أيمن الأسمر
بعد شهور قليلة من “حكايتي مع القطة المشمشية”* ظهرت في حياتنا قطة مشمشية أخرى لكنها تختلف كثيرا عن سابقتها، فهي لم تكن من تلك القطط التي تعيش في شوارع المدينة وأزقتها، تولد وتتكاثر وتموت فيها، تبحث عن طعامها بين مخلفات البشر، بل هي قطة أليفة غالية الثمن من النوع الذي يربى في البيوت منذ الصغر، يميزها شعر كثيف ناعم وعيون واسعة جميلة، شديدة الوداعة لا تتصرف بعدوانية كما تفعل أحيانا قطط الشوارع، دخلت حياتنا مصادفة عندما رآها ابني محمد في الشارع الذي يطل عليه منزلنا، أدرك من مظهرها وسلوكها أنها مختلفة تماما عن غيرها من القطط، فاستنتج أنها فقدت أصحابها أو فقدوها هم، تبعته حتى صعدت معه حتى باب شقتنا ليلا، وشاء لها ولنا القدر أن تصبح ضيفة عندنا، اشترى لها محمد بعضا من الطعام لتأكله، وقضت ليلتها على السلم في مواجهة باب الشقة، كانت وديعة ومسالمة لدرجة لا تصدق، ففي الصباح حملتها زوجتي دون أي ممانعة منها لإعطائها حماما نظرا لاتساخها بسبب الفترة التي قضتها في الشارع، ووضعت لها طبقا متسعا به كمية من الرمل لتقضي فيه حاجتها، ظلت بعدها ملازمة لباب الشقة نخرج إليها من حين لآخر للاطمئنان عليها أو تقديم الطعام لها، وكانت تسمح لنا بمداعبتها وحملها كما نشاء دون أي اعتراض من جانبها، ولأن القطة لها أصحاب ولعلهم يبحثون عنها، فقد قام ابني محمد بعمل إعلان على الإنترنت عن وجودها عندنا وترك رقم الهاتف الخاص به لمن يرغب في الاتصال للتعرف عليها، حاولنا أيضا عن طريق ابن الجيران السؤال في المنطقة التي نعيش فيها عمن فقد قطة بهذه المواصفات لكننا لم نصل لشيء، ورغم جمالها ووداعتها فقد لاحظنا أنها مصابة باضطراب في أمعائها يجعلها تخرج فضلاتها بصورة لا تتحكم فيها مما أثار استياء جيراننا في نفس المنزل، قد يكون ذلك بسبب نوعية الطعام الذي نقدمه لها أو لسبب آخر لا نعرفه، وقد يكون لعدم اعتيادها البقاء على السلم، فقطة من هذا النوع اعتادت أن تتواجد داخل البيت لا خارجه، تحظى برعاية واهتمام متصل من أصحابها وتعامل كفرد من أفراد الأسرة، بعد أيام قليلة من دخولها حياتنا عدت من العمل فلم أجدها، أصابتني خيبة أمل شديدة لفقدها، وأردت أن أعرف كيف أمكنها الخروج وباب المنزل مغلق من أسفل، بعد البحث عرفت أن جارنا قد أغراها بطبق من الطعام للخروج من المنزل ثم تركها والطبق في منطقة بعيدة، وأن قطط الشارع قد اجتمعت عليها وسلبتها الطعام ولم تتمكن من الحصول ولو على نصيب ضئيل منه، ورغم تفهمي للسبب الذي دفع جارنا إلى ما فعله إلا أنني أشفقت كثيرا على القطة المشمشية الوديعة ذات الشعر الناعم الكثيف والعيون الواسعة الجميلة، وتخيلت المصير المجهول الذي ينتظرها في شوارع المدينة، وهو مصير سيكون في الغالب سيئا، فتعاني كثيرا وتتعذب كثيرا، ولن تستطيع التكيف على تلك الحياة وقد تنتهي حياتها بكارثة حقيقية، ورغم هواجسي وقلقي عليها إلا أنني ظللت لعدة أيام أنتظر حدوث المفاجأة، أن أعود ذات يوم من العمل فأجدها جالسة في انتظاري أمام باب الشقة.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
* “حكايتي مع القطة المشمشية” – سبتمبر 2017 – مجلة قطر الندى – العدد (590) 15 ديسمبر 2017
أغسطس 2018