عبد اللطيف النيلة
جوق الشيخات يصدح بالغناء، والمدعوون يقتعدون الكراسي داخل الخيمة المربعة الكبيرة. الرؤوس تتمايل، والعيون شبقة تترقب. تأمر الحاجة فتياتها: “هيا اشرعن في توزيع القهوة والحلوى”. كن يرتدين فساتين تقليدية، من قطعتين: قفطان أحمر عليه ثوب شفاف بلون ذهبي وتخريمات بديعة. الفساتين مفتوحة من الجانبين تكشف عن السيقان، والشعور عارية مرسلة على الأكتاف، وماكياج الوجوه صارخ. أردفت الحاجة، مخاطبة حديثات العهد بالخدمة: “الأمر بسيط جدا، لن تفعلن شيئا أكثر من توزيع المشروبات والمأكولات، فقط ثقن في أنفسكن ودعن الخجل جانبا”. غير أن الإحساس بالحرج الشديد استبد بمليكة؛ لم تطق أن تترك ساقيها عاريتين ووجهها “مزوق كطعريجة عاشوراء”، على حد تعبير أمها. تضاعف شعورها بالحرج حين عرفت أنه يتوجب عليها أن تطوف على الرجال بالصينيات. تقول للحاجة: “مُريني بفعل أي شيء إلا هذا الطواف!”. تهوّن عليها الحاجة: “كل زميلاتك السابقات خبرن الشعور الذي يعتريك الآن، لا أحد يولد متعلما، فقط اقتدي بسَمَرْ ولا تعبئي بشيء آخر، تذكري جيدا أنك صرت بعيدة عن دوارك بعد السماء عن الأرض، والضيوف الذين ستطوفين عليهم أناس أكابر، ويشرفنا أن نخدمهم برموش أعيننا. هيا تشجعي، لن ترقصي لهم، مجرد توزيع بسيط”. تخطو مليكة صوب الخيمة خجلة وخطواتها تكاد تتعثر. تحاول أن تتخيل أنها وسط أهلها، وتقنع نفسها بأنها تقوم بعمل بسيط. تقتفي أثر سَمَرْ، فتطوف بعدها على المدعوين بطبق تصطف فوقه صنوف متنوعة من الحلوى.*** بمجرد أن ألقت مليكة نظرة على الرجل الذي كانت الحاجة تجالسه، أدركت أنه نفس المدعو الذي طاردتها نظراته بالأمس، ونبس في وجهها: “تْبارْكْ اللهْ عْليكْ الغْزالة”. ألقت السلام، تكاد لا ترفع عينيها عن الأرض، وضعت الصينية الفضية المشغولة بنقش بديع، حيث استوى إبريقان فضيان، وكؤوس موشاة بزخرفة مذهبة. حين همت بالانصراف دعتها الحاجة إلى الجلوس بجانبها، وراحت تثني على أصلها الطيب ودماثة خلقها وحذاقتها في أشغال البيت. أخذ الرجل خلال ذلك يتفرس فيها من رأسها إلى قدميها، محركا بين أصابعه مفاتيح سيارته. عقب على كلام الحاجة قائلا: “بايْنينْ بنات الأصل”. ثم سألها عن سنها. خامرها الخجل وتضرج وجهها حمرة، أجابته متلعثمة: “سبعة عشر”. فردد: “تبارك الله!”، وعيناه تلتهمان وجهها. صبت الشاي في الكؤوس وقد تصبب جبينها عرقا، ناولته كأسا متجرئة، هذه المرة، على التطلع إليه. بذلة بلونِ سماءٍ صافية، شعر ممشوط إلى الخلف، وشارب كث يتربع فوق الشفة العليا. انسلت الحاجة خارج الصالون، فعرج، والبشاشة لا تفارق وجهه، على الحديث عن رغبته في استكمال نصف دينه، لأن من هرب إلى الزواج هرب إلى الطاعة، وقال إنه كان مترددا طيلة سنوات، لا يستطيع الإقدام إلى أن رآها بالأمس في الخيمة… لم تعقب. أسكرتها كلماته، وشعرت بقلبها يرقص بين حنايا صدرها.
