قصائد من ديوان “تحت شمس ذاكرة أخرى”

موقع الكتابة الثقافي علاء خالد
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

علاء خالد

1-قصائد لوس أنجليس

شجرة البونسيانا

فى بيتنا القديم بالإسكندرية  ودعت شجرة البونسيانا العجوز

ذات الزهور الحمراء

وفى لوس أنجليس

فوجئت بثلاث شجرات أخرى من البونسيانا لها زهور أرجوانية

أكثر شبابا

وذاكرتها مازالت بيضاء

تطل على كل صباح عبر زجاج النافذة

تتمايل مع حركة الرياح

تظهر وتختفى، كوجه طفل

لقد جاءها أخيرا  زائر له نسب بتلك العائلة التى تفرقت، قديما، فى البلاد

من بذرة استوائية واحدة

جئت لأذكرها بهذا الإرث الضائع من عائلتها الثرية

التى توزع الظل بدون حساب

وتفرش الأرض تحت أقدام البسطاء بسجاجيد ملونة

وهم فى مسارهم اليومى

حتى يظنوا أنهم فى طريقهم لاستلام جائزة

 

يرحل الحزن من مكان لمكان

وفى كل سفر له يأخذ لونا جديدا.

 

شارع أخدود الغار

 

اليوم سرنا لأربع ساعات متواصلة

على حافة الطريق السريع

لشارع  أخدود الغار

فى الجانب المظلم منه

حتى لاتفضح مسيرتنا الأضواء الحادة للعربات المسرعة

كان صوت تكسر الأوراق الجافة تحت قدمينا،                           

كأسماك نافقة على الرمال؛

فقط هو مايمنحنا الاطمئنان.

للمرة الأولى نتشرب بالمدينة وأصواتها

كقطعة إسفنج صامتة.

 

إشارة مرور

فى إشارة مرور تقاطع

شارع أخدود الغار مع شارع فينتورا

هناك سيدة عجوز

أشاهدها كل يوم

وبجانبها بيتها المتنقل

تلك الحقيبة البلاستيكية الملآنة بالنفايات الصلبة للمدينة

تضغط على زر إشارة المرور

فتتوقف لها العربات

تعبر السيدة الطريق بخيلاء

ثم تعاود الكرة فى الاتجاه المعاكس

لاتملك أن تأمر أحدا فى هذه المدينة الكبيرة

سوى إشارة المرور

وآخرين لانراهم

تظل تصرخ فى وجوههم، أثناء رحلة عبورها للطريق،

كى يكونوا شجعانا

ويعبروا معها

هذا التقاطع الخطر،

بين ضفة وأخرى للعقل.

 

رائحة الليمون

كم أحببت كتابا قرأته عن حياة ماركيز

اسمه ” رائحة الجوافة

بالرغم من أن أرض ذاكرتى

لم ينبت بها مثل هذا النوع من الأشجار.

 

لا.. نسيت

كانت أمى تغلى أوراق شجرة الجوافة لجارتنا

وتسقيه لى كدواء للسعال

السعال الطويل الذى لازم شتاءات طفولتى

أحاول الأن أن أستدعى تلك الرائحة الخشنة

فتتدحرج من فوق سطح ذاكرتى الأملس

كقطرة ندى.

 

لايعلق بذاكرتى الآن

سوى الأشياء التى أحببتها

ولم يتبق الكثير

لأبنى عداوات جديدة

عداوات تحتاج لأعمار أخرى

لاأملك إلا أن أتخيلها.

 

ولكن أرض ذاكرتى نبتت بها ثلاث أشجار ليمون

لو كان هناك كتاب سأكتبه عن حياتى

سأسميه ” رائحة الليمون

رائحة حمضية ونفاذة  تبعث تلك الرغبات

التى عبقت طفولتى

طفولتى لها نفس المذاق الحمضى لليمون

ومصبوغة بلون أصفر

كغيرتى من أقرانى الذين يلعبون

بينما أنا غارق فى  سعال طويل.

 

أنا غير نادم على اللون الأصفر والمذاق الحمضى

اللذين  رفعا رايتهما على طفولتى

فهنا وأنا أعيش فى لوس أنجليس

فاجأتنى شجرة ليمون فى حديقة البيت برائحتها النفاذة

فانفتح جسر بينى وبين أرض طفولتى.

