جماليات القول الشعري في ديوان “سحابة طيف” للشاعر علي العلوي

سحابة طيف
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

 ميلود لقاح
من الصفات التي تتميز بها الكتابة الشعرية التوظيفُ الحــــرُّ للكلماتِ والأساليبِ بحثا عن استخدام جميل لِلُّغة لتحقيق الِاستجاباتِ الجمالية للمتلقي الذي يأسره التوظيف البديع للِّغة المبنية على نظم فريد يكون في الغالب غير متوقع؛ تتألق فيه اللغة المعتنى بها عناية فائقة.
والشاعرُ في نظري المتواضع ساحرٌ أداته اللغة. وإذا لم تحملْ هذه اللغةُ مفعولَ السِّحر الجمالي المفاجئ للمتلقي لا تعدُّ لغة شعرية، ويصعب تصنيفها في خانة الشعرِ الذي يعد بالدرجة الأولى لغةً استعارية ومجازية تتجاوز اللغة المألوفة العادية.
إن لغةَ الشّعرِ لغةٌ ثانيةٌ تتأسس على اللُّغة الأولى وتتجاوزُها لتُشكِّل عالمها الشِّعريَّ السّاحر. والشاعر إذ يَعْبُرُ بلغته إلى التعبير الجمالي الخلاق يكون قد أنفق وقتا وجهدا غيرَ يسيرين في امتلاكِ أسُسِ اللغةِ الأولى امتلاكا عِلْميّا واعيا يُخوِّلُ لهُ اللَّعب بهذه اللغة بمنتهى البراعة، فيخرقها خَرْقا جَماليا واعيا ومسؤولا مِنْ دونِ إفساد قواعد اللغة التي تعد المنطلَق الأساس والسليم إلى التعبير.
والشاعر علي العلوي من الشعراء القلائل الذين يعتنون بلغتهم و أساليبها عناية فائقة جدا. إنَّ لغتَهُ منتقاةٌ بشكلٍ مدهشٍ وذكيّ وآسر ومفاجئ في غالب الأحيان. إنها لغة انزياحية تَلُفُّها جُرأة في استخدام العُدول أو الانزياح والتَّكرار والجناسِ والطّباقِ وتمكنٌ رائع من العروض. إنها لغة إيحائية إلى أبعد الحدود لا تقتصر على المعنى الواحد بل تعانق التعدد الفسيح للمعاني لتفتحَ أمام القارئ ما يَصْطلحُ عليه الأسلوبيون اللُّبس المقصود Deliberate Ambiguity. إن تميز أشعار علي العلوي بهذه الظواهر هو ما استدعى مقاربتها في هذه الورقة مقاربة أسلوبية نتناول فيها أهم جماليات القول الشعري في ديوانه “سحابة طيف”.
1- الانزياح : Ecart
مصطلح الانزياح (L’ecart) واسعُ الاستعمالِ في الدراساتِ الأسلوبيّة والبلاغيةِ والنقديةِ واللسانية، وذلك لأنه يعكس إعجابا بما يؤديه من قدرة على الوصف والتصوير، وكلما كان هذا الانزياح موفقا كان النص أبهى وأبلغَ وأجمل تعبيرا. وهو من المصطلحات الشائعة في الدراسات الأسلوبية المعاصرة. ولعل جون كوهين أولُ دارس خصَّ هذا المصطلح بحديثٍ مستفيض وواضح في مجالِ حديثهِ عن لغةِ الشعرِ في كتابه المشهور “بِنْية اللغة الشعرية” حيث قدم مجموعة من المفاهيم والثنائيات أهمها ثنائية (المعيار/الانزياح : L’écart, Le norme)؛ فالمعيار استعمالٌ عام ومشترك للغة بين عموم المتكلمين يراعي الأصولَ القاعديّة المُتَعَارَفَ عليها. أما الانزياحُ فتجاوزٌ لنمطية اللغة المعيارية وهو من أهم أسس الخطاب الشعري المعاصر الذي يبحث عن لغة شعرية جديدة تتجاوز اللغة المعيارية. إنه انتهاك لقواعدِ الاستعمال، و”انزياح عن النمط المتواضع عليه” 1
ويظهر الانزياح في ديوان “سحابة طيف” للشاعر علي العلوي بداية من عناوين القصائد؛ بل من عنوان الديوان نفسه،(سحابة طيف) فقد عدل عن “صيف” إلى “طيف” مع أن المتداول “سحابة صيف” الدالة على أنها سحابة عابرةٌ غيرُ مستقرَّةٍ وغير ممطرة؛ لكن الشاعر يفاجِــئُ القارئ بمعنًى عدل إليه عندما اسْتَبْدَلَ الطّاء بالصّادِ لتتحول لديه كلمة “صيف” إلى “طيف” ويترك المتلقيَ يهيمُ في شساعةِ الدلالة والاحتمالات.
