جناية عمرو خالد على السينما!

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام
أحمد الفخراني لماذا فيلم «طلق صناعى» فيلم رديء؟ لأنه يخطب فى المشاهد كل ثانية، لا يخفى رسالته، بل يلكم بها المتفرج بعنف، منذ الدقيقة الأولى للعمل وحتى المشهد الختامي، يعتمد على إثارة المشاعر مضمونة التأثير، وتكريس تصور المتفرج عن نفسه، بل توقعاته عن العمل، إرهابى يختطف رهائن فى السفارة الأمريكية، رغم أننا قبل دخول الفيلم، نعلم أن الخاطف مضطر لما فعله، وأنه أكثر إنسانية من اختزاله فى صورة الإرهابي، فقد شاهدنا الحبكة نفسها، عدة مرات فى نسخة آل باتشينو، ونسخة وحيد حامد وشريف عرفة، دون أن يضطر أحدهما للصراخ أنه ليس إرهابيًا، كما فعلت أسرة دياب فى كل لحظة بالفيلم.

تلك إجابتى السهلة والمختصرة.

لكن فى الحقيقة، أرى إجابة أكثر تعقيدًا تبدو لوهلة متناقضة ومتنافرة، لكنها تحمل الرابط الخفى للإجابة على سؤال كيف يُنتحل عمل رديء الجودة وينجح جماهيريًا فى الآن عينه، سأحاول عبثًا كتابتها فى تلك المساحة.

>>> 

الفارق بين الموهوب ومتوسط الموهبة، أن الأول بإمكانه أن يظهر وهج القاعدة وأن يزدريها فى الآن عينه، أما متوسط الموهبة فهو الحارس الوفى والباحث الأبدى عن القاعدة، وسراب الوصفة النهائية لأى شيء: الحياة، المواطنة، الكتابة، الإيمان، السينما، فتتحول على يديه إلى قانون مقدس يطبق بلا فهم أو روح، مخصي، متيبس، جاف. نسخة باهتة، وقد يكتشف فكرة براقة وواعدة كوقوع المصريين بين رحى الشعور بالدونية والعظمة، لكنها تتحول على يديه إلى قطعة من «البؤس» التى ستجد لها محبين بالطبع، بل الحقيقة أن جمهورهم أوسع من جمهور الموهوب، لأن ما يقدمه إليهم متوسط الموهبة، على مقاس رؤيتهم المحدودة بالضبط، يسهل استيعابها، وهضمها بل تلبى تلك الحاجة الغريزية كى يبدو المتلقى ذكيًا فى عين نفسه.

هل القاعدة أن متوسط الموهبة جمهوره أوسع، لا طبعًا، لكن يمكن أن يمنحنا ذلك إمكانية لنفهم سبب نجاح زاب ثروت وعمرو حسن وهشام الجخ فى تحقيق جماهيرية أوسع من أكثر روائيينا وشعرائنا موهبة، فهم يقدمون النسخة التى تلبى التصوّر البدائى الذى يرى متلقى الفن نفسه فيه والذى يكتبه سرًا: الخواطر. الأمر الثانى هو تقديم متوسط الموهبة نفسه كأديب للقبيلة، يكرس تصوراتها عن نفسها، مهما كانت شديدة الضحالة والبلاهة.

الموهوب هو الأكثر قابلية للتحول إلى نصف موهوب بخضوعه لوصفات الجمهور، وبطلبات الطاحونة المصرية التى تفرك الجميع، أما نصف الموهوب فهو الأكثر قابلية لخداع الناس بفنّ يدعى الجودة، فحتى الموهبة يعاملها كقاعدة لها وصفة.

مثلاً فى الكتابة، هناك قاعدة عن التكثيف والحذف، هدفها الأصلى إبراز جوهر النص، لكنها تتحول على أيدى أنصاف الموهوبين إلى قاعدة خشبية متجمدة، تحوّل الغموض والتكثيف إلى قانون مقدس، وتطبق بروح خالية من الفهم، عامرة بالإيمان بالوصفة.

هكذا ينتج آل دياب وعمرو سلامة، أفلامًا جذابة جماهيريًا، رديئة فنيًا بوصفة الوضوح والرسالة المباشرة وسراب الفكرة البرّاقة، وينتج عدد من مخرجى السينما المستقلة أفلامًا مغرقة فى الرداءة وتدّعى الجودة عبر الغموض، لأنهم وجدوا وصفتهم السهلة فى دليل السينما الأوروبية. لا أشك أن الطرفين جاهزان لتبديل رؤاهما إذا ما لمحا رائحة نجاح خلطة أخري.

مجددًا لا وصفة، لا الغموض ولا الوضوح، لا التكثيف ولا التدفق.

>>> 

ما علاقة هذا كله بصنّاع الحياة، واللحظة التى تلتقط فيها الكاميرا نفاق عمرو خالد، وهو يدعو ربّه بعين، وبعين أخرى على جماهيره التى يتمنى أن ترى خشوعه.

صنّاع الحياة، التى أسّسها عمرو خالد، هى الطفرة الأشد سماجة وخداعًا من ابتسامة الإخوانى اللزجة، المتقشفة، لكنها تحمل البراجماتية ذاتها، وحدهم أبناء عمرو خالد يرون الفن من منبر العظة، والرسالة. لماذا الإخوان وصنّاع الحياة، هم الأكثر التهامًا لكتب التنمية البشرية؟ لأنهم باحثون أبديون عن الوصفة الناجية، خلطة تضمن لهم جنّة السماء ورسولها عمرو خالد، ومملكة الأرض الشهية دون التزمت عينه ورسولها إبراهيم الفقي. هكذا خاضوا الأرض المحرمة على كل دوجما: الفن.

الدوجما والأدب الملتزم، فخ أسقط فنانين وكتابًا موهوبين فى براثنه، لكنهم بثقة شديدة فى الوصفة يخوضون الطريق، اصنع الإكليشيه واعبده، اسرق الخلطة من حبكات أفلام سبق لها النجاح، ومن الإيمان، ومن سير العظماء، الأسلاف، المواهب لتصنع السوبرمان من الإنسان العادي، الذى سينتصر على الجميع فى النهاية، ثقة هى مزيج من الخسّة، التى لا ترى ماعداها سوى غنائم وقرابين، فقد أدّوا ما عليهم تجاه عبادة الوصفة، فما الذى يمنعهم عن السرقة، الغش، احتقار الطرق الأخرى للحياة، طالما يملأ قلوبهم يقين المؤمن بالاستحقاق والقداسة. فالجميع عداهم أشرار غير مقدّسين، يستحقون الجحيم وأن يكونوا مجرد خطوة فى طريق متوسط الموهبة إلى العظمة.

>>> 

ماجد الكدوانى ممثل يشعّ بالموهبة، لكن السؤال كيف بدا فى فيلمى الإخوة دياب والشيخ جاكسون لعمرو سلامة، مجرد صدى لما نتوقعه من موهبته، إكليشيه متكرر للوهج. أسير لمؤمنين بالوصفة.

……………

*نقلا عن مجلة “روزاليوسف”

مقالات من نفس القسم