلا روسيا…
واذ سحبت منديل البحّار… وانحنيت في نهاية الرقص…
وبكل تؤدة انسحبت الناس من القاعة مع كل النبلاء
وغير النبلاء… ولم يبق سوى القطط ونحن الاثنان…
وضعوا المتاريس خلف الابواب… ولم نعد نحصل على الهواء
لقد ظللنا في قصة حب قديم…
كنا اعتبرناك قرصانا برتغاليا
قطتي السيامية وأنا…
88
باروكو
فجأة رأيت شبحه في الظلام كان ينظر
هالة بيضاء عبر النافذة. شعاعا بعيدا مثل
نور غريب يضيء بيتا من الخارج. أحيانا، كان
يحني رقبته إلى جنب محدثا ضوءا يثقب ظلاّ وعندئذ
فهمت أن الأشياء التي تحيطنا قابلة للتحول ومن يرى
الأشياء في الليل سوداء عبر زجاج النافذة من الممكن له أن يحوّلها شيئا آخر
بإشارة سحرية. ظهور شكل مجهول عبر أشعة فوق بنفسجية
يتحول إلى مجيء شخص غامض إلى هذا العالم
عبر أي طريق… اسقاط مكسور……….
رغبت في الكلام عن انقطاع اللحظة الآنية عبر ما يحيط بنا.
شتاء طويل جدا من الممكن أن يرسم خطوطا متعرجة فوق القلوب.
مادرو بيرلا مستريوزا. نهر من الممكن أن يتجمد
امرأة قد تنزع في الأخير جلدها الأفعواني وتتحرك نحو
النوارس النهمة. وتلقي في الماء
خاتم زواجها وتنسى في منزل آخر لؤلؤة الشتاء الوحيدة التي لها…….
مهلكة نفسها
في قاع المياه
تغادر
مشيحة بعينيها اللامعتين تتطلع إلى كوكب أورانوس
89
شاهدت تحوّل
قوقعة بحرية
إلى يراعة مضيئة
لو كانت الطحالب البحرية
يراعات مضيئة
في شكل لؤلؤ سائل
كنت ربما رأيت
كوب نبيذ
90
TIERRA DEL FUEGO
أرض النيران
في الزمن الفرد هو ما يمثله الفرد:
هكذا كان الواحد.
وفي الفضاء ربما هو شخص آخر
سوزان زونتاغ
91
أرض النيران
I
بين الأصداف البحرية وبين الطحالب
فوق أشياء قاع البحر المظلمة
ثمّة صورتك
ثمّة صورتك مرسومة
فوق القطط السيامية التي أراها في أحلامي.
فوق جدران أدورا
فوق شقوق جدران أدورا
هناك، حيث تنفتح أو تنغلق آثار أظافرك
المميّزة التي تترك ندوبها على جسدي. ثمّة وجهك.
92
بوانسيانا ذاك الكوخ حيث كنّا ننام
مع ضجيج الأمواج وأغنية الشّجرة
وكانت ظلالنا تختلط في ذاك الكثيب البحريّ
الذي كان يمتدّ ثمّ يتلاشى.
نقاط الماس تلك التي كان الضياء يفتتها إلى ما لانهاية
هي نقاط ضياعي. وعيناك بلون البنفسج الخبازي
أو بلون الخباز كما تقول
وأغنية كانتا ماييس غنها مرّة أخرى
93
حقيقة، ثمّة شيء يقع هنا. شيء سريّ
أكثر روعة وغرابة من غواصة.
في يوم رمادي تشاهدين الأمطار خلف الزّجاج.
يمامات شفافة تبتعد ببطء
وتقودني إليك داخل المعابد ياتوباز
وأنت تبتسم مثل إله الشمس
هل تدرك كم سنة ظللت أنا وحيدة؟
متحيّرة بك. ها أنا لم أعد قادرة على الثبات.
مرّة واحدة سرت إلى جانبك
ذات يوم يا توباز وقرب الماء
كنت ستدثّرني في الليالي. بعدها ما كان لك أن تتكلم مطلقا
زمن طويل ما كان لنا أن نتكلم مع بعض، كنت سأضيع في عينيك.
ذاك الصّمت، كان من الممكن أن يكون شيئا متناغما مثل البحر
ومثل تحوّلات نهر يمرّ عبر أماكن مظلمة…
هل تدري؟ أن شيئا ما يقع هنا، شيء غريب
مثل اختفاء داخل مياه مضطربة.
فراشات بيضاء تتطاير في عينيّ
وتقودني ببطء إلى نفسي
داخل غرف بيضاء…
I I
ففي تلك الأيام كنت دائما أحب أن أذهب إلى ملهى تييرا دل فويغو أرض النيران؛ هناك، كانت تُغنّى باستمرار أغاني غاتو بربيريو، وكارلوس يوبيم، وبادن باول انطونيكو، وأغنية نشيد القمر، وأغاني فالاندو دي أمور وصوادادس باهية… وأغنية البنت القادمة من غيبانيما بوليفيا وغيرها من الأغاني…
أياما بكاملها كنت أفكر في المناطق المدارية دون أن أغادر غرفتي.
آه للأراضي المدارية… لبحار مناطق المدار
لا أحد يفهم ولهي بالمناطق المدارية
في الحقيقة هذا الوله هو ردّة فعل إزاء الثقافات العقيمة والمنهكة.
إنّه الإحساس بالافتقاد للصوت البدائي
والحنين للأشياء السريّة الغامضة
قد يكون فرارا أو هروبا إلى البعيد.
من يدري…
نحن لن نفهم أبدا شعوب المايا
I I I
عندما غادرت أنت إلى مدينة إسترادا دل صول كنت أنا على حافة الاختلال
كنت أستطيع سماع صوتك رغم بعد المسافات.
ولكن فقدت فيما بعد صوتك والأشكال التي يتخذها وجهك
شأني أنا أن أتذكّر الأشياء العاديّة
مثلا كنت رأيتك في أحد الأيام من الخلف،
أو أتذكّر جملة لم تكملها أبدا.
النهر الذي على المسافرين عبوره هو نهر البامبيرو
IV
نسياني كان أنت آخر
سأموت أيها المدار
سأموت مع أغنية النّسيان
لم يعد لي شيء أقوله.
في الحقيقة لا أريد أن أنسى
لأنّه يوجد نوع من
الجراح تظلّ جميلة وهي مفتوحة…
هناك نساء لهن رائحة الليمون
وهنّ ممطرات
هناك نساء لا ينسين أبدا…
لهن رائحة الليمون…
ورغم كلّ شيء… هن نساء لهن القدرة
على الاستمرار مثل المطر…
أنا جيّدة الآن. وأنت كيف حالك؟
He Shot me Down Bang Bang
إذا خانك يوما أحد أكثر المقربين لك
تعلم أن تصمت وألاّ تنتحب
في إناء تنمو وردة زرقاء
تعيش كلّ يوم أكثر.
أوقف شريط القصّة وتمدّد
داخل غرف شاسعة. في خيمة من الأوكسجين.
أردت أن يقع له سوءا ما
أردته أن يقع في حبّي.
انتهت المختارات
نقلها عن الفرنسية خالد النجار
FIN