وما إن شيعته الحاجة إلى غاية الباب حتى عادت إلى مليكة، فوضعت في يدها شيكا: “هدية من سي منير”. فتحت فمها مندهشة، فربتت على كتفها: “لقد نلت إعجابه!” سألتها متحيرة: “ماذا يعني هذا ألَلاّ؟” ردت عليها: “يرغب سّي منير في الاقتران بك على سنة الله ورسوله”. تلعثمت الكلمات بين شفتيها، فقالت: “ولكن..”. قاطعتها الحاجة ممسكة بيديها: “أعرف أنك لم تتوقعي قط هذا الأمر، تحدثك نفسك بأنك فتاة قروية، من أسرة على قد الحال، وحتى دراستك لم تسعفك ظروفك لاستكمالها، وهو رجل أعمال ثري… لكن الزواج، يا ابنتي، كما تعلمين، قسمة ونصيب، ما هو بحسب أو نسب، ولا هو بمال أو جاه.. هذا زهرك، فاحمدي الله عليه”.
أرقت تلك الليلة وهي تفكر في هذا الحظ الذي واتاها على نحو يشبه السحر: كيف يعقل أن تغفل عيون سّي منير عن بنات المدينة، المتحضرات، وتقع عليها هي بالذات؟ لقد بدا لطيفا، بل في غاية اللطف، وهو يحادثها. وهذا الشيك الذي تركه لها لم يكن ثمة ما يدعوه إلى أن يخصها به لو لم تكن نواياه طيبة. استلته من حقيبة يدها، لتلقي عليه نظرة، كان مكتوبا بحروف فرنسية، ممهورا بتوقيعه، لكن المبلغ كان مترجما أيضا إلى أرقام؛ واحد متبوع بثلاثة أصفار. سبق لها أن رأت صورة شيك على كتاب قراءة، لكنها لم تمسك قط شيكا بين يديها. طبعت عليه قبلة من غير أن تشعر، وراح رأسها يفكر في أهلها: كيف سيستقبلون الخبر؟ هل سيتخوفون من مصاهرة رجل أعمال؟ من المرجح أن يجدوا صعوبة في استيعاب الأمر، ووحدها الحاجة تستطيع أن تقدم لهم شرحا مقنعا ومُطَمْئنا، ستطير أمها من الفرحة، وسيرفع أبوها رأسه في الدوار مزهوا…
مذ أنهت دراستها بالمستوى الابتدائي، قعدت في البيت. لم يقتنع أبوها بفكرة التحاقها بإحدى المدارس الداخلية بالمدينة. قال بنبرة ساخرة: “هل ستمضين عمرك كله في التعلم؟”. ردت عليه أمها بأن بنت السكال الذي يشتغل خماسا في حقله قد أنهت دراستها وحصلت على الإجازة، فعلق ساخرا: “وماذا جنت من الإجازة؟ أليست هي الآن عاطلة؟”. في المقابل، كان يضرب المثل بربيعة ابنة جيرانهم التي تعمل خادمة في أحد البيوت بالمدينة، ورغم أنها لا تزور أبويها إلا مرة واحدة في العام خلال العطلة الصيفية، فإن والدها ينزل بنفسه إلى رب البيت الذي تعمل فيه لاستلام أجرتها. كانت مليكة تشعر بالملل والرتابة فيما هي دائبة يوما وراء يوم على مساعدة أمها في أشغال البيت، الذهاب إلى الساقية فوق الحمار لملء الجرار بالماء، وتزويد الخرفان بالحشائش. متعتها الوحيدة كانت اختلاس قسط من الفرجة قبالة تلفزة الجيران. إلا أن حياتها تكتسي طعما مختلفا عقب عودة صاحباتها من الداخلية