ولنا أن نتأمّل أغلب عناوين القصائدِ في الديوان لنقف على كثافة الانزياح الذي يشعر المتلقي بعفوية الشاعر وبراعته : ( شهيق الكمان- شمس السؤال – تراتيل الجسد – لحن المحن – طيف الوجع – نداء الداء – أنين السنين- سنابل الوجع- وهج الشبه – خريف الخوف – نصال الوصال…………. )
هذا فضلا عن كثافة الانزياح في متن كل قصائد الديوان . يقول في فاتحة الديوان :
– لَسْتُ أَوَّلَ
مَنْ يَمْتَطي صَهواتِ الْعَراءْ .
(……….)
– وَمِنْ حَوْلِكَ الشِّعرُ يَنْمـــو .ص11
إنَّها فاتحة الديوان التي تنــبـئ بسيل الانزياحاتِ الشعرية التي ستنمو نموا غزيرا جدا، وسنحاول جردها، وللقارئ الكريم أن يستحضر المعيار قبل إدراك الانزياح:
– وشرَّبني كأس بأس وأسكنني غيمة من دماءْ.ص13/ سيوقظني الظل ويوقظني الليل ص15/ أمر على عتباتِ يديكِ ص17 – جدارُ النّهار ص17/ .
– أرى عين الصباحِ ص19 –تذوب في كف السماء ص19 – تحملنا على جمر الرياح ص19_ نعانق عاليا وجه الضياء ص21 – قمـر تبسَّم ص21-
– تشدُّني أسْوارُ حُزْني ص31 ../ شَمْعة تبكـــــــي ص33 –
– نعْبرُ العبراتِ إلَيْنا (…) تصغُــرُ كلُّ اللغات ص37 – دهشة الكلمات ص38 – وأصمت كلما نطقتْ يداي ص43 – أخْتصرُ الوقتَ قليلا ص54 – ألْبسُ الرُّوحَ / وأسْري في الوريد ص54 – ما يزالُ الحلمُ يجتاحُ دمائي ص56 _ حرْفي ثائر.ص57 – أحمل الريح ص57. – أرى يدا تشدو ص61 – الفرحة لا تتكلم ص 71 – عرشي قافية تتألمْ ص71 بعصايَ أهشُّ على ألَمي/ وكلامي ريح أزرعها/ تحتَ الداء/ ليزهر صبح يتبسَّمْ ص2 7- دمعي يفجر بعضَ دمعي ص74 / أهدي عزلتي/ شمسا بلاعمدص78 – أغتال موتي في الأماكن كلها ص79 – فتورق قافية ذابلهْ ص88 – الكلمات سابحة ص96 – سأعلق شعري/ فوق جبين الصحراءِ/ وأزرع صمتي/ بين مساء وسماءص99 – هي الكلمات في ذاتي تجلت/ لتصحو حينما يغفو المغيب ص101 – وتَقْطَعُ ساحة الأحزان ص121 – تكَسِّرك/ المنايا في المرايا ويسكرك الأسى ص122 – تجاهلت يد الريح كثيراص125 – جفت ذكريات العمر قهرا ص131 – جسد من رماد ص144 – في الصباح/ تحاصرني الكلمات/ بأسئلة ماكرهْ ص149 – لك مني نزف حرف لامع/ عزف كمان دامع ص153 – يكلمني الحرف /حين أكلمه ص156 – أنكرني الصمتُ (….) يصحبني الأملُ ص 168 / يغرق في بحر الحبِّ ص169 /ينتحر الكلام أمامنا ص186 –
إنَّ لغة الشاعر علي العلوي في هذا الديوان عجنت بماء الانزياح، وشَكَّلتْ صوتا متفردا لا أجدُ لهُ نظيرا في المشهدِ الشِّعري المغربي وهذه الغزارة شاهد على ما نقول.
2- التَّكرار : Anaphore
يُعرَّفُ التَّكرارُ بأنَّه ” إحداث أصواتٍ تتكرر بكيفية معينة في البيت الشعري الواحد، أو في مجموعة من الأبيات الشعرية، أو في القصيدة، أو في ديوان الشاعر. ويمكن تقسيمه إلى الأنواع التالية : تَكرار شطر بيتٍ شعريّ، تكرار كلمة، تكرار حرف….”2
كما يعد التَّكرارُ سِمةً أسلوبيّة تخرق مبدأ الاستبدال، وتُمثّل حاجة ضاغطة على منْشِئها الذي يظل مشدودا إلى أصوات أو كلمات أو تعابيرَ أو قوافٍ بعينها. إذاً يُمكنُ اعتبارُ التَّكرار مبعثا نفسيَّا ومؤشّرا أسلوبيا يدل على أنَّ هناكَ معانيَ تحوج إلى شيء من الإشباع.
وفي تجربة الشاعر علي العلوي نجد معجما يتكرر منذ ديوانه الأول ” أول المنفى ” منه : الموت_ الحزن _الدمع_ المنفى_ االبكاء_ الرحيل_ العذاب _ البعد – الليل _ الغياب – الشقاء…. لكننا الآن لا نريد أن نعدد المفردات المتكررة بقدر ما نريد الوقوف على براعة توظيف التكرار الذي لا تخلو منه قصيدة من قصائد ديوان “سحابة طيف”. والغريب أن نَفَسَ القصائد في تجربة الشاعر علي العلوي يميل إلى القصر في الغالب؛ لكنه مشحون بتقنية التَّكرار الذي يبـرع في استحضاره بذكاء لا يسيء إلى النص.