 

كل طفولة لها شجرة

تنتظر منا أن نكبر

حتى تفاجئنا بالثمار

التى ادخرتها لنا.

 

حبات الليمون هنا أكبر بكثير

من مثيلتها التى  كنا نقطفها هناك

وليس لها نفس المذاق الحمضى اللاذع

ورائحتها  مغطاة بغشاء رقيق من العطن

حتى أنى أول مرة أخرج للحديقة

اعتقدت بأن هناك عصفورا ميتا

ربما هى رحلة الذكريات المؤلمة التى تحللت.

 

ربطت تلك الرائحة بين زمنين

كنت بحاجة اليهما معا

فى هذا البلد

وأنا غريب أبحث عن ظل شجرة

أو رائحة

لأعبر خلالها إلى

بيتى الذى فقدته هناك.

لم يعد لى بيت هناك.

 

أريد أن أهدم الجدار الأخير الذى أستند عليه

أريد من أحدهم أن يسحب الكرسى

فى اللحظة التى أهم فيها بالجلوس

وأظل معلقا

بينما الأرض، من تحتى،

تبتعد لتحفظ كرامتى من السقوط.

 

جنسيات عديدة

 

كعربة أطفال قديمة

محاطة بالأجراس،

تأخذنا الحافلة بهدوء إلى النوم.

ترتج

فتختلط الأحلام واللغات

كزجاجة مياه غازية

نرجها بقوة

لنسبح جميعا تحت نافورة الطفولة

نمسح بمرح رذاذ اللغات العالق بوجوهنا

أصحو

أراقب الشجر المتسارع فى عينى

لا أعرف بأى اللغات أتكلم

أو اتهجى اسمى.

 

جارتى ذات الوجه الصينى

كانت تبتسم

وهى تناولنى منديلا ورقيا.

 

باب خلفى

 

دائما هناك باب غير رسمى

لاقتناص المتعة

لمقابلة الذات بدون حراسة

أو تقاليد الطبقة المتوسطة

التى لاتمنحها الحياة سوى باب وحيد

للهرب

وللهرب فقط

حيث الرغبات مسحوبة من رصيد البيت من الحب.

 

لم يكن لبيوتنا إلا باب واحد خلفى

ندخل ونخرج منه كل يوم عشرات المرات

حاملين فيها أحلامنا كرايات منكسة.

 

أى بيت حقيقى

له طريقان لممارسة الحياة

عليه أن يقطعهما

ليمنح ساكنيه حكمة الأبواب المتعددة

بهدوء

وبدون ادعاء أو مبالغة .

 

فى بيتى الجديد

وعبر هذا الباب الخلفى

اختصر الطريق للحديقة

أجلس وأقرأ وأدخن على دكة خشبية مر عليها الكثير من الشتاءات

بينما هناك مسافر فاته القطار

هذا الممر الذى يقع فى نهايته هذا الباب

أصبح مزارا لطيور من القهوة العربية أطلقتها فى سماء البيت

كنت أقطعه كل يوم

منتظرا لقاء دافئا

مع نفسى.

 

شتاءان

 

مر على الشتاء هنا

قبل أن يمر على مصر

عندما أعود

سأقابل شتاء عرفت بعض خباياه

سأكررمرتين فى عام واحد

ارتداء الملابس الصوفية

التى تكشف مشاعرنا

أكثر من الملابس الخفيفة

البلاد الباردة كذلك

كل يوم

أتشبث بخيط رفيع من الدموع

أخشى أن يفلت منى.

 

السحلية السوداء

 

الأشياء هنا لاتتكرر بسهولة

على مدار يومين

كل من قابلتهم كان لمرة واحدة:

سائق المترو، صاحبة البيت،

مندوبة مكتب تأجير السيارات،

إلا تلك السحلية السوداء.

 

فى حديقة البيت

أنزوى بركن بعيد كى أدخن

فحرائق كاليفورنيا تنتظر أى شرارة  قادمة من الشرق

أقف فى تلك المنطقة المهجورة من الحديقة

أرى تلك السحلية تنسحب بهدوء لتترك لى مكانها المفضل

فى المرة الثانية رأيتها تطل من إناء خزفى

كنت أخزن به رماد سجائرى

يبدو أننى قد استعرت بيتها

فى صباح يوم آخر وجدت نسيج عنكبوت يغطى سطح الإناء

وذرات من الرماد عالقة به

أصبح لى صديق مقدس فى هذا البيت

بينما أنا مطارد فى هجرة داخلية

ربما فى المرة القادمة

سأوطد علاقتى بهذه السحلية

ونجلس لندخن سوية داخل هذا الكهف الآمن.

