د. خالد محمد عبدالغني
مدخل:
سوف يدرك القارئ بفطنته لم كانت نهاية القراءة النقدية هي عنوانها ومقدمتها أيضا؟. فما تزال مقولة فرويد عن الشعراء :”إنهم معلمونا في معرفة النفس، لأنهم ينهلون من ينابيع لم نتوصل بعد إلى تمهيدها أمام العلم ([1])” صالحة للاستخدام رغم مرور أكثر من مائة عام عليها ، وهي أكثر وضوحا مع شاعرنا البهاء حسين في كل أعماله ومع عمله الحالي خاصة هناك عدة ملامح نفسية أو إن شئت قل عدة قضايا نفسية تتعلق بالأزياء والقبر واليد والألوان وصورة الجسد الذي يؤكدها وجود الظل ليقول:
“الظل معجزة
الشجرة لا تستحق اسمها إن لم يكن بها عشّ
إن كانت من غير ظل”
توصل الشاعر لمعالم كبرى تفسيرية حولها ، وكلها قضايا صميمة سنهتم بها ولكن نود أن نؤكد على أن هذا الديوان الحالي «جردل فارغ ثقبته الظروف([2])»، وديوان “يمشي كأنه يتذكر ” قد كتبا في فترة زمنية واحدة خلصنا الى هذه النتيجة عندما قرأنا الديوان الحالي ومقارنته بالديوان السابق عليه ، ولهذا فلن نردد كلاما سبق أن ذكرناه حول الجسد والأم والذاكرة ، وهذا الديوان الجديد للشاعر البهاء حسين هو الثامن فى مسيرته الممتدة منذ ربع قرن، وقد تضمن الديوان عشر قصائد، سبع منها قد كتبت في فترة زمنية سابقة بين عامي 2007 – 2011 وهي : قارئ الروايات، أجرب قبر أمى، نادنى باسمك، اترك قلبك على الحيطان، أحلام اليقظة، جردل فارغ ثقبته الظروف، كأسماك الزينة، أما القصائد الثلاث وهي “بلا ظل كأنه لم يولد ، واترك ذاكرتك مفتوحة .. اترك المقبرة، و أذهب إلى طفولة أخرى فقد كتبت في عامي 2021 و 2022، فهذه الجمل المؤثرة :
” كل ما أنت فيه تقوله يداك”
“تقول اليد، وهى تسلّم، ما لا يقوله الفم”
“غير أننى لا أملك ما يكفى من الأصابع
لأقول كل عواطفى”
معها نتذكر مقولة فرويد الشهيرة “عندما يصمت اللسان تثرثر اليدان” ونستطيع اعتبار اليد بديلا عن الكلام في كثير من المواقف التي يتعطل اللسان فيها عن الكلام .
” نسيتْ حبيبتى أن تحبّ
ففاتها الفرح
لم تجرب القبلات
فتعطل فمها عن الكلام”
فجاء الشاعر ليقول لنا :
“جعلتُ يدى إناء ماء
وتركتها لك فوق السطوح
حُطى
انتظرتك بكل جسدى، بقلبى كله
وحلفتُه ألا يخونك
اسكتى ياحبيبتى
يدى لم تجد من يهنئها على مهارتها في إيواء العصافير
فهات يدك تهنئها”
حتى تم استبدل الدعاء والكلام جملة وتفصيلا فكانت اليد هي التعبير الرمزي عن الدعاء
“وكلتا يدى كانت ضراعة
رب إنى مسّنى الحب
وأنت أعلم بالمحبين”
وحتى هذا التناص مع القرءان الكريم “ربّ إنّي مسّني الضرّ وأنت أرحم الرّاحمين”. يحمل دلالة على عجز المحب عن البوح والشكوى اللفظية ، فالحب قد لمس المحب وما اللمس الا باليد ،
وعندما تكون العين وريثة اليد بحسب صلاح مخيمر جاء قول الشاعر ليؤكد ذلك وإني لأعجب لهذه البصيرة النافذة وهذا الإيهام المعجز.
في المرة المقبلة
حين يقع عكازك، حين تهمين برفعه من الأرض
لا تدارى صدرك بيديك
امنحى الخلود لعينىّ
ومرة أخرى يقول :
سلامى لإشارات المرور التي غافلتُها
وغازلت نهديك”
وهنا نلمح إشارة رمزية لأحد رموز العكاز فبعد أن كان دلالة على العجز أصبح العجز نفسه مصدر القوة فتخيل عكاز الكفيف في يديه يفرض على الجميع مساعدته وإفساح الطريق له، وتخيل عكاز العاجز عن الحركة وقد امتلك قوة طلب المساعدة التي لا يقف أمامها أحد بل وتشيع الحسرة في نفوس المتقاعسين.
“ما الذى في عكازك يشعرنى بالذنب
بالذنب
قولى أنت”
” سأستند على روحك، كأنها عكاز، لأجد الطريق إليك”
التناص:
التناص في الأدب العربي مر ببدايات غنية تحت مسميات نقدية تناسب عصوره القديمة وعاد من جديد للظهور متأثراً بالدراسات اللسانية الغربية الحديثة كمصطلح مستقل له أصوله ونظرياته وتداعياته، ففي الأدب العربي المعاصر حظي مفهوم التناص باهتمام كبير لشيوعه في الدراسات النقدية الغربية نتيجة للتفاعل الثقافي وتأثير المدارس الغربية في الأدب العربي وكانت دراسة التناص في بداياتها قد اتخذت شكل الدراسة المقارنة وانصرفت عن الأشكال اللفظية والنحوية والدلالية ( )، وتعريفات التناص كما بينها النقاد الحداثيون كثيرة جدًا ومتشعبة وكلها تدور حول جوهر التناص الذي يصب في النهاية في كونه تأثر نص حديث بنص قديم سابق عليه.
وبحسب رولان بارت أن” كل نص إنما هو تناص، والنصوص الأخرى تتراءى فيه بمستويات متفاوتة، وبأشكال ليست عصية على الفهم بطريقة أو أخرى، إذ نتعرف نصوص الثقافة السالفة والحالية، فكل نص ليس إلا نسيجا جديدا من استشهادات سابقة ونسيج من “الاقتباسات تنحدر من منابع ثقافية متعددة” ويرى بارت أن “التناصّية هي قدر كل نصّ، مهما كان جنسه. ولا تقتصر على التأثر فحسب .” وقد عبر عن تناصية كل نص بقوله إن “النص هو جيولوجيا كتابات”، فهو إنتاج متراكم من النصوص يشارك فيه الكاتب والقارئ ويشكل شبكة متفرعة من التناصات.
وتناول امبرتو ايكو التناص من وجهة نظر تركز على القارئ ففي كتابه “دور القارئ” وضح أن “القارئ يتحمل العبء الأكبر في فك رموز النص، واستحضار تناصاته الغائبة، أو استنباط أكواد تناصاته الحاضرة، ليصبح النص خليطا من نصوص، وتناصات كثيرة. وهذا ما سماه إمبيرتو إيكو بالمشي الاستنباطي، أو المشي خارج النص. وفي نفس الاتجاه نجد مقاربة ريفاتير للتناص حيث جعله آلية خاصة للقراءة الأدبية، وعرفه بأنه “إدراك القارئ للعلاقة بين نص ونصوص أخرى قد تسبقه أو تعاصره.”
وانطلاقًا من هذا الفهم للتناص تحكي الرواية الأصلية “أحدب نوتردام” مأساة «كوازيمودو»، الطفل الذي ولد أحدب بملامح قبيحة فبات العالم يتنمر عليه وكأن قبحه الذي لا ذنب له فيه هو خطيئته التي يجب أن يعاقب عليها. يصادفه أحد رجال الدين ويدعى «الدوم كلود فلورو» فيواريه بعيداً عن أنظار العالم ويعهد إليه أن يكون قارع جرس الكاتدرائية، يكبر المراهق وتكبر معه مأساته كقبيح تتأسس علاقته مع العالم على الرعب المتبادل. يعيش «الأحدب» داخل جدران المكان لا يعرف شيئا عن العالم الخارجي حتى يحل موعد مهرجان يسمى بـ«مهرجان المهرجين»، وتقود الصدفة الأحدب ليشارك فيه، فيتورط بسلسلة من الأحداث تقوده للمحاكمة، وهو بين الحياة والموت، يطلب شربة ماء فلا يجد سوى السخرية والشماتة، وحدها الفتاة الغجرية الجميلة التي تنتزع آهات الإعجاب بقوامها الرشيق ورقصاتها المدهشة «أزميرالدا» هي من تحنو عليه وترفق به فيقع في حبها، تتطور الأحداث في اتجاهات مختلفة فتجد الفتاة الغجرية نفسها على حافة الموت عقابا على جرائم لم ترتكبها وتخفي التهم مكائد وأحقادا، ينقذها الأحدب مؤقتا من ثم يقعان في النهاية ضحية لمجتمع قاس يحترف الظلم.
ليقول لنا الشاعر ما يلي :
” كنت على وشك أن أجلب الحظ السعيد لبيتى
لكننى، من فرط تعاستى
تعثرتُ بميت أحدب
الرجل الذى يوقظنى كل ليلة
في المنام
بيده المتورمة
يهز كتفى، ثم يفتح بقجة ويُخرج منها أمعاءه
ورجله اليسرى وأعضاء أخرى
إصابتها طفيفة
ياله من كابوس
يا للذعر الذى ينتابنى من أنفه المجذوم
وفمه الملطخ بالضحك
أيكون مصيرى مثله
أحمل حظى المسكين
في صرةٍ هكذا
كأنه ضحية حرب
وأفرد أشلاءه
في وجه شخص آخر لايعرف نفسه
لا يكون بمأمن من الخوف
سوى في النوم” !
الألوان والأزياء:
ومن الشائع أن الدلالة الرمزية للألوان تتباين من مكان لآخر, ومن زمان لآخر، وأنها أكثر ارتباطاً بالثقافة والعادات والتقاليد والوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه المرء، وإذا ما اختلف النسق الاجتماعي والثقافي اختلفت بالضرورة الدلالات المرتبطة بالألوان, وأفادت البحوث النفسية أن اللون الأحمر أشار إلى السعادة والراحة والفوران الداخلي والإثارة والحرارة والانفعال والحب والعدوان والكراهية والتصلب والقوة؛ وأن اللون البرتقالي أشار إلى الإحساس بالسعادة والحرارة والتعاسة والتوتر والدفء والبهجة والسرور والرشاقة، وأن اللون الأصفر أشار إلى الإثارة والغيرة والتعصب والدهشة والسعادة، وأن اللون الأخضر أشار إلى التحكم والانفعال والفتوة والهدوء والسلام والانتعاش والمرض والشباب، وأن اللون الأزرق أشار إلى الوقار والحزن والبرد والرغبة في التحكم والأمن والراحة والقوه والعمق والسرور، أما اللون الأرجواني فأشار إلى الاكتئاب والنشاط والرفض والحزن والعمق والثبات والتعاسة، أما اللون الأسود فقد رمز إلى الحزن والخوف والقلق والرفض والاكتئاب والتمكن والعمق والشيخوخة والغيظ والتعاسة والتعصب، وكان اللون الأبيض يرمز إلى النقاء والفراغ والهدوء والشجاعة والهيبة والسلام والأمن، و أخيراً أشار اللون البني إلى الحزن والرفض والأمن والراحة . وكذلك اللون الأحمر يتضمن حرارة وإثارة حسية, وقد أطلق البعض عليه اللون الشهوي, ويعد أصعب الألوان بالنسبة للمريض الذي يعاني من اضطرابات في الشخصية، وأن اللون الأسود يبدو أنه أدعى الألوان للاكتئاب, ومشاعر الكبت ويحتمل النكوص كذلك، وأن اللون الأخضر إنما يشعر الفرد بالأمن، ونظراً لانتشاره في الطبيعة فإن استخدامه يكثر في رسم المنزل والشجرة, ولذلك فإن دلالته تكون ضئيلة، وأن اللون الأزرق يتضح أنه يتضمن الاهتمام بالضبط وبالوقاية، وأن اللون البني يستخدم غالباً من قبل الذين يحاولون تجنب استخدام اللون. أما التظليل باللون البني إنما يتضمن دفاعية واستجابة غير ناضجة للمؤثرات الانفعالية، وأن اللون الأصفر يشير إلى العدوانية والإثارة الحسية ولذلك فإنه يكثر لدى الأطفال, ويسهل تعبير الطفل عن العداوة والغضب، وأن اللون القرمزي يستخدمه الذين يتسمون بسمات شبيهة بالبارانويا. وبهذا فإن اللون الأبيض أصبح رمزاً للنظافة والطهارة والطيبة، واللون الأزرق مدعاة لهدوء الأعصاب وإزالة التوتر، ويكون اللون الأحمر سبباً لإثارة العاطفة، واللون الأخضر يوحي بالخير والنعيم والبشر، بينما صار اللون الأصفر دليلاً على الغيرة والعدوانية والدهشة والسعادة، وأما اللون الأسود فهو رمز الحزن والحداد والعزلة([3]). ومن ارتبطت الألوان بالملابس وسيكولوجية الموضة والملابس اهتم بها العلامة الراحل صلاح مخيمر اهتماما كبيرا في كتابه سيكولوجية الموضة والملابس وبخاصة النسائية وكان الاهتمام منصبا على التحليل النفسي للعباءة اللف بلونها الأسود الموجودة في الأحياء الشعبية المصرية والتي ظهرت كثيرا في السينما في بدايتها وهنا يذهب مخيمر الى أن الموضة في الملابس تقوم على مبدأين هما الدينامية والوظيفية فالموضة تمثل محصلة الرغبة الغريزية الاستعراضية عند المرأة في ان تكشف عن مفاتنها والرغبة الاخلاقية لديها في أن تستر مفاتنها ومن هنا تكون المحصلة ساترا لا ستر ما تحته وغطاء يكشف عما يخفيه.
