وتوهم انشطاراته،
وافتراقاته،
لعقول، تحتاج اللغة،
كي تتصل بالأصل.
ثم صار الوعي عذابًا لذاته.
صار يكسب الأشياء التي خلقها،
ويفقد.
ومع كل كسب كان يتحول إلى شكل جديد،
ومع كل فقدٍ ينمسخ.
وصار يقرب النسيان،
يعاقر النسيان،
يدمن النسيان.
وكان النسيان أحيانًا قاتلاً،
وكان يَسبُكُ الأيامَ،
والأحلام.
* * *
2013: (طبق فاكهة):
كنت اكتسبت امرأةً،
حتى صارت نِصفًا في جسدي،
لا يجرؤ جرّاحٌ على بتره،
حتى حفاظًا على حياتي.
وحين فقدتها انمسختُ بعيدًا،
في كل اتجاه.
مشيت شهورًا أبحث عن مركز ذاتي،
وحين أظن أنني وصلتُ،
يكون الفرق دائمًا لحظة.
وحين أهداني صديقي المصري الجوهرة الخضراء،
رأيت فيها وعدًا بالنسيان.
وتسرب نورها إلى عقلي..
فصار الزمن تلسكوبيًا،
كل لحظاته تحتوي لحظات.
وصارت تزورني كل أنواع التآلفات.
وصار العالَم طبقَ فاكهة،
كلوحات (جوجان)،
وصارت أربع شموس، أو خمس، أو ست،
بعدد جدران المكان.
كلها تتسرب عبر الحيطان.
كان الوجود مشرقًا،
إشراقةَ طلاء جديد لذبابة التصقتْ به.
أعرف أنني أموت،
لكنني لا أملك إلا أن أستسلم للسِّحْر،
وتعامداتِ الأنوار.
وفجأة..
اصطفت اللحظات كالمسبحة،
وصارت لوحات (جوجان) بلا ألوان،
كمجمرة رمادٍ،
واتحدت الشموس،
وانفكت الأنوار..
فانمسختُ على مسخي،
لكنني..
أدمنتُ النسيان.
* * *
2014: (عالَمٌ مِن شوبرت):
كنت أنمسخ،
حتى أكاد أنقسم.
كنت أفقد وطنًا يلتهم أبناءه،
ويبتعد عني آلافَ الذكريات.
سألت صديقي الألماني عن طعم النسيان،
فمنحني الجوهرة الحمراء.
وحين انطبع تصميمها في عقلي،
بدأت أرى موسيقى (السيمفونية الناقصة) لشوبرت،
وأمشي على ما تفضه الكونترباصات من أرضٍ،
وأشم الأنغام زهورًا،
وأخترع حبيباتٍ،
لهن أجساد،
وماضٍ يردن نسيانَه،
ومقطوعات مفضلة،
وفساتين تُلبَس لأول مرة،
أراقصهن على عالَم من شوبرت.
كان العالم رقيقًا،
جديدًا،
رهيبًا،
وكنت رائده الوحيد،
(كججارين) حين وصل إلى الفضاء وحيدًا،
ووجد نفسه في الكون…!
كنت أنا أيضًا في الكون،
لكنني وجدتني أسقط،
بجاذبية لا تشد الأجسام، وتُسقِط العقول.
وحين هوى عقلي، حملني جسدي إلى المستشفى،
ورآني الجميع وأنا أنمسخ داخل مسخي،
لكنني..
أدمنتُ النسيان!
* * *
2015: (العالَم على حقيقته):
كنت أنمسخ،
حتى أنشطر كالأنوية،
وأنا أفقد مَن علمني القراءة والكتابة،
وصيد السمك،
وألعاب الفيديو البدائية،
وكان يأخذ قلبي الطفل معه،
كل صباح،
إلى معسكرات تدريب الجيش.
فبكيتُ..
وحين رأتني صديقتي الألمانية،
أهدت لي الجوهرة البيضاء.
كانت براقة إلى حد صنع هالة من العتمة حولها، كالقطيفة،
وحين انتشر ظلها إلى صدري،
انسحب العالم مني،
كالخيوط من النسيج.
ووجدتني فقط..
أنسحب مني، مراتٍ لا نهائيةً..
وأقول:
(الأكباد التي لم يأكلها الرخ.. حرقها الكحول)
(فأديرا عليّ الأبديةَ في دوائر عدةَ مراتٍ حتى أحفظها)
(قلي.. صلي.. قلي.. صلي.. )
(ما يعصم من الوحدة، لا يعصم من الفراق)
(سبحان المفقود! سبحان المفقود! سبحان المفقود!..)
ثم ظهر العالَم على حقيقته:
أجزاء ميكانيكية دقيقة كثيرة متراكبة،
كصفائح الحشرات،
ومنها تنفصل أجسام طائرة، كأجزاء اللغز،
وتعود إلى مواضعها،
وعلى الأرض حقول من عذراوات، تغتصبهن مخلوقات ضخمة مجهولة.
بينما أُمسك بقلبي في يدي،
وأهزه كالساعة، ولا يدقّ.
لم يكن النسيان حلمًا،
لم يكن النسيان.
ثم أغمض الكون جفنيه..
وفي الصباح، كان الطبيب يجلس معي،
ويقول أن النسيان خطِر.
وأن المرة القادمة ستكون الأخيرة.
وأراني رسم قلبي المتوقف.
فسألته أين صديقتي؟
فقال لم نر إلا فتاة ألمانية،
جاءت بك مع أصدقائها،
وقالوا أنهم وجدوكَ في الشارع!
فانمسختُ أمام مسخي،
وتشهّيتُ النسيان.
* * *
في البدء كان الوعي إلهًا،
وكان الشيطانَ النسيان.
رأى الإله نفسه إلهًا،
ولم يرَ نسيانًا نسيان.
وكنت أكافح كي أنسى النسيانَ،
وفي كفاحي.. أستعين بالنسيان!
#
Köln
19.3.2015