لنتأمل قصيدة “تراتيل الجسد الأسير” (ص37) وهي إحدى أقصر القصائد في الديوان :
كُنتَ تعبرُ مثلي /وكُنَّا معا /نعبرُ العبراتِ إلينا /فَتصْغُرُ فينا المسافاتُ /تصغرُ فينا النهاياتُ /تصغرُ كلُّ اللغاتِ /كنتَ تحزنُ مثلي /وكانتْ لنا /دهشةُ الكلماتِ /وكانتْ لنا /شرفةٌ منْ رفاتٍ /وكانَ لنا /سَفر في الشتاتِ .
تضمن النص _ على قصره – تكرارا متعددا نوضحه كالتالي :
– الفعل (كــــــان ) : ست مرات ( كنت – كنا – كنتَ – كانت – كانت – كان )
– الفعل (عبر) : مرتين ( تعبر – نعبر –)
– الفعل (صَغُرَ): ثلاث مرات ( تصغر- تصغر – تصغر )
– نا الدالة على الجماعة : سبع مرات .
هذا وقد طال التكرار بالكثافة نفسِها الأسماء والأفعال والحروف والجمل والصيغ الصرفية.
فمن الجمل التي تكررت مثلا ( أناديك ) في قصيدة “نشيد الغياب” ص179 :
– أناديك سرا / أناديك جهرا / أناديك فجرا / أناديك بعد الأصيل .
أما الصيغ الصرفية فهي عديدة منها مثلا تكرار صيغة (فعيل) التي تكررت بشكل كبير في الديوان كله ( ظليل – دليل – سبيل – أصيل – رحيل – طويل – عويل – جميل – طريق – شهيق – نشيد – شريد – لهيب – حنين – رنين – طريد – جديد –وريد – وحيد – بعيد – – قصيد – شهيد – رصيف – خريف – بريد – شهيد – جديد – عنيد – حزين – دفين – غريق – حريق – خرير – جبين – نسيب – نحيب – قريب – قديم – صديق – قليل – كثير – شبيه – ظليل – سبيل- عويل – جبين…………)
وللقارئ الكريم أن يعود إلى الديوان ليقف على مثل هذه الكثافة في حضور التكرار الذي لا يزري بالنص بقدر ما يجعله نسجا جديدا في القول الشعري الحديث. وبناء حيا لإيقاع أخاذ. وإننا نصدر هذا الحكم بعد فحص جميع قصائد الديوان التي لا تخلو من هذه الظاهرة التي يستحضرها الشاعر بذكاء وحس الشاعر. إنه لعب بارع بالكلمات وتطريز لغوي بهي .
3- الطباق : Antithèse
“هو أن يأتي الشاعر بالمعنى وضده أو مـا يقوم مقــام الضد” 4، وهو نوعان :
أ‌- طباق الإيجاب : وهو ما صُرِّح فيه بإظهار الضدين.
ب‌- طباق السلب : وهو ما اخْتَلفَ فيهِ الضِّدانِ إيجابا وسلبا.
والطباق أحد فنون البديع له تأثيره الخاص المتميز، الذي يتجلى في كونـه يخلق صورا ذهنية ونفسية متعاكسة، ويقوم عقــل القارئ ووجدانه بالموازنة بينها. ويكشف الطباق عن المعاني المتنافرة التي تترك آثارا عميقة في المتلقي.
وللطباق في ديوان “سحابة طيف” حضور لا يقل عن حضور التكرار؛ فقد طُرِّزتْ به جلُّ القصائد من دون أن يتجلى في ذلك تكلُّفٌ منفر. وقبل أن نجرد الطباقات الموجودة في الديوان أودُّ التَّمثيلَ على كثافتها بالإشارة إلى المقطع التالي المكون من ستة أسطر فقط :
أَنا الآنَ أرثي بصَمْتي الكلامْ
وأمدَحُ بالدَّمعِ سرْبَ الحمامْ
أَموتُ ببابِ الغيابِ
لأحْيا ببابِ النَّدى بعدَ عامْ
يقيني احتمالٌ
وشكي ارتحالْ. (ص23)
فهذا المقطع اشتمل على ثلاثة طباقات ( صمتي/الكلام – أموت/ أحيا – يقيني/ شكي ).
وفي الجدول التالي تظهر كثافة الطباق في ديوان ” سحابة طيف” بنوعيه طباق الإيجاب وطباق السلب ويتيح لنا التأمل والوقوف على الصور المعاكسة والمعاني المتنافرة التي استطاع الشاعر أن يجمع بينها ليبدع نصوصا لها فرادتها :

 

 

 

                                 الطباق                                 نوعه
  أبالي/ لا أبالي ص40 –أمضي/لا أمضي ص40  قال/ لم يقل ص29 – أراه /لست أرى ص85 . أكتب/ لا أكتب ص97 – أريد/ لا أريد ص171  

             طباق السلب

أول /آخر ص11 – أولنا /آخرنا ص14 – الصباح/ المساء ص19 – البكاء/ تبسم20-21 – أموت/ أحيا ص23 – يقيني شكي ص 23 – صمتي/ الكلام ص23- التجلي/ الغياب ص27- جئنا/عدنا ص29 – القريب/البعيد ص32 –باق/ماض ص 34 – الصبح/ الليل ص46 – أمضي/ أعود ص47 – صوت/صمت ص58 – خفافا/ثقالا ص67 – الفرحة/المأتم ص 71 – النهار الليل ص87– غيابك/حضورك ص 91.92  – دمعي/ بسمة101 – تصحو/يغفو ص101 – أسى/بسمة ص 106 – جيئة/ذهابا ص 108 – أشدو/باكيا ص 108 – البياض/أسود ص 110 – غريبين/قريبين ص 110 – عرفتك/ أنكرني ص 117 – جهرا/سرا ص122 – قليلا/كثيرا ص125 – تنامين تصحين ص 136 – الكثير/ القليل ص137 –  الليل/ الصباح ص151 – البكاء/ بسمتك ص186-187 – تجيئين/تمضين 188 .  

 

       طباق الإيجاب

 