إن المرأة الواحدة تغدو كيانات جمالية عديدة ، تنظر إليها فى الصباح فإذا بها مختلفة عنها فى المساء ، وتراها فى ثياب العمل غير ماتراها فى ثياب السهرة ، وها هى تغرق ساجدة فى صلاتها لا تكاد تتبين فى ثيابها الفضفاضة ، فإذا ما كان الليل خرجت إلى العشاء بثياب السهرة وهى ضاحكة عابثة ……. إلخ نعم إنها الكثيرة فى واحدة ، هى واحدة تتكثر مبدية فى كل موقف من مواقف حياتها كياناً فريداً له سحره وله جماله وله مذاقه الخاص ([4]).
، وصحيح أن الملابس تلعب دورا هاما في حياة الأفراد وتؤثر عليهم تأثيرا قد ينعكس على شخصياتهم وأعمالهم، وفي علاقاتهم بالآخرين. وتعتبر الملابس أول مفتاح لشخصية الأمة وحضارتها، وأسبق دليل عليها، لأن العين ترى الملابس قبل أن تصغي الأذن إلى لغة الأمة وقبل أن يتفهم العقل ثقافتها وحضارتها. وللملابس أهمية في سد الحاجات الأساسية للإنسان، وأصبحت تنال مكانة رئيسية في مجال العلوم الاجتماعية، كما شغلت علاقة الملابس بالنواحي الاجتماعية اهتمام الباحثين في علم النفس الاجتماعي، فأصبح هناك عديد من الدراسات والبحوث التي تربط بين هذين المجالين. وتتطلب الحياة الاجتماعية العناية بالمظهر الذي يدل على سلامة الذوق الذي يتفق مع المستوى اللائق، وسواء أكانت الملابس وطنية أم أجنبية فالمفروض ألاَّ يبدو الإنسان مهملا في مظهره، وأن يوجه اهتمامه بصفة خاصة إلى إتقانها ونظافتها. وكل زى يعتبر مقبولا ولائقا بشرط أن يتفق مع طبيعة عمل الشخص وصلاته الاجتماعية. وكان جلباب الأم أسود :
“كيف أن جلبابها الأسود لم يعد ينضحُ لوعة”
لأن اللون الأسود علامة على الحزن والفقد، ثم يؤكد الشاعر ذلك بقوله :
“أحكى لزملائى من الموتى
عن جلبابك الأسود”
ثم يقول:
“تقول الملابس ما لا يقوى عليه الفم
الملابس مقنعة أكثر
عرفت، مثلاً ، من ملابسك، أنك تفضلين الحضن على القبلات
وحين تلبسين قميصك الكاروه
فمعنى ذلك أنك في منتهى الوحدة “
“أن أحكى لقمصانك
لوجهك المسترسل في البياض، للإيشارب
كل ما يخص جسدى
كيف أن الشتاء لا يمنح الفقير معطفاً
كيف أننى أشترى، الآن، ملابس كثيرة
تيشرتات وأربطة عنق، لأقول لك حبى بطرق مختلفة
تقول الملابس صاحبها بحذافيره ، أصله وفصله، كأنها تشفه
حتى خجله تقوله البقع
البقع عواطف جفت، لأنها لم تجد من يقولها “
“سوف أصلح شيخوختى .. الشعر الأبيض وزيادة الشجن في الصوت
باللون الرمادى أو النبيتى
بالأسود الذى سرق من أمى عمرها
هذه الألوان حقيقية
لدرجة أن إيمان تضيىء حين ألبسها
أعرف العين حين تقول: أحب اللون الرمادى عليك، بينما تقصد أنها تحبك
أعرف كيف تنظر إيمان حين تحب
