جنرال واحد لا يشيخ

جنرال واحد لا يشيخ
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

أيمن فؤاد زهري

قابلت أحمد طه قبل سبعة عشر عامًا وسط حلقة من الأصدقاء في النادي اليوناني، ولم تمر لحظات حتى أيقنت أنني أعرفه منذ زمن بعيد، أعرفه بابتسامته الصافية وضحكته الطفولية وحميمية الحوار معه.

عندما علم برغبتي في استكمال دراستي ما بعد الجامعية في الفلسفة لم يتردد في أن يسدي إليّ بنصائحه المخلصة والعملية جدًا، مثلما يفعل مع شعراء وأدباء وباحثين من الأجيال اللاحقة عليه والذين يعاملهم دائمًا معاملة الند للند.

يحب الناس جميعًا ويكره الزيف والتنطع،  عندما دعاني وزوجتي بربارة أول مرة إلى بيته شعرت بأنني سافرت في الزمن وأنني موجود في مأدبة أفلاطون وسط الأصدقاء والشعراء؛ وهي مأدبة تبدأ قبل مغيب الشمس وتنتهي قبيل سطوعها حتى خُيل لي أنني أسمع سقراط على لسان أحمد طه يقول لي: إن الشاعر الذي يستطيع أن يكتب المأساة قادر على وضع الملهاة، وأن التراجيدي القدير بإمكانه أن يكون كاتبًا ساخرًا بحق.

يكتب أحمد طه سيرته الذاتية في الأمكنة، شبرا وبغداد وشيكاغو وباريس ولوديڤ ووسط البلد، وفي وجدان أصدقائه، وهم يعرفون أنفسهم أكثر في مرآته .. له وطن حقيقي وحوائط وأوسمة جنرال واحد لا يشيخ .. يخرج من بيته من أجل أن يعود إلى منزله .. تبدو لي قصائده كأن كل واحدة منها شجرة جذرها في قلبه، وساقها منحوت من عواطفه الحميمة، وفروعها تشق الواقع المعيش.. في أحلامه لا نرى الأشياء على حقيقتها فحسب، وإنما نري فيها أيضًا حقيقته؛ حقيقة الإنسان في هذا العالم .. يقول بأن الحياة خربة تمامًا وباردة ورتيبة وطويلة جدًا، لكنه يقول أيضًا بأنها مثيرة للضحك، الضحك الحقيقي.

عودة إلى الملف

         

مقالات من نفس القسم