حذاء حر

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 18
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

أحمد بدراوي

اليوم مزقت الأرض حبال حذائي

 

بحثت عن محل لأستبداله فلم أجد

حذرني أبي منذ سنوات من الأحذية ذات الحبال

يخبر أمي بذلك في كل مرة نذهب لشراء حذاء جديد

أتطلع لحذاء تخرج منه حبال، ينظر لي أبي: ألم تنهك أمك عن شرائه!

 

كلما اشتريت حذاءً ذا حبال أعاده أبي إلى المحل

تتدلى الحبال من حذائي

احتال على الحذاء والحبال واشتري آخر أضيق

فلن أربط الحبال

سأخبئها داخل الحذاء

يطأ أحدهم بقدمه على حذائي فافقد توازني وتفضحني الحبال

 

حين اشتريت حذاءً بحبال منذ شهور

أخبرت أبي وأمي

نظرا بمكر وضحكا

لن تستطيع ربطه

ثلاثون عامًا فشلت في ربط حبال أحذيتك

هل ستنجح الآن!

أرد بثقة

سأفاوض الحذاء والحبال وسنتفق

أنا لست مشاغبًا، ما يريدانه سأفعله

أقف كل دقيقة باحثًا عن سُلم أو مكان عال لربط الحذاء

 

أكره ربطات العنق

لأبي وأخي المئات منهم

تعيرني أمي إحداها إذا كنت مدعوًا لعُرس أو حفل رسمي

توصيني بربطة عنق أخي

لا تدعها تتسخ

لا تقطعها

لا تجعلها تتدلي إلى الأسفل

إذا أردت أن تخلعها ضعها في علبة وحدها

لا تجعلها تخالط ملابسك المبعثرة

لا تنس أن تعيدها في أول فرصة لسفرِك

 

لا أعرف ماذا كان يدور في عقل مخترع الأحذية ذات الحبال أو رابطات العنق

لكني أكرهما وأكره الحبال

 

أرى نفسي كدُمية خشبية يحركها الله بحبال كيفما شاء

تلك إرادته

سأحاسب على ما فعلت نعم

لكنني في كل مرة أذهب إلى طريق أرى الله ينجيني

 

يعطيني الله نصف ثمرة ثم يترك لي تخيل الباقي

نصف رؤية ثم يعينني لإكمالها

باب نصف مغلق فأدعو فيُفتح لي

يعطيني نصف الطريق ونصف القصة وكل الأمل

 

في كل مرة وجدتني أغرق

يبسط الله يديه فأنجو

 

كان الله يبسط يديه فتتحرك أناملي الخشبية وأنجو

نعم هذا حدث

 

أنا لا تستهويني الأحذية ذات الحبال ولا ربطات العنق

لا أراها سوى قيود تربطني أكثر بالأرض

ولهذا لم أكن حريصًا على اقتناء شيء ما ذا قيمة طوال عمري

ليس لي أثر في الأرض سوى كلمتين وبضعة حروف وصور

 

لصناع السماعات اللاسلكية وجاهة في حُجتهم بارتفاع ثمنها

الأخرى ذات الحبال أقل ثمنًا لأنها مقيدة

أما الأولى فهي بلا قيد لا تخشى القطع والتمزيق

سماعات أغلى وأثمن لأنها حرة وللحرية ثمنًا ندفعه من أرواحنا وبها

كمن يدفع عربة تسوق في مركز تجاري لشراء أشياء يعرف أنه لن يحتاج إليها

 

أنا طوال عمري أكره الحبال

منذ حبل التنفس الذي ربطني بالحياة

 

لا شئ يربطني بالدنيا سوى أبي وأمي وأخي وبضعة أصدقاء ثم لا شئ

 

أنا لا أحب الحبال ولا ربطات العنق ولا الأماكن المغلقة

ولا الهدايا المُغلفة بحبال لامعة قرمزية

أحلم أن أسير بلا قيود

بلا أمتار

بلا حسابات

أن أمتلك جناحين

أن أكون حرًا

ألا أخاف إن عبرت طريقًا أن أتعثر في حبال البشر والحياة

الحبال تدميني

كذلك الحذاء ذو الحبال

وددت لو أن حذائي له جناحان فأطير

 

لو أني لي أمنية

فأن تتخلص المحال من الأحذية ذات الحبال

وألا ترتدي النساء أحذية بكعوب مرتفعة

كيف لهن أن يرقصن في الشوارع بتلك الكعوب؟

في إحدى المرات ذهبت صديقتي لحفل بذاك الحذاء

وحين نشب حريق

خلعت حذاءها وركضت حافية

تلك هي الحياة

 

أنا لا وقت عندي لربط الحبال

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي art 45
يتبعهم الغاوون
موقع الكتابة

نصوص

علي مجيد البديري
يتبعهم الغاوون
موقع الكتابة

الآثم