حكاية بنط

موقع الكتابة الثقافي art 55
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

شيماء ياسر

مشهد ١. خارجي نهار
ش الجلاء. القاهرة
“بصي أنا مش ماشية ع الأرض. أنا طايرة. حرفيا أنا طايرة. انتي عارفه يعني ايه واحد زيه يعجبه كتابتي ويوافق اشتغل معاه”
” طيب يالا يا ستي اتبسطي. اركبي بقى وارجعي. وخلي بالك من الطريق. صحصحي كده”
“حاضر سلام يالا”

مشهد ٢. داخلي نهار
مكتب الأستاذ في الدار الصحفية. جدار نافذة عريض مغطى بستائر خفيفة. في المقابل جدار عريض زجاج يطل على داخل الجريدة. جدار مكتبة عريضة، يقابله حائط البطولات.
“أهلا يا استاذة اتفضلي. معلش غيرت المعاد للنهارده قلت نقعد براحتنا. أجازة ثورة يوليو والجرنال هادي”
” تمام يا أستاذ مافيش مشكلة”
“إيه الأخبار خلصتي الشغل اللي معاكي”
“آه الكتاب ده خلصته وده الرفيو عنه مع ملخص”
“تمام تمام. طب ياللا المكتبة اهي شوفي هتاخدي إيه كمان وانا محضرلك حاجة بردو”
خطوات في اتجاه المكتبة. تتوه العين بين عناوين في كل المجالات وبكل الأحجام. “البنط” حجم العنوان في اللغة الصحفية. كلما تضخم كلما دل على أهمية الموضوع. البنط الصغير منزو دائما على الهامش. غير جذاب بما يكفي للفت النظر والاهتمام. في المطبعة يمكنك تخيل السجال بينهما، سخرية البنط الكبير من الصغير. “ربنا ينفخ في صورتك هههههه” تتساقط الحروف من الضحك ويزيد بؤس الصغير.
“الكتاب ده ممكن آخده وده كمان”
“وريني كده. تمام اختيار موفق”
في منتصف الغرفة، أثناء المرور للعودة الى كرسي المكتب، تبتلعك عباءة الساحر. وجهه مواجها لوجهك في لحظة. تتوه في ندوب الوجه غير الظاهرة أمام الكاميرا البعيدة. تنمحي في لحظة الندوب من ناظريك لتجد ملمسها على وجهك. يسكت الكلام لأن وسيلته غير متفرغة الآن. مشغولة بإطلاق قبلات سريعة تغمر بها صفحة الوجه وتتجه في إصرار لمثيلتها. للمرة الأولى تكتشف أن للعباءة أسوار. ساعدان قويان يمنعناك من الهروب أو التفلت من هوة العباءة التي ابتلعت جسدك الصغير. تقاوم بكل قوتك الهشّة ويساعدك كف اليد في كل ذراع بالدفع على اقتناص مساحة للحركة. تنجح أخيرا كبنط صغير شاب أمام البنط الكبير الهشّ الذي يلتقط أنفاسه أخيرا بعيدا عن وجهك. في التفاتة المغادرة، تقع عيناك على وجه قائم خلف الحاجز الزجاجي يراقب في صمت. تخرج متعجلا. تهبط للأسفل في صمت. تبتلعك صالة الاستقبال في واحدة من أعرق الصحف. تخرج ليلفحك صهد يوليو، شهر انتهاء المَلَكية وشيوع المِلْكية، الكل للكل-أحيانا-. الشمس تذيب لوح الثلج لكنك على الرغم لا تذوب الآن، على العكس تزيد برودة الثلج. ترتعش، فتهرب للشمس، تبغي الدفء.

مشهد ٣. داخلي
غرفة في منزل
“حضرتك عملت كده ليه ده انت أد جدي “
“أنا آسف معرفش عملت كده ازاي، أنا آسف فعلا اعتبري مافيش حاجة حصلت وخلصي الشغل اللي معاكي وتعالي”
“……”
“تمام؟ خلصي وكلميني نتفق على معاد. يالا سلام. مستنيكي”
جرس الموبايل واسم على الشاشة، إسلام.
“ايوه يا بنتي عاملة ايه دلوقتي “
“اتصلت بيه. عايزني أخلص اللي معايا وأروحله. بيتأسف ع اللي حصل”
“أنا رأيي روحي ولو حصل حاجه تانيه ساعتها نتكلم”
“……. “
“ايه معايا ولا ايه”
“تيجي معايا”
“آجي معاكي. خلصي انتي بس”

.بعد أسبوع.
“أنا خلصت الشغل اللي معايا. آجي امتى’
“تمام كويس جدا جدعة والله. طب يناسبك بعد بكره”
“اوك. بس ممكن حد من اصحابي ييجي معايا”
“…..”
“لا لا طب خلاص سبيهولي تحت ف الريسبشن وانا هبعت اخده”
“….”
“تمام. هستأذنك تسيبلي شغلي اللي عندك بردو ف الريسبشن”
“آه تمام تمام. يالا سلام. بالتوفيق “

مشهد ٤. داخلي نهار
صالة استقبال الجريدة
خطوات محمومة تتجه لموظف الاستقبال
“ده شغل للآستاذ. هو سايبلي شغل عندك”
“اه ثواني. اتفضلي”
ظرف كبير ابيض مغلق بعناية. جملة من اربع كلمات تتوسط صفحته البيضاء، منها اسمي ذو المقطعين يسبقهما وصف. “الآنسة المحترمة”. اخرج.

مشهد آخير. داخلي نهار
غرفتي
على غير العادة، سحبت الجرنال من سطح الطاولة أثناء عودتي من المطبخ. أحمل كوب الشاي الخفيف بيدي الأخرى. أحمل أيضا إحساسا اجهله يساورني من الأمس. على غير العادة، أفترش الأرض. أفتح صفحات الجرنال بتأن. أصل للمنتصف. صفحتان عن يمين وشمال، بنط كبير يحمل اسمين. أحدهما للأستاذ والآخر لأستاذ آخر يكبره في السن بقليل وفي الترتيب الوظيفي. يفضح الأستاذ الكبير الأستاذ الأصغر بخطابات بخط يده، يدلل بها كذبه بإنكاره لقول شيئا ما.
صفحتان عن يمين وشمال ازدانتا بالبنط الكبير بفضيحة صحفية من العيار الثقيل بين اثنين من اصحاب البنط الكبير.

مقالات من نفس القسم