شيرين فتحي
لم تكن أمي تشبّهني بشيء، ولا حتى بأحد
كانت قليلة الكلام
لم تكن تقول مثلا أنت جميلة، ولا ذكرت حتى أنني قبيحة … لم تقل لي شيئا أبدا .. ربما لهذا كنت أشعر بأنني لا شيء على الإطلاق.
كانت تمشط شعري في صمت وفي يوم العطلة كانت تهتم بتصفيفه بالسيشوار ليبقى مفرودا.. كانت تهتم أيضا بإرسالي لمصفف الشعر الذي يقع محله في نهاية شارعنا الصغير.. كان يحدث هذا خاصة في المناسبات والأعياد.
كانت تهتم بمظهري، بملابسي، ولم تمنعني مطلقا من اللهو بأدوات تجميلها. كنت أتقن فنون التجميل من سن الثانية عشرة تقريبا.. كانت تعلم جيدا أنني لا أفسد أدواتها، بل أحسن استخدامها والحفاظ عليها. كانت تسمح لي باقتناء بعض من تلك الأدوات في غرفتي الخاصة دون أن تطالبني بإرجاعها.
لكنها لم تقل لي أبدا بعد استخدامي لها: أنت جميلة.
حين كان يأتي بعض الأقارب أو المعارف لزيارتنا، كنت أسمعهم وهم يقولون لأمي ابنتك جميلة
لكني لم أصدقهم أبدا، كنت متأكدة طوال الوقت أنهم يجاملون أمي بالإطراء على شكل ابنتها الوحيدة . فتعلمت أن أعبس بوجهي كلما نعتتني إحداهن بالجميلة .. كنت أعرف أنهن كاذبات وأمي الوحيدة هي الصادقة رغم أنها لم تكن تنطق ولا حتى ترد على كلمات الإطراء الموجهة لي.
في مرة وعقب عودتنا من حفل زفاف أحد الأقارب وبمجرد دخولي إلى المنزل .. نزفت دما غزيرا من أنفي حتى أن ملابسي الأنيقة التي كنت قد أعددتها خصيصا لهذا الحفل قد تخضبت كلها بالدم.
حشرت أمي قطعا من القطن في أنفي وأزاحت رأسي إلى الوراء .. كنت أشعر بالدم الذي ينساب في حلقي وأضطر لابتلاعه.. حاولت أن أتملص من قبضة يدها على رأسي لكي أبصق الدم المنساب، لكنها لم تسمح لي.. ظللت كثيرا على هذا الوضع ربما لساعتين او أكثر حتى انقطع الدم.
لكني فوجئت به يفاجئني في اليوم التالي وبنفس الغزارة.. تكرر الأمر في اليوم الثالث أيضا.. سمعتها تتحدث مع أبي في الأمر ويتفقان أن يصحباني في الغد لطبيب لو استمر الأمر على هذا النحو، وأن يقوم الطبيب بكي للشعيرات الدموية الموجودة في داخل أنفي كي لا أفقد المزيد من الدماء.
أزعجني الأمر وتمنيت ألا نلجأ لهذا الحل أبدا.
سمعت أمي تحادث شقيقي وتشكو له شؤم الحفل الذي كنا فيه
– البت اتحسدت من جمالها ياريتنا مارحنا
طمأنها شقيقي بجملة لم أدرك مدى صحتها حتى هذا اليوم
قال: الحسد مدته ثلاثة أيام وينتهي
صدقته وتعلقت بكلماته التي تحققت بالفعل حين انقطع النزيف تماما في اليوم الرابع.
شعرت بالفرح لأنني نجوت من عملية الكي، لكن فرحتي الحقيقية كانت حين سمعتها تعترف لشقيقي بينما كنت مضطرة لابتلاع المزيد من الدماء بأنني جميلة.