 

وفى نهاية فترة إقامتى

سأغادر وأنا ممتن بأن هناك من تعلم منى شيئا.

 

نصب تذكارى

 

فى شارع هوليوود

مئات السائحين يأخذون صورا

مع التمثال الشمعى لمارلين مونرو

يميلون برؤوسهم من كتفيها العاريين

ثم يمضون لنجم آخر

مئات العدسات مفتوحة على هذا الرصيف المزدحم بالنجوم

حتما سأكون موجودا فى عشرات الصور

عندما يعودون لبلادهم

ويستعيدون ذكريات الرحلة

ربما لن يلفت وجهى نظرهم وسط عشرات الوجوه الأخرى

ولكن أمام كل عدسة مفتوحة

كنت أفكر بأن صورتى

سترحل إلى أماكن أخرى عديدة

بلا اسم أو صفات أو حتى إشارة بسيطة للبلد التى جئت منها

كنصب تذكارى لجندى مجهول.

 

السلم الخشبى

 

بين الطابق السفلى، حيث أعمل،

والطابق العلوى، حيث أنام،

على السلم الخشبى،

أقطع شعاع الضوء عشرات المرات.

شمس اصطناعية تربط بين النوم والعمل.

 

هناك شعاع آخر ليس له مصدر

يربط بين النوم والأحلام.

 

لا أملك هنا فى لوس أنجليس سوى الأحلام.

استدعى أصدقائى واحدا واحدا

كمسجونين سياسيين

أسلط كشاف حدسى من بعيد على وجوههم العابرة

لعل اعترافا بالحب، أو المرض، أو الموت

يتفصد عن هذا العرق النازف من جباههم.

 

على هذا السلم

الذى يتمدد فى الحلم ليصل بين الأرض والسماء،

كسلم حريق؛

فقدت كشاف حياتى.

كنت أتلعثم

كطفل لايعرف من الأبجدية سوى حروف قليلة.

أثناء هبوطى عليه

كنت أسمع صوت أقدام تنسخ أقدامى

هناك من يتتبع خطواتى

ليكشف هذا الخوف المدفون فى ذاكرتى

ولكنى لاأراه.

……………….

قصائد أخرى من الديوان

منتجع مرهف للموت

         

فى بداية علاقتنا

كنا نختلس بعض الأحضان والقبلات الحارة

أثناء زيارتنا الأسبوعية للمقابر الرومانية.

 

فى طريقنا، نطوى بأطراف أعيننا

بعض المشاهد الحزينة لسكان الحى.

بيوت الصفيح، الأطفال العراة،

والدجاج الذى ينبش بلا طائل فى التراب.

 

كنت أحضنها حضنا فى صلابة هذا الموت الرومانى،

كأننا نحضن بعضنا، فرحين،

بعد البعث فى الآخرة.

 

واحدا، واحدا،

نقيس أجسامنا بحجم تابوت فارغ.

نطوى الحواف حتى نتطابق مع مقاس قديم للموت.

يلتحم جسمانا

كمقبرة مكشوفة للسماء.

 

كنا بعيدين عن سطح الأرض،

مائة درجة من الرخام المصقول.

نستريح على نفس المصاطب الحجرية

التى كان يجلس عليها أهل الميت، فى الأعياد،

يأكلون البصل،

وينتظرون لقاءه.

 

كانت المقبرة عبارة عن منتجع مرهف للموت.

تجاويف مربعة فى الحائط

كمربع الكلمات المتقاطعة فى جريدة يومية

كل مربع يسكنه الظلام

بعد أن غادرته التوابيت

فى دورة جديدة للبعث.

 

كوسادة مريحة، كانت المقبرة،

للقاء الحب والموت

فى حلم واحد.

 

أتذكر غرفة الدفن البعيدة

المهملة عن زيارات السائحين

والتى خصصناها لاختلاس تلك اللحظات من المتعة الدنيوية

أتذكر كرة من الأسمنت،

استقرت فوق سطح من المياه الجوفية

وانعكست داخله

كقمر على مستنقع،

كقمر يحرس ليلا أبديا

ومن حولنا دوائر من البيوت

يظللها قمر شعبى

لايحرس شيئا

سوى أحبال الغسيل.

 

علبة الأزرار الصدف

 

العلبة الصدف،

التى كانت تحوى العشرات من الأزرار الملونة،

الآثار الحية  لملابس تفرقت فى دورة أخرى للاستهلاك.

حياتى أصبحت مثل  أزرار هذه العلبة

يمكن أن يعاد استعمالها

أو تترك هكذا كخزانة لمجد العائلة

أو تنسى

كمومياء غير ملكية.

 

كلما فقدت زرارا من ملابسى

كانت أمى تبحث فى تلك العلبة

لايخيب الرجاء

تملأ هذا السطر الفارغ

وتترك خيطا معلقا فى فمها

هذا الطرف البعيد،

الطرف الغالى الذى تسلقت عليه الطفولة.

 

لم يعد هناك طرف للخيط

يمكن أن أستدل به على بداية حياتى

كجريمة كاملة مات شاهدها الوحيد

لم يعد لطفولتى جدار

يمكننى أن أضع خدى عليه وأنام.

 

مظلة

 

من اختار هذا النوع من القماش

ليكون رداء للموتى،

وهم فى طريقهم لاعتلاء منصة الآخرة؛

ربما ربط بحدس فنى

بين هذه النقوش المتناهية فى الصغر وبين عالم البعث

بين لون الكفن الرمادى الداكن وصمت فناءات القبور

مازلت أشعر بجزع عميق عند رؤيتها

فى أى محل لبيع الأكفان

أو فى عربات تكريم الإنسان

نقوش صغيرة لها شكل الطيور

يوما ما ستغادر أكفان الموتى

لتحلق بعيدا

كمظلة من ملايين الأسراب المجنحة.

حكايات مشمسة

 

عندما كانت تجمعنا مائدة واحدة

أشعر بأن الأشياء تلمع من حولى

كأنى أراها للمرة الأولى وهى مغسولة بالبهجة

كانت وحدتى تحجب عنى الأضواء الصادرة من الملاعق والسكاكين

والماكينة المعدنية لصنع القهوة

كان قمر اكتئابى عالقا فى المنتصف

كساعة عاطلة على جدار

أشرب القهوة فى ضوء رمادى

يأتى من سماء المدينة الواطئة

لقد تسلل بحكاياته المشمسة إلى مكان الرجاء

وبعد أن ترك البيت

كنت أتسلل إلى غرفته

ألمح شبح حذائه المقلوب فى الممر الضيق

الذى كان يملؤه بصفيرمرتجل

كى أخلى له الطريق

لنتحاشى صداما موقوتا بين جسدينا

غرفته التى لن يعود إليها

حتى تأتى شمس أخرى من مكان بعيد.

 

لقاء مؤجل

 

انتظاركِ سيطول

الموت كان أسبق من العربة.

 

كان على موعد

أخذ يقلب فى الساعة

ويستقبل هواء قادما من وراء الأشجار.

 

كنتِ حاضرة

ولكن بصورة أخرى.

 

المنظر ساكن

ولكن داخلى يتحرك.

 

رافع أثقال حياته

 

كلما أخفق فى أمر من أمور الحياة

أضاف ثقلا جديدا على تلك الرافعة

شديدة الشبه بميزان حساس لحياته

ليجسد هذا الإخفاق فى صورة ملموسة

يريد أن يرى هذا الإخفاق حيا

يروح معه ويجىء

كى يأنس له

كى يأنس لشبح حياته الأثير

كى يروضه

كى يرفعه عاليا

وهو راكع يئن

تحت ثقل لحظة الانتصار.

 

حزن الحدائق العامة

 

الحدائق العامة فى برلين مصيدة للوحدة

يمر جامعو الزجاجات الفارغة

يلتقطونها بأصابع سارق خجول

من جوف الصناديق المعدنية

العشرات من كبار السن يسيرون على النهج الدائرى للحديقة،

يرسمون خطوط التماس مع أعداء يوميين

كل منهم يحدق فى صندوق مظلم

وآخرون أصغر سنا يسلون وحدتهم بجرعات متتالية من زجاجة بيرة

كادت أن تختنق فى أيديهم

من قوة إحكام القبض على عنقها،

كزوجة خائنة،

كقشة خلاص.

