حافظة أوراق الخريف

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

قصة : شريف الغريني

بالرغم من سعادتى الغامرة فى هذا الصباح إلا أنى استيقظت على أنباء تحطم و سقوط و غرق  الطائرة القادمة  إلى القاهرة من باريس ، ترحمت على أرواح الضحايا وتصورت بشاعة الكارثة التى أسكنت مئات البشر فى  قاع البحر .

قطعت الورقة التى كنت انتظرها من الرزنامة ، وضعتها فى الحافظة ، اغتسلت وتركت الماء الساخن يمسحنى ويحتضن أشواقى الحارة ، اختلط البخار المتصاعد من كابينة الاغتسال بدخان آخر تصاعد من ثنايا جسدى المشتاق ، توقفت طويلاً أمام مرآتي ، ربما أطول من أى وقت  مضى ،

انتهيت  من زينتى  حتى صرت كزيتونة لامعة ترتدى أديم كرزة حمراء ، عبرت  فى الدرب  الواصل بين بوابة الطريق وباب المنزل ، داست قدمى أول طرد خريفى  من أوراق شجر الفيكس المصطفة على جوانب الدرب القصير

كان أحساسى بالحياة فى أوجه حتى كدت أراقص  كل وريقة من وريقات الخريف ،   حتى أنى التقطت بعض منها ، دسستها فى  الحافظة  وإنطلقت إلى العمل .

عندما دقت  الساعة التاسعة سرت فى الممر الذى يفصل بين مكتبى ومكتب السيد  المدير ..كان هذا هو الوقت المخصص لعرض المستندات التى تحتاج لتوقيعه  ،  تطل على الممر نوافذ  يجلس خلف زجاجها حشود من الموظفين  ، ينتظرون مرورى بعد ان أصبحت أتمايل واتثنى مختالة اثناء ذهابى وعودتى .

لم أعتد  التأنق ولا التثني فى مشيتي لكنى أصبحت كذلك  منذ شهرين تقريباً بعدما التقيت به  أول مرة ، كان جالساً فى ضيافة المدير ، عندما اصطدمت عينى بعينه أدركت مدى روعة الحياة وعرفت كيف أن هذا العالم الذى نعيشه  ليس كما يصوره البعض .

لو كان العالم سيئاً حقاً ؛ فأنّى له أن يحوى كل هذا الجمال والسحر الذى هبط من السماء ؟!

لا اعتقد أنه مر من طرقاتنا ولا داس بقدميه على أرضنا ، بل تهادى هابطاً خلف أجنحة حنون  تجلى بعدها ببهاء ورونق على هذا المقعد ، اعتقدت ساعتها أن السماء لابد وأنها قد أرسلت فلذة من كبدها إلى الأرض.

كنت اقلب الحافظة  التي تحوى المستندات أمام المدير وعينانا متلاقيتان ، لم أنتبه إلا عندما نقر المدير على مكتبه بقلمه

انصرفت بلا رغبة في الانصراف  ، كيف لحمقاء أن تترك خلفها هذا السماوي ، تأكدت ساعتها ان إرادتي خرجت ولن تعود ابداً وأنها  تحطمت تماماً  امام هذا الرجل ، اقسمت ؛ لو تمكنت منه ألا أغادر فيه اخمصاً ولا ذوآبة ، سرت عائدة إلى مكتبى وأنا غارقة في لحظ عينيه الآمرة التى تنقل الأشياء إلى حيث شاء ، اصطحبت معى عطره ؛ لم يكن عطراً بشرياً كالذى عهدناه ولكنه طبع وصبغ من طيوب الجنة التى أصبحت أعرف أحد ساكنيها ، عندما تكلم أمامى سمعت صوتا قادما من قلب دافىء لا من جوف فارغ كأجوافنا ، وطاردتنى ابتسامته التى أسكنت حيرتى و قهرت أنوثتى وأوقفت عندى كل حيل النساء .

سرت فى الممر لحظات  وبعدها التفت لأجده  يطارد بخطاه  خطواتى البطيئة ، توقفت خاشعة  أمامه مستعدة لأوامره طائعة لها مهما كانت.

قال لى مبتسماً واثقاً :

سأعود فى الخريف  وعندها سيطول حديثنا

مضت شهوراً تركنى  فيها على وعد بلقاء طويل يجمعنا، تعجلت قدوم الخريف ، لم أر خلال غيابه رجلاً يمشى على قدمين ، أصبح العالم فارغاً  فى ناظري إلا من صورته.

 

*****

 

قطعت الممر فى هذا الصباح  الخريفى الذى انتظرته  طويلاً إلى غرفة المدير تحدونى أمال عريضة فى اللقاء المرتقب .

عندما أغلقت الباب  ورائى وجدت المدير وأمامه رسالة وصلته عبر الفاكس ، كتم أنفاسه حتى انتهى من القراءة ، صمت تماما ثم سالت من عينيه  دموع ، فى النهاية وقّع على الفاكس بما يفيد أنه قد طالع الوارد وحوله لى للحفظ ، عندما قرات مافيه عرفت أنه كان ضمن ضحايا الطائرة التى سقطت ليلة أمس ، وضعته فى حافظتى وانصرفت محترقة غارقة ومحطمة.    

 

 

 

خاص الكتابة

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون