جابر عصفور: جلطة المخ وموت ابنتى ماسأة.. لكن محمود درويش علمنى أن أحدق فى الموت 

جابر عصفور
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

حاوره: البهاء حسين

تصوير: أيمن حافظ

إلى وقت قريب كان جابر عصفور هدفاً للنفاق، واليوم يلزم الرجل بيته بعيداً عن الكرسى، مكتفياً بما يكتبه. ولعله، وهو يحصى أرباحه، يستشعر أنه كان فى الجانب الخاسر. فى العزلة لا يمكن أن نغالط أنفسنا بشأن خياراتنا !

ذهب عصفور خلف أحلامه وراح يغذيها بطريقته. والمفارقة أن ما انتظره، بفارغ الصبر، حصل عليه فى ظرف صارت فيه الأحلام أشبه بالذنوب، بحيث لا يمكنك التسامح أو النسيان.               

ليس الفعل السيئ هو الذى ينتقم منك، كما يقولون، بل العواقب. وقد ترك عصفور مواقف وتقلبات شائكة جعلت كثيرين كلما نظروا فى عشه رأوا أخطاء تفقس!

جابر، منذ تولى المجلس الأعلى للثقافة عام 1993، إلى أن قدم استقالته كوزير، 9 فبراير 2011، ظل يخصم من رصيد الناقد لصالح السياسى. والحاصل أن الناقد كشّ، أى انكمش ولم يعمر السياسى أكثر من أسبوع.

على أن السؤال الكبير المعلق فى رقبة عصفور هو.. إلى أى حد يحق له أن يخذل جماعته ويتحدث مع ذلك باسمها، يستأنس المثقفين ويتغزل باستماتة فى التنوير. ولقد كنت واضحاً حين قلت له: الجميع تقريباً غير راضين عن عملك. وأضفت.. كان بإمكان نباهتك أن تكسب أكثر لو أنك ظللت فى الشارع، ولم تخاصم ما خلق المثقف لأجله.. الوجود على يسار النظام. وبدوره استمع الرجل بهدوء لأسئلتى وراح يجيب عنها بثقة.  لم يستوح عصفور سلطته القديمة، ولم يلوح بها، بل أخذ بفم صائم يسترسل فى جرد العهدة :

– جابر عصفور، طوال عمره، كان على يسار الفكر الليبرالى، وعندما قبلت العمل فى المجلس الأعلى للثقافة، قبلت بهذا المنطق وظللت عليه، ولا أدل على ذلك من شيئين: الأول مقالاتى المنشورة فى الأهرام، لكننا بكل أسف ننسى، آفة حارتنا النسيان، على رأى نجيب محفوظ. هذه المقالات كانت ضد النظام القديم وقد ارتفعت حدتها على نحو شديد جداً بعد تزوير الانتخابات التى أدت إلى الإطاحة سريعاً بالنظام. من يقرأ ما كتبته قبل هذه الانتخابات وبعدها، وبالذات ما كتبته يوم 24 يناير 2011، يجد فى هذا المقال ما يشبه تنبؤاً وإرهاصاً بالثورة. الشىء الثانى أنه لم يحدث على الإطلاق أن تقربت من أحد أو جاملت أحداً من هذا النظام، ابتداء برئيس الدولة مروراً بزوجته، وانتهاء بالوزراء. لم يحدث ذلك قط، بالعكس أنا كنت ضد، وإلى آخر مدى، ترشيح المسؤلين فى جوائز الدولة، وظللت على هذا الموقف إلى النهاية. لدرجة أننى عندما كنت أميناً للمجلس الأعلى للثقافة لم يستطع فتحى سرور بجلالة قدره أن يحصل على جائزة مبارك وحصل عليها يونان لبيب رزق..