لطالما اشتريت لنفسى ملابس من أجلها
أعرف من صوتها أنها تخفى ندوبها في الكحة المزمنة التي تشرخ صدرها طوال الشتاء
حساسة إيمان كاللون الأبيض، وطيبة كالقطن”
ثم تأتي خلاصة الدلالة النفسية للملابس حين يقول الشاعر الملهم :
” أن الملابس تجعل الوحدة ملونة
من، غير الملابس، يعبر عنك
من، غير الملابس، يفهم الإنسان ؟”
حلم اليقظة :
إذا كان حلم اليقظة بحسب تعريف “ستانلي هول” هو ضوء الشفق الذي ينبئ عن إشراقة الخيال، وإذا كان الخيال خصباً غنياً فإنه يستطيع إكمال كل نقص إذ يمنح الضعيف جسماً رياضياً ويهب السائل المعدم ثراءً عريضاً ، وهو بهذا الشكل ملكة للتعويض والتكميل ، وعليه فحلم اليقظة ممتع وسار وسهل لذلك يقدم نوعاً من الإغراء فيعيق العمل في الواقع ، ومن ثم يجب العمل على توجيهه وحسن استخدامه حتى لا يعترض نمو الشعور بالواقع ولن يتحقق ذلك دون فهمه ([5]). وهذا الفهم لأحلام اليقظة هو ما نجده لدي الشاعر في قصيدة حملت عنوان “أحلام اليقظة” فيقول :
” فى النهار،حيث يمكن لظلك أن يستقل عنك
أدير بضعة أحلام عزيزة
أكون فيها الممثل والجمهور والمخرج
وإن بدأتُ مؤخراً أتخلى عن البطولة
وهذاما يضايقنى
عشتُ كل الأدوار
وصلت إلى كل حافة
ما من رغبة لم تترك لى غبارها
حتى استنفدت حصتى من اليقظة
:
كثيراً ماكنت أحلم
أننى شخص هبطتْ عليه ثروة
تقديراً لنبله
لكونه بارًا بالعالم، كما يليق بالابن نحو أبيه
بالمحتاجين لأنهم إخوة
لكننى، شيئا فشيئا، بدأت أمسك يدى
كى لا يعتاد الأصدقاءُ التبطل
أردتهم أن يعتمدوا على أنفسهم
أن يأكلوا من كدّ أحلامهم مثلى
خاتمة عودة للبداية :
وآخر قضية نفسية تحليلية يقدمها لنا الشاعر هي قوة حضور المحبوب حين يغيب وكأن هذا الغياب هو قوة الحضور في آن([6]). حين يقول:
“حين تفتقد أمك تبحث عنها أكثر”.
وهنا تحقق ما هو ذاتي لدى الناقد – كاتب هذه السطور- وربما لدى الشاعر وربما لدى كل قارئ فقد أمه .
………………..
([1]) سيجموند فرويد : الهذيان والأحلام في جراديفا لجنسن. ترجمة نبيل أبو صعب . منشورات وزارة الثقافة . دمشق . 1986.
([2]) البهاء حسين : جردل فارغ ثقبته الظروف. منشورات الهيئة العامة لقصور الثقافة. القاهرة . 2023.
([3]) خالد محمد عبدالغني : سيكولوجية الألوان . مؤسسة الوراق للنشر والتوزيع. عمان . 2018.
([4]) صلاح مخيمر : سيكولوجية الموضة. الأنجلو المصرية. القاهرة . 1981.
([5]) جورج هنري جرين: أحلام اليقظة. ترجمة: إبراهيم حافظ. القاهرة. مطبعة لجنة البيان العربي. 1950.
([6]) صلاح مخيمر : سيكولوجية الحب. الأنجلو المصرية. القاهرة . 1975.