لحم بشري زائد عن الحاجة
آه، ماذا يريد هذا الكلب اللعين؟ كيف اوقف ازعاج زوجتي؟ اجتاحتني على حين غرة كعاصفة نبيلة فكرة طريفة ايقظت النصف النائم من كياني، لماذا لا اقتل زوجتي واخرس باطرافها شراهة ذلك الحيوان الوغد؟ بهذه الطريقة سأتخلص من الاثنين، سيكون سهلاً ان أبرر غياب زوجتي بحادث غامض وقع لها أثناء خروجها ليلاً من المنزل نائمة، راقت لي الفكرة تماماً، قفزت عن السرير، ركضت باتجاه المطبخ، احضرت سكيناً حادة، وقفت برهة امام زوجتي وهي تمشي متعثرة بأشياء الغرفة، داهمني شعور غريب هو مزيج من الاعتذار والضجر والفرح، انهلت على جسدها القصير والبدين تقطيعاً وشتماً، تكومت اشلاؤها الغبية امامي، انداح دمها ابلها، ذاهلاً تحت قدميّ، نباح الكلب يتصاعد شراسة ولؤماً، حملت ساقيّ زوجتي، فتحت النافذة، القيتهما اليه، التهمهما وانا انظر اليه مصدرا صوتاً غريباً قريباً من غطيط شيطان نائم، اتبعت الساقين بالذراعين، فالردفين، فالثديين، فالرأس، اقفلت النافذة على صوت طحن الكلب لعظام زوجتي، رميت باللحاف الثقيل فوقي، حاولت ان امارس ذلك السلوك الطبيعي الذي يفعله كل الناس كل يوم، لم اكد اصل لضفاف ذلك البرزخ اللذيذ الغامض حتى انفجر نباح مرعب جديد، هز اركان سريري، فكرت في الموضوع طويلاً، ما العمل الآن؟ هل أخطأت فيما فعلته مع زوجتي؟ كيف أتصور ان بدانة جسدها ستكفي معدته عدة اشهر قادمات، هذا الكلب اللعين لن يتوقف عن النباح الا اذا شبع، هو بحاجة الى مزيد من اللحم اذن، جاءني هاتف مضحك، خجول، وشوش في اذني ان القي اليه ببعض اطرافي واجزائي الزائدة عن الحاجة، اصابع القدمين مثلاً، الأجزاء اللحمية من ردفيّ أو فخديّ، شحمتا اذني، العين اليسرى او اليمنى لا فرق .
موت جاري المدرس عمر
وجدتني أخرج من البيت متسللاً من باب خلفي بعيداً عن موقع الكلب، طرقت باب جاري عمر الذي يعمل مدرساً، وقف امامي مندهشاً من ابتسامتي الغريبة الثابتة ومنامتي الملوثة بالدم .
– جاري العزيز: انا بحاجة ماسة الى اطراف جسدك او جسد زوجتك، سأدفع لك المبلغ الذي تشتهيه .
صفق المدرس الباب في وجهي، متلفظاً بسباب قاسٍ بذيء، مما دعاني الى الاستنتاج الفوري انه يرفض الموضوع وبغضب أيضاً، عدت أدراجي الى البيت محاذراً ان يراني الكلب الذي يزداد نباحه جنوناً وتوحشاً بعد أن ذاق طعم اللحم البشري، لكني سمعت لغطاً حاداً في غرفة نوم المدرس عمر ( فهكذا هي حياة المخيمات بيوت تحاذي بيوت وانفاس تجاور انفاس ) عذرا قارئي العزيز على هذا الاستطراد، فقط احاول ان أقول لك انني اسكن في المخيم ولا ادري ان كان هذا التنوء الصغير في جسد نصي يسئ الى فنيته ام لا؟؟
لا أجرؤ على ذكرها
دسست خوفي وقلقي مع جسدي في الفراش، رحت افكر بطريقة سريعة للخروج من مخالب هذه المعضلة، سيحدّث جاري عمر الناس غداً عن مطلبي الدموي وعن منامتي الملوثة بالدم، ستنشر الصحف الخبر، خبر المدير العام في مؤسسة…..
” لا اجرؤ على ذكرها ” الذي ذبح زوجته واطعم لحمها لكلب متوحش، يا للفاجعة !! سأخسر منصبي اذن، سمعت طرقات خفيفة على الباب، كان جاري عمر يقف امامي مرتجف الانفاس والاطراف يضم بذراعه اليسرى الوحيدة الى صدره ذراعه اليمنى وساق زوجته، كان الدم يدفق شقياً وناعماً على صدره ورجليه نقدته المبلغ الذي طلبه، انصرف وهو يحاول بقلق وقف نزيف كتفه اليمنى ولكن دون جدوى، فتحت النافذة لألقي بالأطراف الجديدة، كان الكلب اللعين منشغلاً بلذة صامتة فائقة بطحن عظام جديدة بين فكيه، لا أدري حقاً لماذا احتجت الى طويل تفكير حتى عرفت ان العظام الجديدة لم تكن الا عظام المسكين عمر .
هزيمة الوهم
الساعة الآن هي الرابعة فجراً، عليّ أن انهي المهزلة قبل بزوغ الشمس، يالقسوة هذا النباح الغامض!! ألا يتعب الكلب ابداً ابدا؟! ألا يشبع هذا المخلوق!!! جاءني الهاتف جديا هذه المرة، وصارم النبرات :
– اطراف جسدك او اجزاؤها المكتنزة هي الكفيلة بتعطيل عواء هذه المعدة الخرافية القاتلة .
بدأت بعيني اليمنى، لماذا اليمنى؟ لا ادري ” لكني اقسم ان لا علاقة للموضوع بمسألة اليمنى واليسار ” ثم اتبعتها لذراعي اليمنى، فساقيّ فالطبقة اللحمية من عجيزتي، ففخذي، فجلدة رأسي، فأنفي، فأسناني، خمسة اجزاء من جسدي لم أجرؤ على لمسها : عضوي، معدتي، لساني مثانتي، ذراعي اليسرى، زحفت على بطني الى الفراش، توقف النباح المجنون، اختفى تماماً، غطست في عدة ساعات ممتلئة من النوم الرائع، نشيطاً نهضت في الصباح، اتأهب ليوم جديد، في الشارع وأنا اهم بدخول مؤسستي بعد أن اوقفت السيارة في مكانها المعتاد، لم أشعر بالحرج أبداً، كما – كنت اتوهم – لمنظري وانا ازحف على بطني باتجاه المصعد، فقد كان يسير امامي وخلفي وبجانبي عشرات الزملاء، وهم يزحفون على بطونهم، يلقون على بعضهم البعض تحايا الصباح، ويبتسمون.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*قاص وكاتب فلسطيني
خاص الكتابة