ثلاث سيدات محجبات اتخذن ركنا قصيا

يجلسن صفا واحدا

كأنهن فى عزاء

أو جمعتهن صدفة مقعد مشترك فى مترو ليلى

لايتبادلن إلا كلمات قليلة من القاموس العاطل

يعبر المترو حاجز الصمت لفضاء مرتبك

أسراب من الحمام تحط على عقارب ساعة الكنيسة

الحمام يسرع هذا الزمن الرملى

الذى يتسرب من بين أيدينا

كعملات صغيرة تتدحرج فى صحراء.

 

المطر سهل فى برلين

ربما أسهل من حزن الحدائق العامة.

 

 

كتاب نادر

 

فى اللحظة التى  يقترب فيها من أشخاص تشبهه

داخل رواية أو قصيدة شعر؛

يشعر بلمسة على كتفه لايرى مصدرها،

بهواء قادم من فناء خلفى.

عندها تنتابه قشعريرة الفقد

يسقط بكل حواسه المنسية  فى حديقة الغناء

يشرئب برأسه فوق موج الغرفة

وينظر لبعيد

ليتخطى هذا اللقاء سريعا

كمن يتخطى بيته عامدا أثناء العودة

بينما الكتاب يسيل على ركبته

لم يكن يصدق بأن هناك من يرى

هذا السر الذى يضىء له حياته.

 

ينظر لمكتبته كمن ينظر لحجاب قديم

يحوى سرا يجب ألا يُكشف،

لبيت مهجور سيجته الأشجار المتحركة،

كما فى حكاية خرافية،

أو فى حرب طال فيها زمن الحصار.

 

خريطة للعالم

 

أثناء بنائه لحياته

نسى وبنى متاهة.

 

يقف أمام الخرائط ولهانا،

أمام تلك الباقة اليانعة من المسارات المتشابكة.

يريد أن يرى جسده وأفكاره

كبلد مستقل،

له حدود يتوقف عندها الألم،

أن يضع سبابته عند نقطة مضيئة

على خريطة حياته ويقول:

هنا نهاية رحلتى“.

 

بدون أن يركب طائرة،

أو يقتفى أثرا ضائعا فى الصحراء،

صادفته فى رحلته حدود شائكة،

ونبتت على جسده قطعان من الصبارات.

 

مسارات تتوالد من الفكر الشقى

وتتمدد فى صحراء أخوية

تتنقل معه من البيت، للشارع، للمقهى

لحانوت الصور والخرائط القديمة،

حيث يقضى جل ليله يلمس بأنامل صراف

هذا الضوء الخافت المنبعث من تلك الوجوه الناحلة

والمسارات المتعرجة.

 

من البيت، للشارع،

لحانوت الصور والخرائط القديمة،

لكرسى المقهى فى الزاوية المعتمة؛

المسار الحزين لسنوات تطايرت بدون جلبة

ككومة من هشيم.

 

أصبح جسده باقة من المسارات الحزينة

التى تسكن عينيه

فتختلط عليه الشوارع

عندها يصبح البيت بلدا بعيدا

يصعب الوصول إليه.

 

استبدل بخريطة العالم الحب والعائلة،

العالم الذى لم يره إلا على شاشات التليفزيون.

 

نسيان أبيض

 

عمرى يتقدم

ووراءه مياه مكشوفة

الماضى ضفة،

يلوح أهلها.

نلف وجوههنا ناحية أخرى،

باتجاه نسيان أبيض.

حجيج تائه فى البحر

المياه أراض مقدسة،

الألم أيضا

أخاف على حبك

اختصرنا الكثير من المشاعر تحت عنوان الألم

الرحلة مازالت طويلة

والنسيان أطول من قامتك النبيلة

 

ضد الاعتراف

 

بلاغتكِ فى الضحك

فى جرجرة قلبى حافيا

فى استدراجى فى الحديث بصمتك المغوى

حتى يخرج سرى من بين ضلوعى

كلؤلؤة مكسورة

تجرح من يدوس عليها.تحت 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

– دار شرقيات – 2012

 

عودة إلى الملف

 

مقالات من نفس القسم