حلم يماثل الحقيقة

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 82
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

 لم أكن أعرفه من قبل, فاجأنى فى ليلة فى صيف 2014 بدعوة لحضور جلسة وعد بأن تكون ممتعة, حينها كانت الانتخابات الرئاسية على الأبواب, الرئيس القادم فى ضيافة إبراهيم عيسى ولميس الحديدى متحدثا عن مشروع للشباب قوامه عربات ربع نقل لبيع الفاكهة, والمرشح المنافس يسرق لحظات على القنوات الفضائية ليعيد ما قاله منذ عامين فى الانتخابات السابقة.. كان الأمر مملا, محبطا أيضا بعد أربعة أعوام من يناير, ولذا أمتثلت لدعوته رغم عدم معرفتى به من قبل, تبعته إلى مكان الجلسة, أبلغنى فى الطريق أن الأمر بدأ بانقطاع الإنترنت عن عمارته مما دفع السكان لتزجية أوقاتهم بالاجتماع يوميا لحكى الحكايات, لا أخفيك سرا أننى لم أتوقع الكثير, لم أحب تسميته للجلسة المزمع عقدها ب(أساطير الأولين), الاسم الذى صوّر لى القصص بطبيعة غير ما سألقاه, إلا أننى تبعته, عرّفنى على الحضور بهمسات من فمه, وأخذ كل منهم يسرد حكايته, أخذتنى الحكايات إلى عالمها, لم أستطع التفرقة بين الحقيقى والخيالى, 

اختلط علىّ الأمر, استمتعت بحكايات الولد الذى انتظم فى الصف, وحكاية روب الخال, والرجل الذى كلما وجد فى جيوبه قطعة حلوى أكلها, كما تعاطفت مع البنت الزلزال, وأحببت الولد الذى يقولhappy valentine لأناس معينة, أما حكاية البنت التى تطل من شباكها المعتم فهى تشبه حكاية طالما رددتها ولكن فى عقلى فقط دون أن أرويها لأحد, وبدت لى حكاية رجل الحكايات هى حكاية هانى نفسه, ذلك الرجل الذى “عندما يعود لمنزله ليلا يأنس بالحكايات, تعطى لمسكنه الروح, تمنحه الدفء عندما يستخرجها كل ليلة قبل النوم… جمع كل حكاياته, فرزها لنوعين, الحكايات المبهجة الفرحة نسج بها سجادة الحكايات السعيدة, أما الحكايات البائسة التعسة, نسج بها سجادة الحكايات الحزينة.”

 غضب منى الرجل الذى قص حكاية الحجر الذى تحول لجسد حى عندما همست لهانى أننى لم أحب قصته, ظننت أنه يدعيها, إلا أننى صرفت بصرى بعيدا عنه, وتابعت باقى الحكائين, جميعهم مهرة, تجمع بينهم سمة أساسية, التكثيف الشديد, لا يوجد بينهم رجل ثرثار ولا يستخدم أى منهم الإطناب أو التطويل, كل كلمة تأتى فى موضعها, دون زيادة أو نقصان, ودون ادعاء أيضا, حتى إن ضلت إحدى الكلمات طريقها بين الحين والآخر, فأنك لا تكاد تلاحظها أثناء تدفق الحكايات المركزة الشيقة, لم يشبه أى منهم ذلك الرجل الذى ظل يضحك و” تصارعت فى رأسه حكايات كثيرة, اندفعت جميعها مرة واحدة, تزاحمت حتى أنه لم يستطع الإمساك ولو بحكاية واحدة”, على العكس, فقد حكوا جميعا مثل رجل الحكايات, وباتت كل قصصهم شبيهة بحكاية الحلم الذى كالحقيقة. وهنا ملت على هانى وقلت له أن أفضل القصص فى نظرى هى تلك التى تكون حلما يماثل الحقيقة, سألته كيف يبدو خيالهم واقعيا إلى ذلك الحد؟؟ كيف يحكون بتلك البساطة والصدق؟؟ فابتسم وقال لى ” لم يعد الواحد منهم يعرف حياته الحقيقية وسط عشرات الحكايات التى تتلبسه يوميا.”

فى نهاية الليلة, حكوا لى كيف مات رجل الحكايات وانتشرت قصصه, تناثرت وطارت فى فضاء العالم, إلا أننى لم أصدقهم, بالتأكيد أنها حكاية أخرى أختلقها هو نفسه ولكنها, لفرط اتقانها, انطلت عليهم. هممت لأرحل, عند قيامى لم أجد هانى بجوارى, لم يودعنى قبيل انصرافه, اختفى وفقط, تركنى بين صحبته, فجلست مرة أخرى وطلبت منهم أن يعيدوا القصص على مسامعى من جديد, لم أتحقق من ملامح هانى, ولم أتبين شكله, عدت إلى المنزل ووجدت المرشح الذى سيصبح رئيسا بعد أيام لايزال يتحدث عن مشاريعه الرئاسية, فى تلك المرة تحدث عن اللمبات الموفرة, أغلقت التليفزيون ونمت.

   بعد شهور وأثناء حضور حفلة توقيع أو ما شابه, أشار لى أحد الأصدقاء قائلا “هو ده هانى” ثم استطرد قائلا “أساطير الأوليين”, ومد يده لى برواية هانى الأحدث, قلّبتُ فى صفحاتها, توقفتُ عند صفحة عشوائية وقرأت, (إن قصصى هى عالمى الخاص, عالمى السرى, الذى لا يعرف أحد عنه شيئا سوى أنا والشخصيات التى أستنطقها على الورق, وتعيش فى خيالى لأيام تراوغنى وأغويها… قصصى هى العالم الذى أشيده برغبتى, العالم الذى يطاوعنى وأكون فيه أن السيد الأوحد, الذى يأمر فيطاع), عندما نظرت إلى هانى مرة أخرى تصورت أنى أراه للمرة الأولى, ربما لم يكن معنا فى تلك الجلسة القديمة فى 2014, ربما كانت خيالا, قلت لصديقى “لست محتاجا أن أتعرف عليه الآن, أريد أن أكتشفه أكثر من خلال حكاياته وحكايات أصدقائه, فلنؤجل التعارف قليلا حتى أسمع منه المزيد”, وانتظرت أن يدعونى إلى جلسة أخرى للحكايات التى تشبه الأحلام وتماثل الحقيقة.

 

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم