حسين عبد العليم يرحل تاركا رائحة نعناعه

سعيد نوح
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

سعيد نوح

في بداية الألفية الجديدة قرأت روايته الأولى “رائحة النعناع” ولم أكن قد تعرفت عليه بعد، وبالرغم من ذلك رحت أبشر بكتابته المبهرة حتى قابلته  في نهاية ذلك العام، وتعرفت علي ذلك الإنسان الشفاف صاحب الابتسامة الدائمة والخلق الدمث وهدوء الصوت بالرغم من كونه محاميا. تعددت مرات اللقاء بيننا علي مدار ما يقرب من عقدين.  كنا نتفق في الإبداع والمحبة والإخلاص للكتابة.  وعمل بعد عمل أثبت حسين موهبته الفذة والمختلفة. تمايز عن أبناء جيله  بلغته التي تتسم  بتراكيب لغوية فريدة تقارب لغة الحياة اليومية. وأستطيع ان أقول بصدق أنه ضمن قلة من أبناء جيلي  الذي كنت أتابع أعماله الروائية بشغف ومحبة.

 وأستطيع أن أقول الآن بعد رحيله  أنه خلال  أعماله لم يتخلَ عن مشروعه فى رواية  التاريخ أو تأريخ الرواية، فكانت رواياته “بازل” التي رصدت الفترة الناصرية، و”سعدية وعبد الحكم” التى عبرت عن عصر ما قبل الثورة، و”فصول من سيرة التراب والنمل” و”المواطن ويصا عبد النور” التي تحدثت عن أقباط من لحم ودم.

 لقد استطاع على مدار عمره الأدبي القصير أن يفرض نفسه على ساحة السرد الحقيقية بالرغم من أنه يسكن خارج العاصمة.

أتذكر كلامه معي حول روايته الفارقة سيرة التراب والنمل. كان يعلم تجربتي في رواية أحزان الشماس التي كتبتها في منتصف التسعينيات  والتي لم تكن طبعت حتى تاريخه ،وقلت له إن الأعمال التي تكتب عن الأقباط تنتظر كثيرا من الوقت كما حدث معي ،قال لي يومها ، إن لي أختا مسيحية في مثل سني وكانت الأسرتان متجاورتين ولأسباب صحية قامت أمها بإرضاع الطفلين معا لبضعة أشهر وكان أبى يحضر لها فانوسا في رمضان كما كانت أمها تصوم بعض أيام رمضان مشاركة لأمي .

ثم أضاف أنا لم أنو أن أكتب رواية عن الأقباط، لكن ما حدث أن  شخصيات العمل هي ما بدأت فى الكتابة كل كاتب لديه هم أساسى يعبر عنه فى أعماله مهما اختلفت الطريقة أو الرؤية، وهمى هو التعبير عن التغيرات التى تعترى وجه هذا الوطن، ومن أهم هذه التغيرات السعار الدينى الذى يؤثر على المسلم، فما بالك بالآخر القبطى؟!.

 ترصد رواية فصول من سيرة التراب والنمل ملامح انهيار الطبقة الوسطى قبل أن يكتمل نموها الطبيعي في مصر حيث تكاد تختلف عن تراث الرواية المصرية في تعاملها مع الشخصية المسيحية التي كانت مهمشة أو نمطية أو ملساء خالية من العيوب والنتوءات البشرية. لقد ظهر العمل وكأنها تتماس مع انهيار المشروع الناصري ومشروع النهضة الذي بدأ مع ثورة 1919، موضحا أن هجرة الابن المثقف السوي إلى لندن لا علاقة لها بالدين ويمكن تفسيرها في ضوء الهجرة الجماعية في السبعينيات وما بعدها إلى الدول العربية .

 تبدأ الرواية عام 1998 بوفاة بطلها عزيز بُشْرَى طبيب النساء والولادة ثم يأخذ السرد حركة دائرية من البداية عام 1940 حيث نطالع الطبيب الأقرب إلى القديسين كجزء فاعل وحيوي في النسيج الاجتماعي، فعلى يديه يولد الأطفال المسلمون ثم يكبرون أمامه ويشارك في أفراحهم وعلى يديه أيضا تلد زوجاتهم الصغيرات.

وفي روايته  التالية سعدية وعبد الحكم ، أدخلنا حسين  فورا إلى عمله  ومنذ البداية  طرح  اللحظة التاريخية التى  سوف تكون مفتاح الرواية وهي تلك اللحظة التي دمرت فيها الخمارات وبيوت الدعارة،ليعود بنا إلى اللحظة الأولى التي ظهرت فيها  قوانين من عصر محمد علي وعن تلك الفترة التى كان البغاء فيها محرماً، ثم أورد وقائع وأحداثاً  لقانون البغاء ، ومن خلال شخصية سعدية التي اتخذت الجنس مدخلاً للتعرف على عالم البغاء والداعرات التى سعت إلى الانضمام إليه، وحتى بعد أن انغمست فيه وجربته رفضت العودة إلى سيرتها الأولى بدعوى التجريب أيضا، رغم أنها جربته فعلا، وقابلت أشخاصاً من رواد هذا العالم، وتعاملت مع غانيات وقوادين، ورغم كل هذا كانت مصرة على الاستمرار لأن المرض النفسى كان محركها وهاجسها الذي لا تشعر به.

وهناك أيضا شخصية مريضة هي “سيادة” تلك الشخصية التراجيدية التي  تتطور بتطور المأساة، ولكنها تمتلك عقلاً متأملاً، وهو دائما فى الوسط فينجح وهو على حافة الرسوب، وحتى فى عمله كضابط هو ضابط متوسط أيضا يطبق القانون، ولكن بطريقته الإنسانية.

تناول في رواية “موزاييك” أوضاع المجتمع المصري بمختلف طبقاته، وما يتعرض له من معاناة فى ظل تردى الأوضاع الاقتصادية، والتى تدفع البعض من أبناء الوطن إلى الهجرة من أجل العمل فى البلاد العربية، مثل المملكة العربية السعودية، ويتعرض “عبد العليم” للعديد من شخصيات فى روايته، ويسرد أحوال البسطاء فى الأحياء الشعبية ومحافظات الصعيد، وما يعاونه من بطالة وفقر وبحث عن العلاج فى المستشفيات الحكومية. ويتناول فيها أوضاع المجتمع المصري وما يتعرض له من ضغوط اقتصادية واجتماعية تدفع أبناء الطبقة الوسطى إلى السفر إلى دول الخليج بحثاً عن مستقبل أفضل وحياة كريمة، ليعودوا بعدها محملين بثقافة تلك المجتمعات البدوية المتعصبة المناهضة لثقافة المجتمع المصري الوسطية.وفي النهاية لا يبقى إلا الرحمة على روحه الطاهرة والدعاء للنقاد أن يتناولوا عمل ذلك الكاتب المصري الكبير.

 

عودة إلى الملف

 

مقالات من نفس القسم