بهذه الكثافة يتشكل الطباق في الديوان من أول قصيدة بالصفحة 11 إلى آخر قصيدة بالصفحة 188 ليساهم بدوره في تشكيل تميز هذا الصوت الشعري الجميل.
4- الجناس: Homonyme
الجناس هو ” أن تتشابه اللفظتان في الشكل الخارجي وتختلفا في المعنى، وإنما يأتي الأديب بهما هكذا ليثير السامع مرتين:
– أولاهما حين يوهمه للوهلة الأولى بأن المعنى فيهما واحد.
– ثانيهما حين تتنبه قدرات السامع لمعرفة المعنى المراد من الكلمة الثانية عندما يدرك أن المقصود بها معنى آخر. 5
يقول عبد القاهر الجرجاني ” ورأيتَ الآخر قد أعاد عليكَ اللفظة، كأنَّه يخدعُك عن الفائدة وقد أعطاها، ويوهمكَ أنَّه لم يزدْكَ وقد أحسنَ الزِّيادة ووفّاها (…..) ولهذه النكتة كان التجنيسُ وخصوصا المستوْفى منْـــه من حِلى الشِّعر.” 6
ولا يَقلُّ الجناسُ من حيث الكثافةُ عن الطباقِ في ديوان ” سحابة طيف” وهو موزع على جلِّ القصائد وقدْ نجدُه كثيفا في أصغر المقاطع كما في الأسطر الخمسة التالية:
..إلى ضِفَّةٍ في السَّماءِ
فَتَعْبرُكِ السَّابِلَهْ
تَنْظرينَ
إلى نَجْمةٍ في المساءِ
فَتورِقُ قافِيةٌ ذابلهْ. (ص 88)
في هذا المقطع جناسان الأول : السماء /المساء، والثاني السابلة/الذابلة. هذا ولا نلاحظ استثقالا في هذه الأسطر، ذلك أن الشاعر لا يتصنع ولا يقصد إلى اجتلاب الجناس فهو يأتيه رهـــوا . يقول عبد القاهر الجرجاني: ” أحْلى تجنيسٍ تسْمعُه وأعْلاهُ، وأحقُّهُ بالحُسنِ وأوْلاهُ ما وَقَعَ منْ غيرِ قصدٍ منَ المتكلمِ إلى اجْتلابِهِ وتَأَهُّبٍ لِطلَبِهِ” 7
أما ما تبقى من الجناس فسنجرده كاملا لنقف على حضوره الكثيف في الديوان:
الجريحَة: القَريحة ص5/ عَزْفٌ: نزْفٌ ص 11/ كأْسٌ : بأسٌ ص13/ نشيدٌ : شريدٌ ص 15/ مَكان : كَمان ص 18 مكرر 114/ السَّماء : المَساء ص19 مكرر 99/ حنيني: أنيني ص24/ وجْها: وهْجا ص 26/ بَعْدَ : بُعْدٌ ص 27/ القَريب : الغَريب ص 32/ المدار : الدمار ص 34/ فيّا : وفيا ص 49 / بعيد: بريد : وريد ص 53/ جديد : شديد : شريد ص 54/ غائر: طائر ص 58/ بهاء: هباء ص 60 / سِواه : هَواه ص61 / غَريق: حريق: طريق ص 6_64 مكرر ص117 / قَهْرا: دَهْرا ص 68/ تَتَألم : تَتَكَلَّم ص 71/ أشيائي: أشلائي ص 80/ ظنوني : جُنوني ص 84/ ذابِلَة : سابِلة ص 88/ السَّنَّد : السَّهَد ص 95/ يراع : شراع ص 107/ اخْتفى: انْتفى ص 109 / الجميلة : الخميلة ص 115/ المنايا: المرايا ص 122/ قليلا : عليلا ص 125/ قهرا : قَسرا ص 131/ السمع : الدمع ص 137 / ذاكرة : ماكرة ص 149/ غابرة : غائرة : غادرة ص 150 / وصال : نصال ص 158 / يرن : يئن ص 161/ حريق : طريق ص 162/ أتأمل : أتألم ص 165/ غدي : يدي ص 165/ أرهقني : أرقني ص 167/ شديد : جديد ص 172- 173/ الظليل : الدليل ص 179 /طويل : عويل ص 181/ قنديلا : منديلا ص 183/ قهرا : دهرا ص 186 .
في الديوان أربع وستون قصيدة اشتملت على خمسة وأربعين جناسا، وهي كثافة لم يسبق لنا أن وقفنا عليها في أي ديوان أو تجربة شعرية أخرى. وهذه الكثافة – كما قلت سابقا – لا تشعر القارئ بالملل أو الرتابة والاستثقال بل تستدعي منه التأمل في كيفية استحضار هذه المتجانسات لتشكيل القصائد. إن بعض هذه الجناسات تفاجيء القارئ من حيث لا يحتسب كما في المقطع التالي :
شارِدا
أَتَأَمَّلُ لَونَ غَدي
أَتَأَلَّمُ بَينْ يَدٍ وَيَدي . ص165