إثر كل عطلة مدرسية؛ تجد لذة في الإصغاء إليهن وهن يستعدن ذكرياتهن في المدرسة، ولا تكف عن سؤالهن عن حياتهن في الداخلية، بل إنها تلتمس من إحداهن أن تسمح لها بتصفح الكتب المدرسية والدفاتر. وكم من مرة استعارت كتابا من هذه الكتب، واختلت به تحت ضوء الشمعة تتصفحه، على مهل، صفحةً صفحة، وتتهجى حروفه مستكشفة عالما حُظر عليها ولوجه. رغم ذلك، لم يكن لقاؤها بصاحباتها يخلو من تنغيص؛ شعور فادح يتفجر داخل صدرها، فتتمنى بحرقة لو كانت تملك مثل حظهن، لو فُسِحَ الطريقُ أمامها لتحيا مثل تجاربهن. ازداد هذا الشعور تفجرا حين أحست، مع انصرام السنوات، أن مسافة ما أخذت تتشكل بينها وبينهن،كما لو كن يتقدمن في السير، فيما هي تتقهقر إلى الوراء. لم يعد بوسعها مسايرتهن فيما يخضن فيه من أحاديث، ولغتهن راحت تتمايز أكثر فأكثر عن لغتها، حتى أنها بدت كالجاهلة وهي تسألهن عن معنى كلمة أو عبارة.. حين تراهن يتهامسن ويتساررن، تشتعل غيظا. لذلك، أخذت تتجنب مجالستهن وقتا أطول، مفضلة انتظار قدوم ربيعة التي كانت ما تزال تنتمي إلى كوكبها، رغم أنها كانت تتحدث عن أشياء جديدة تحفل بها المدينة. ربيعة على عكس الأخريات، تبعث فيها الأمل، أمل مغادرة عالم قريتها البئيس المحدود، إلى عالم المدينة. إلا أنها كانت تستنكر أن تشقى صاحبتها، فيما أبوها يستفرد بالأجرة. أفضت إليها يوما برأيها، فكان ردها: “ما العمل يا أختي؟ لم يكن أبي ليسمح باشتغالي لولا ما يجنيه من مكسب لقاء ذلك. لكني قانعة بنصيبي؛ فالأسرة التي أخدمها تطعمني وتكسوني، فضلا عن تمتعي بالعيش في منزل باذخ، يتيح لي الترويح عن نفسي بالتلفاز والإنترنيت، فضلا عن مشاطرة الأسرة مباهجها من تنزه وسفر وتبضع من متاجر غاصة بما لا يخطر على بالك من أنواع المأكولات والملابس والأجهزة”.
***
… يُشْرع سّي منير باب السيارة الفخمة لتجلس على المقعد الأمامي بجواره، تشعر بالحرج، فتدعو الحاجة إلى الركوب بدلا منها، غير أن الحاجة تحفزها برفق: “المقدمة لمولاتي العروس!”. تحس بالملمس الناعم للمقعد الوثير، تسري كهرباء في جسمها حين ينحني سي منير جهتها، فيتناول حزام السلامة ويمرره من فوق كتفها عبورا بصدرها، ليغرسه في موضعه عند نهاية خصرها. لا تلتفت نحوه طوال الطريق الذي تقطعه السيارة باتجاه المدينة الساحلية، وإن كانت تلمحه بطرف عينيها. تتشاغل بالنظر إلى السيارات المارقة على وجه السرعة والحقول والمنازل التي تتراجع إلى الخلف مع تقدم السيارة. تلتذ بالتفرج على ما تعكسه الشاشة الزجاجية، وتسعدها النظرات المفتتنة التي كان سي منير يلقيها عليها من حين لآخر، فيما هو يسوق بمهارة.
يوصلهما إلى قيصارية، ويقول إنه سيذهب لشرب فنجان قهوة ريثما تفرغان من التسوق. تحتار وهي تنقل عينيها بين الفساتين المختلفة، لكن الحاجة تسعفها على اختيار طُرُز متنوعة من الملابس اللائقة بحفل الزفاف. تخرجان من القيصارية مثقلتين بأكياس ملآى، والدنيا لا تسعها من شدة الفرح. يجيء حالَما تهاتفه الحاجة، ويستقلون السيارة عائدين إلى الدار…
تمضي ليلتها تلك، في الصالون، تتلقى تهاني البنات، وتلبي دعوتهن لتجريب الثياب المقتناة واحدة تلو الأخرى، وهن يرمقنها بنظرات الإعجاب، فيما كلماتهن تداعب أذنيها: “تْبارك اللهْ عْليكْ آ الزينْ، جا مْعاك هاذْ القفطان!”…
تختلي بها الحاجة، بعيد انفضاض المجلس: “سأرسل خبرا إلى أهلك، فاهنئي بالا”.
******
تحس مليكة باختناق لا يطاق؛ أصابع باطشة تضغط على عنقها، وأقدام ثقيلة تجثم على صدرها. تخرج من البيت دون أن تعترض الحاجة، لكنها ترميها بعبارة حين تفتح الباب: “فكري في مصلحتك يا ابنتي”. تُوَقع خطوات على الرصيف على مهل. لا تلتفت إلى السيارات المسرعة في الشارع الرئيس. لا تعبأ بالعابرين. تنعطف يسارا إلى شارع فرعي. تمر بمحاذاة مقهى مكتظ برجال جالسين يرشفون القهوة، ودخان السجائر يتصاعد مُتلوْلباً فوق رؤوسهم. تلاحقها العيون. تنعطف يمينا حيث فيلات جميلة تجللها نباتات الجهنمية بزهور صفراء وبيضاء وبنفسجية. بعد خطوات معدودة، تقف في مواجهة حقل شاسع. تراب أحمر، أشجار زيتون، ورائحة نفاذة. تتابع سيرها في طريق ترابية خالية. تتنفس عميقا، ويملأ هواء عليل صدرها. تجد نفسها تدندن:
حْياتي اللي تْمنيتْ ماشي هذي
وَرّيوْني زَهْري فينْ يْكونْ؟
ترفع قليلا صوتها المشبع بالأسى ملتذّة بالدندنة. لم تكن خائفة من شيء أو أحد، في فضاء هذا الحقل الشاسع. ماذا يمكن أن يحدث لها أفظع مما حدث؟ تهب عليها نسائم باردة، تتنفس مرة أخرى بعمق. ماذا بعد؟ لم تكن خائفة إلا من شيء واحد لا غير. كانت مرتعبة بالأحرى: ماذا ستقول لوالديها؟ سيذبحها أبوها سي الهاشمي من الوريد إلى الوريد. ما كان عليها أن تستعجل مراسيم الزفاف دون حضور والديها، لكن الحاجة خدعتها. خرجت باكرا ذات صباح رفقة سي منير، مدعية أنها مسافرة إلى القرية لتزف الخبر إلى أبويها. رجعت مساء متهللة الأسارير، أخبرتها أن والديها استقبلاهما بحفاوة، وباركا طلب سي منير. إثر ذلك، توالت الأحداث بسرعة: استُدعِيَ الجوق والمدعوون، وجيء بالعدول لإبرام عقد الزواج، وسط أجواء العزف والغناء وزغاريد البنات. كانت مليكة، في كامل زينتها، تترقب، في كل لحظة، حضور والديها وبعض أقاربها. غيرت لها “النگافة” لباسها أكثر من مرة، حُملتْ فوق “العمّارية”، رأت البنات يرقصن ويشاركن في الغناء ويزجين لها التهاني، ولم تكن عيون الحاجة تغفل عنها، تنتقل بهمة من مكان لآخر، توجه البنات وتصدر الأوامر وترحب بالمدعوين، ثم تعود لتقف بجوارها، تثني على جمالها وتجدد التهنئة لها وتكرر على مسمعها أن والديها في طريقهما إلى خيمة العرس. لم تشك لثانية في قدومهما، وودت لو تُطوى المسافة في رمشة عين ليقاسماها ليلة العمر، تخيلَتْهما يقبلان وجنتيها ورأسها مهنئيْن متمنييْن لها رفاء وبنينا، جالسيْن، في فخر، بالقرب منها. لما نفد صبرها من فرط الانتظار، تقاذفت رأسها الهواجس: هل تعذر عليهما العثور على وسيلة نقل؟ هل وقع حادث للسيارة في الطريق؟ أَلم يكن من الأفضل أن يأتيا قبل الزفاف بأيام أو بيوم واحد على الأقل؟ …
سيقت إلى الانخراط في طقوس العرس. لم يكن بوسعها الاعتراض وهي ترى نفسها جالسة علي كرسي فاخر بجوار سي منير، وومضات الكاميرات تنثال عليهما عند التقاط الصور، و”النگافة” تنضو عنها فستانا لتلبسها آخر، عبر نوبات سبع، ثم وهي تُرفَعُ عاليا فوق الأكتاف و”العمّارية” تهتز علي إيقاع الأهازيج: “ادّاها وْ ادّاتو واللهِ ما خْلاّتو”، ثم وهي تُقاد رفقة زوجها إلى دار الحاجة، عبر جولة تشيعها النساء بالزغاريد. الخوف جاثم على صدرها، قابض على أحشائها. وبفعل تراكم العياء، أحست كما لو كانت مُسَرْنمة، عندما وجدت نفسها في غرفة مع زوجها، وحدهما فوق سرير فخم والباب محكم الإيصاد. ناولها كوب عصير ليمون، وراح يهدئ من روعها بكلمات عذبة حانية.
عبثا ظلت تنتظر والديها لأيام، بعد ليلة الدخلة. الهواجس تنهش قلبها، والحاجة وسي منير ما فتئا يطمئنانها، مدعيين أن وعكة صحية ألمت بأمها، المريضة بالسكري، لحظة كانا يعتزمان القدوم، وأنهما سيحضران قريبا. لكن الحاجة ستلقي في وجهها، ذات عشية، خبرا مزلزلا. استدعتها إلى الصالون صحبة فتياتها العشر، وأشارت إليهن: “أترين حال صاحباتك؟ كل واحدة منهن استقدمتها من دوار معين، وزوجتها زواجا أبيض، وعلمتها أصول الحرفة. هن الآن يشتغلن بهمة ونشاط، ولكل واحدة منهن راتب محترم تؤمّن به عيشها، وترسل منه نصيبا إلى أسرتها. أَلا ترين كم هن سعيدات؟”.
لم تفهم مليكة كلامها تماما، وإن حدست معناه في رعب، فنبست: “ماذا تقصدين بالزواج الأبيض؟”. ردت الحاجة: “سأمنحك أجرة مجزية إذا قبلت أن تشتغلي معي، ولن ينقصك خير. انْسَيْ سّي منير، وجهزي نفسك للعمل. العرس والعقد ليسا سوى غطاء للتمويه على عملنا الفعلي”…
طفقت الحاجة تشرح لها، فيما هي تشعر بالدوار، وتعجز عن تصديق أن الأمر كله مجرد تمثيلية متقنة. أصغت إلى الحاجة تتكلم حتى لم تعد ترى سوى وجه وحش بشع بأسنان نضيدة ناصعة البياض، أسنان اصطناعية بدت مخالب تهم بافتراسها بشهوة عارمة، لحما ودما. ولم تلبث أن انفجرت باكية.
تقترب من شجرة توت ضخمة وارفة الظلال. تضع رأسها على جذعها وتغمض عينيها. يدهمها حنين جارف إلى مرابع قريتها، تود لو كانت الآن جالسة في البيت بجوار أمها وصديقتها، عارية تماما من أعباء ما وقع. تشعر بهبوب الريح، فتفتح أجفانها. كانت أوراق الشجرة تتطاير. تعود إلى إغماض عينيها، وتحس بأنها ورقة، مجرد ورقة صفراء صغيرة بلا وزن، وتغمرها الريح من كل جانب وتنفذ إلى جسدها كله، وتشعر بنفسها تتطاير.