علي حسن
تمزق الحسرةُ قلوبَ المصريين، ويسحقها الألم والحزن لما تتعرض له منطقة مقابر القاهرة الأثرية.
إن رؤية الأوناش تزيل مقابر رموز مصر وتدمر شواهدها، وتحطم مبانيها التاريخية صار من المشاهد المتكررة وكذلك تعرضها للنهب والسرقة! حدث هذا لقبر عميد الأدب العربي طه حسين وأمير الشعراء أحمد شوقي والشاعر محمود سامي البارودي – رب السيف والقلم- والأديب الكبير يحيى حقي والشيخ محمد رفعت وغيرهم من عباقرة مصر، والظاهر أن مسلسل الهدم لن يتوقف حتى تصبح المنطقة برمتها أثرًا وذكرى بعد أن كانت رمزًا من رموز الفخار والزهو!
لهذا أقدم إلى الدولة المصرية (وزارتَّي الثقافة والأوقاف المصرية وهيئة الآثار) باقتراحين:
الأول يخص العميد طه حسين وأمير الشعراء؛ أن ننقل الضريحين إلى متحفيهما، رامتان وكرمة ابن هانئ، فذلك أشرف لهما ولنا كمصريين.
المتحفان أولى برفاتهما؛ ويليقان بقيمتهما الثقافية والأدبية وتاريخهما العظيم، كذلك قيمة مصر وتاريخها.
ربما العميد نستطيع نقل رفاته إلى ڤيلا “رامتان” في الهرم، بيته الذي عاش فيه زمنًا طويلًا، أو إلى بيته في قرية عزبة الكيلو (مركز مغاغة – محافظة المنيا) البيت الذي استقبل أبطال فيلم دعاء الكروان، أو اقتراح ثالث بنقله إلى جامعة القاهرة أمام مبنى كلية الآداب، وعلاقة العميد بها يعلمها الجميع، فهو أحد أركانها، وكلية الآداب اعتمدت لسنوات على أفكاره ونبوغه وإسهاماته التي لا حصر لها.
الاقتراح الثاني هو “حديقة الخالدين” أو “أرض الخالدين” أوجهه إلى الحكومة المصرية.
وهو نقل رفات كل عباقرة مصر، والأفذاذ من أبنائها، إلى موقع جديد يليق بهم/بهن، فلا تندثر قبور، ولا يضيع مع كر السنين أثر هؤلاء أبدًا، وتظل شاهدًا على خلودهم/ هن أمام الأجيال القادمة.
اقترح أن يكون موقع “حديقة الخالدين” على امتداد “المتحف الكبير” خلف منطقة الأهرامات، مع الظهير الصحراوي.
لن تتكلف الدولة لإقامة هذه الحديقة سوى التبرع بالأرض -خلف المتحف الكبير- أما السور والمقابر فسوف يدفع المصريون تكلفتها بحر مالهم، تخليدًا لأبناء وبنات من فلذات أكبادهم/ هن، أبناء وبنات تميزوا وأبدعوا وسجل التاريخ اسماءهم/هن بأحرف من نور.
الحديقة قطعة أرض كبيرة تتسع لما لهذه الأمة من كنز بشري فذ، محاطة بسور وأشجار من الكافور والكازورينا.
من خلال اكتتاب؛ مثل الذي فعلناه من قبل لأجل تمثال نهضة مصر، فحول المصريون فكرتهم إلى حقيقة، وأستطاع النحات المصري العظيم محمود مختار (١٠مايو١٨٩١- ٢٨مارس١٩٣٤) تنفيذ عمل صار رمزًا لمصر الحديثة.
الحديقة سوف تكون على شكل زهرتي لوتس، إحداهما لمن لقي ربه في السنوات الماضية، والثانية تكون للقادم من الأيام، مستقبلًا، لكل الذين يتوفاهم الله من عباقرة مصر وأفذاذ العرب، إذا رغب/رغبت في أن يحتضن تراب مصر رفاته/رفاتها.
كل المقابر ستكون ذات شكل ثابت، موحد، تصميم فرعوني الطراز، شواهدها من جرانيت أسواني، ينقش عليه باللغتين العربية والإنجليزية، سيرة ذاتية مصغره. تاريخ ميلاده، مدينته، دراسته، تجلياته، تفرده، نبوغه، ما ناله من أوسمة ونياشين، تاريخ التكريم، أسماء المؤسسات التي منحته الأوسمة.
بين هذه القبور مسافات ثابتة مغطاة بالعشب الأخضر أو الزلط المعروف جيولوجيًا بالشيرت/فلينت.
تحدد الدولة ممثلة في وزارة الثقافة موعدًا لإجراء اكتتاب عام؛ يتم دعوة المثقفين المصريين والعرب، رجال الأعمال، البنوك المصرية والعربية، جامعة الدول العربية، مجامع اللغة العربية للمساهمة في هذا المشروع العظيم.
المصريون والعرب الذين توفاهم/هن الله، ومقابرهم في مصر، تُنقَل رفاتهم في توابيت، ثم تُوضع في الحديقة تبعًا لتواريخ وفاتهم/هن.
أما الذين يتوفاهم /هن الله بعد الإنشاء، يتم دفنهم/هن في زهرة اللوتس الثانية، تبعًا لنظام صارم، مع قوانين حاكمة، منظمة لهذا الشأن، بقرار رئاسي، قرار بالإجماع من مجلس النواب، الحاصلين على قلادة النيل، قلادة الجمهورية، جائزة نوبل، أو توصية من المجلس الأعلى للثقافة تُرفَع لرئيس الجمهورية.
تمنح مصر هذا الشرف للمتميزين من العرب في مجال الأدب والفنون والثقافة، والحاصلين على جائزة نوبل، إذا تقدم بطلب إليها.
لن نكون بهذا أصحاب سابقة فريدة في عالمنا؛ لأن الكثير من دول أوروبا سبقتنا بالتنفيذ والاهتمام بأفذاذها، مثل “متحف الخالدين” في برلين، لكننا بإنشاء حديقة الخالدين على الطراز الفرعوني نكون قد تميزنا وارتبطنا بتاريخنا الخالد. أذكر القارئ أن لدينا في متحف برلين تمثالًا للموسيقار الخالد فريد الأطرش، العربي الوحيد الذي شيد له تمثالًا هناك!
في حديقة الخالدين نستطيع وضع تمثال لكل عبقري من عباقرة مصر أمام قبره من الجرانيت؛ نعقد من أجله مسابقة مصرية، عربية، عالمية. نحشد لها ونعلن عنها ونجعلها احتفالية تليق بالأمة المصرية وبأفذاذها.
يتقدم للمسابقة طلاب كليات الفنون الجميلة في كل أنحاء الوطن العربي، وتصدر أسماء لجنة التحكيم بتوصية من كبار النحاتين المصرين، عمداء كليات الفنون الجميلة، الفنون التطبيقية، نقابة التشكيليين، كبار الفنانين، خاصة من إيطاليا وفرنسا، لما لدى الدولتين من خبرات في هذا المجال، وما يربطهما بمصر من علاقات تاريخية وثقافية، ليس فن النحت وتصميم الميادين والمباني إلا فروعًا من علاقات متعددة وتاريخية.
أتمنى أن تجد الفكرة دعمًا يليق بالأمة المصرية؛ وتجاوبًا يليق بأبناء مصر من وزارتي الثقافة والأوقاف وهيئة الآثار والشعب المصري العظيم.