5- الإيقاع Rythme:
بالإضافة إلى الإيقاع الداخلي الكثيف الذي اشتملت عليه قصائد الديوان من تكرار متنوع للأصوات والكلمات والجمل والصيغ الصرفية والتوازي؛ يتصرف الشاعر علي العلوي في هذا الديوان، كما في دواوينه السابقة، مع الإيقاع تصرفَ الخبيرِ به علما وحسا؛ فهو يعمد في كثيرٍ من الأحيان إلى زحافات وعلل ليطوع العروضَ للفكرةِ التي يودُّ التعبير عنها. وسأشير هنا إلى مجموعة من الملاحظات تحسن الإشارة إليها للوقوف على ما نقول، وهي :
أ‌- أن الشاعر علي العلوي في هذا الديوان كتب القصائد التفعيلية والعمودية؛ وفضَّل كتابة الأخيرة على شكل أسْطرٍ كما يُكتب الشعر التفعيلي، ولأن الشاعر يحتفي كثيرا بالقافية في كل قصائد الديوان تشابه لديه الشكلان فلا يُميِّـزُ بين العمودي والتفعيلي إلا مَنْ له حس عروضي راق. فهل مقصود الشاعر أن “يسبغ اللُّبْس” على الشكل أيضا بعد أن لف به مضمون كل القصائد ؟
من ذلك قصيدة حُلْمٌ وَكَـلِمٌ (ص 58) التي أعدنا كتابتها وفـق الأشطر فحصلنا على أربعة أبيات على بحر الرمل :
لمْ أكُنْ أعْلــَـــــــــــــــــمُ أنِّي شاعِــــــرٌ فَرحـــــــي حــُــــزْنٌ وحَـــــــــــــــــــــــرفي ثَائــِــرُ
أَحْمِلُ الرِّيحَ وَأمْضي شارِداً لا مَـــــــــــــــــــــــــدى لــــــي وَأنيـــــــني غَائِــــــــــرُ
قالَ عَنّي الْحِبْرُ إِنّي ساحِــــــــــرٌ جَسدي نِصْفي وَنِصْفي طائِرُ
كُلُ ما حَوْلي تَهادى مُفـْــــــــــرداً وَالصَّدى صَمْتٌ وَصَوْتٌ فاتِرُ .
ومن ذلك أيضا قصيدة “لحن المحن”( ص46) العمودية التي كتبها الشاعر في شكل أسطر أيضا على بحر الكامل الأحذ وهو الذي أصابت علَّةُ الحذذ عروضه وضربه ( إسقاط الوتد المجموع من آخر التفعيلة ) وهـــــي :
وَحـْـــــــــــــدي أَنا أَرِثُ الْهـــــــــــــوانَ هُنا وَصَـــدى الْقَصيدِ يَزيدُني وَهَنا
اَللَّيـــْـــــــــــــــلُ يَأْخُـــــــــــذُني إِلى أَرَقــــــــــــــــــــــــي وَالصُّبْـــــحُ لَيــْـــــــــلٌ زادَنـــــــــــــــي شَجَنا
اَلْوَقْتُ يُسْلِمُـــــــــني إِلى قَلـَــــــــــــــقـــــــــــــي وَالْوَقْتُ صَمْتٌ كـــانَ لي سَكَنا
وَحْـــــــــدي أَنــــــــــــــــــا أَتَجـــَــــــــــــــــــرَّعُ المِحَنا أَتَأَمَّــــــــــــــلُ الْجُـــــــــــــدْرانَ وَالــــزَّمَنـــــــــــا
لا صَوْتَ لي وَالرُّوحُ قَــدْ رَحَلَتْ عَنِّي وَوَحْـــــدي أنْسُـــــــــجُ الْكَفَنا
أَمْضي إِلى حَيْثُ اسْتَوى حُلُمي فَأَعودُ كَـــــيْ أَسْتَـــــوْطِنَ الْبَدَنا
في الديوان عشرون قصيدة خليلية برع الشاعر في نسج إيقاعها ندرجها في الجدول التالي:

                                                                                                        

        القصيدة العمودية        بحــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرها
“لحن المحن”

سِفر السفر

حُلْمٌ وَكَـلِمٌ

حلم بحجم الجرح

نداء الدّاء

البريد البعيد

سهد في المهد

سكون في جنون

حوار بين الأسوار

طيف الطريق

لقاء بلون المساء

سند بلا عمد 

غريب في المغيب

يراع وشراع

ألم من عدم

الفناء في الماء

غريق في حريق

حزن بلا لون

رثاء في العراء

وهج الشبه

 الكامل الأحذ

الخفيف

الرمل

الرمل التام

الكامل

الوافر

الوافر التام

الرمل التام

الوافر

الوافر

الوافر

الكامل الأحـذ

الوافر

الرمل

الرمل المجزوء

الوافر

الوافر

الوافر

الرمل التام

الرمل المجزوء

 

يشمل الجدول أعلاه على عشرين نصا عموديا، وما يستدعي الانتباه هو الاستعمال النادر لبعض البحور مثل الوافر التام، والرمل التام، والكامل الأحذ. فالمشهور أن يُكتب على الوافر ذي العروض والضرب المقطوفين (فعولن)؛ لكنَّ الشاعر يأتي بهما تامين (مُفاعَلتُنْ). وأعتمدَ الرمل التام، والمشهور اعتمادُه محذوفَ العروض والضرب (فاعلن)؛ لكن الشاعر يركبه تاما فيأتي بالعروض والضرب تامين (فاعِلاتُن). كما أن المشهور في بحر الكامل أن يعتمد تاما (متفاعلن متفاعلن متفاعلن)؛ إلا أن الشاعر يعتمده أحذَّ بإدخال علَّةُ الحذذ على عروضه وضربه فيصبحان (مُتَفا: ///0).
هكذا يتصرف الشاعر علي العلوي في البحور الخليلية تصرفا واعيا وفق قواعد العروض وينوع فيها من بحور تامة إلى مجزوءة وغيرها.
ب – القافيــــة : الشاعر علي العلوي في ديوان “سحابة طيف” مولع بالقوافي الموحدة، التي تضع نقطة نهاية السطر الشعري أو الجملة الشعرية وتشكل ما يسمى الوقفة العروضية . يقول :(ص 61-62)

لَـمّـا أُكَلِّمُهُ
يُكَلِّمُـــــــنــي سِواهْ …………………………………….. – ( نـي سواهْ : /0//00)
لَـمَّا أَراهُ
أَرى يَدا تَشْدو بِما خَطَّتْ يَداهْ ……………. – ( طَتْ يداهْ : /0//00 )
سَيَكونُ مَنْ
هَذا الَّذي ذَبُلَتْ مَلامِحُهُ
وَذابتْ في هَواهْ؟ ………………………………….- ( في هَــــواهْ : /0//00 )
سنكونُ منْ
نَحْنُ الذينَ تَلُفُّنا ذِكرى صِباهْ؟ …………… – ( رى صِباهْ : /0//00 )
سَأَمُرُّ مِنْ حَيْثُ انْتَهى
كَيْ أَرْسُمَ الْوَشْمَ الَّذي
غَطّى الْجِباهْ…………………………………….. – ( طــى الْجِبـــاهْ : /0//00 )
سَأَمُرُّ وَحْدي
طالَـما أَنِّي أراهْ. …………………………………….. – ( نـــــي أراهْ : /0//00 )

هذا نموذج من القوافي الموحدة التي يعتمدها الشاعر علي العلوي في أغلب قصائد ديوان “سحابة طيف”. والوقفة العروضية كما هو معلوم تضع نهاية للسطر الشعري أو الجملة الشعرية؛ ولم نقف على التدوير التام إلا في قصيدتين اثنتين على بحر الكامل الأولى “سر في الظل” (ص103 – 104) والثانية “آخر الطريق”.(183- 18). وسأعمد إلى كتابتهما- على التوالي- بالشكل الذي يوضح ظاهرة التدوير فيهما :
– القصيدة الأولى: وتتألف من إحدى وعشرين تفعيلة :

اَلـْمَــــــــــوْتُ أَقْــــــــــــرَبُ مِنـْــــــكِ أَوْ مِنـِّـــــي إِلــــيَّ وَوَحْـــدَها الْكَلِمـــــــاتُ مــــا يَبْكي عَلـــــــــَيَّ أَمـُوتُ …
أَنْهَضُ مِـــــنْ سَريــــرِ يـَـــدَيَّ لا أَلْقـــاكِ لَسْـــتُ أَراكِ أَتْبَـــــــــعُ ظِــــلَّ طَيْفـــِكِ ثُـــــــــــــــــــمَّ أَبْعَــــــــثُ
سِرَّكِ الْـمَدْفونَ فِيَّ فَهَلْ أَنا الْـمَقْتولُ أَوْ أَنا قاتِلُ الذِّكْرى بِنارٍ أَلْهَبَتْ وَجَعي مَلِيًّا.

– القصيدة الثانية: وتتألف من تِسْعٍ وعشرينَ تفعيلةً :

لِلْوَهْلـَــــــةِ الأولى حَبَسْتُ بِطاقَتــي في فَتْحَةِ الشُّباكِ ثُمَّ سَحَبْتُ قِنْــــديلا وَمِنْـــــــديلا وَباقاتٍ مِنَ الأشْواكِ. قَدْ كانَ الرَّصيفُ مُرَصَّعا بِالثَّلْج وَالطُّرُقاتُ كانَتْ نُقْطةً في الموجِ والأطْفالُ كانوا يَعْبُرونَ وَيَلْعَبونَ بِكَوْمَةِ الأسْلاكِ. أَجْبَرني المساءُ عَلى الرُّجوعِ بِمُفْرَدي فَرَمَيْتُ ما بِيَدي فَمِتُّ عَلى الطَّريقِ كَآخِرِ النُّسّاكِ.
وباستثناء هذين النصين المدوَّرين، وقصيدة واحدة عثرنا بين أسطرها على جملة شعرية طويلة من تسعَ عشرةَ تفعيلة هي “الموت في الصمت” (ص133)؛ يغلب على الديوان السطر الشعري غالبا، والجملة الشعرية القصيرة أحيانا، وكلاهما – كما قلت آنفا- ينتهي بالوقفة العروضية .
وإذا تأمَّلنا النصين المدورين أعلاه فسنجدهما لا يحتفيان بما احتفت به قصائد الديوان من كثافة الانزياح والطباق والجناس والتكرار، وكأن براعة التدوير شغلت الشاعر وصرفته عن الصنعة والتطريز اللغوي.
ج‌- زحاف الخرم : .
وهو حذف أول الوتد المجموع وقد اعتمده الشاعر في بداية بعض المقاطع مثل المقطعين التاليين وهما على بحر الوافر (مفاعلتن):
– يَنْتَحِرُ الْكَلامُ أَمامَنا
والدَّمْعُ يُلْهِمُني الْبُكاءَ عَلَيْكِ…….
(……………)
– مُرْتَبِكٌ أَنا
تَتَساقَطُ الأوْراقُ في جَفْنـــــــي……. (ص186 187)
إن اعتماد الشاعر علي العلوي الخرم وغيره من الزحافات والعلل، كما رأينا في القصائد العمودية والتفعيلية، يدل على مُكْنَتِه العروضية التي تجعله يطوع العروضَ لأفكاره وانزياحاته الجميلة.
هذا هو الشاعر علي العلوي الذي يراهن في هذا الديوان على خوض مرحلة شعرية جديدة تؤكد تفرد صوته الشعري منذ ديوانه الأول “أول المنفى”(9)، كما يؤكد صموده في وجه قتامة الواقع وأحزانه بأشعاره وعناده وحلمه الذي يجتاح دمــه :
أَشْرَبُ الْجُرْحَ
وَأَشْقى في سُكوني
وَأَشُقُّ الْبَحْرَ بِالموْجِ الْعَنيدِ.
ما يَزالُ الْحُلْمُ يَجْتاحُ دِمائِي
وَدَمي يَسْأَلُني هَلْ مِنْ مَزيدِ. (ص56)

………….

الهوامــــش:
– * علي العلوي – كتاب الرافد ع 125 – دائرة الثقافة والإعلام – الشارقة – 2016.
1- ريفاتير/ عبد السلام المسدي- الأسلوبية والأسلوب- الدار العربية للكتاب – تونس ص103
2- عبد الحميد محمد. في إيقاع شعرنا العربي وبيئته، دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر، الاسكندرية، ط1 ، 2005، (ص:73).
3- ” الاستبدال هو إحلال عنصر لغويٍّ محلَّ عنصر لغوي آخر” : رمضان عبد التواب : المدخل إلى علم اللغة ومناهج البحث اللغوي مكتبة الخانجي القاهرة – ط3 1997/ ص239 .
4- عبد الجليل يوسف، علم البديع بين الاتباع والابتداع: دراسة نظرية وتطبيقية/ الاسكندريةن ط 1 2007 . ص109 )
5- محمد سلطاني، البلاغة العربية، في فنونها، ( البديع والبيان) ط1 دمشق، دار العصماء، ص55
6- دلائل الإعجاز – تعليق وشرح محمد بن عبد المنعم خفاجي (ط1) 1969 القاهرة – مكتبة القاهرة. ص342.
7- أسرار البلاغة- علق حواشيه : السيد محمد رشيد رضا (ط1) – بيروت – دار الكتب العلمية- 1988 – ص7.
8- انظر مقالنا : (سمات التميز في ديوان “أول المنفى” ) – تجاعيد الموت والبعث : قراءات في أشعار علي العلوي- (كتاب جماعي ) مطابع الأنوار المغربية /2010 / إعداد وتقديم : رشيد بالمقدم.

مقالات من نفس القسم