* هل كان لك دور فى ذلك؟

– طبعاً

* كيف؟

– لم يكن دورى هو التحريض على المنع، لكن كان هناك موقف وأنا ساندته.. أنه  لاينبغى أن تعطى جوائز الدولة للمسؤلين، وعلى هؤلاء أن يتنحوا عنها. كان أكره شىء بالنسبة لى أن يتقدم أحدهم للحصول على جائزة من جوائز الدولة

* كيف تنظر خلفك؟

– أنظر خلفى بفخر، لأنى لم أفعل شيئاً أندم عليه. وتذكر يا سيدى أننى عندما أصبحت أميناً عاماً للمجلس كانت مصر معزولة ثقافياً، تركت المجلس وأسست المجلس القومى للترجمة فأصبحت مصر هى مركز العالم العربى الثقافى

جابر عصفور

* ألم يكن المجلس القومى للترجمة مكافأة لك من النظام، بعد خروجك للتقاعد؟

– غير صحيح، لأن هذا الإنشاء تم بعد عراك سنوات كثيرة، وأذكر جيداً أنه فى كل مرة كان يعرض فيها إنشاء مركز مستقل للترجمة، كان يوضع فى جدول ما يستجد من أعمال، وعادة لا يلتفت إليه. فقد كان وزير المالية يوسف بطرس غالى معارضاً له. ولا أنكر أنى استعنت بالسيدة سوزان، لكى يرى هذا المركز النور، وقد تم. حاسبنى إذن على ما أنجزت لصالح الثقافة المصرية. أنا لم أكن أعمل عند النظام، بل كنت أعمل فى الثقافة المصرية ومن أجلها، وإلا فقل لى: من الذى فتح المجلس الأعلى للثقافة لكل المثقفين العرب بلا استثناء، ودون أن يستبعد أى تيار سياسى؟! من الذى جعل المجلس ساحة مفتوحة حتى للتيارات الإسلامية؟! ما أكثر ما دعوت سليم العوا وغيره، ليحضروا ويشاركوا فى مؤتمرات المجلس؟!

* ألم تمل عليك الظروف، كموظف، اتخاذ قرارات لم تكن راضياً عنها كمثقف؟

–  كان الموقف بالنسبة لى محسوماً.. استقالتى فى جيبى، وإذا اصطدمت بشىء ينقض قناعتى، سأقدمها، كنت أعرف منذ البداية أن طالب الولاية لا يُولى، وأن أبنائى وأحفادى والتاريخ سيحاسبوننى ذات يوم، فكنت أعمل وعينى على هذه اللحظة، وها أنا ذا أجلس أمامك بثقة، دون أن أحس بالضعف أو بالندم. بالعكس كل ما فعلته شىء مشرف، أنا وكل من عمل معى، وعلى رأسهم مساعدى الأول د عماد أبو غازى، وزير الثقافة الآن، لم نفعل شيئاً نندم عليه. عندما أنشىء المركز القومى للترجمة، وأشكر سوزان مبارك على أنها فعلت ذلك، لم يسم المركز باسم مبارك، كما فعل كثيرون !

* لكن مهمتك الرئيسية، بالتعاون مع فاروق حسنى، كانت إدخال المثقفين حظيرة الدولة، وقد نجحتم.. مرة بالجوائز والسفر وعضويات اللجان..إلخ، ومن كان يستعصى على الاحتواء كان مصيره الاقصاء ! أنتظر تعقيبك !

– شوف، حاسبنى على شىء أساسى: هل أدخلنا مثقفاً قليل القيمة فى المجلس الأعلى للثقافة، كل أعضاء المجلس يشرفون مصر، بلا جدال، هل لديك شك فى قيمة بهاء طاهر، خيرى شلبى، مصطفى سويف، عائشة راتب. ألم يلفت نظرك أن أغلب هؤلاء كانوا يعارضون سياسة مبارك ! وعن نفسى كتبت، كما قلت لك ضد سياسته

* هل حدث أن جاءتك تعليمات بشأن هذه المقالات؟

– حدث أن كتبت أن مصر تعيش فى كارثة ثقافية، فتوهم الأستاذ أحمد نظيف بعقليته الكمبيوترية أننى أهاجم النظام، كأنى أهاجم فاروق حسنى، لأنه لم يكن يعرف أن كارثة مصر كارثة ثقافية.. أنت تريد أن تقنع فريقاً من الفرقاء.. جماعة الإسلام السياسى، بالديموقراطية، هم يقبلون الديموقراطية كلفظ، لكنهم لا يقبلونها واقعاً.. ما السبب فى هذا؟ أنه ليست لديك ثقافة سياسية ديموقراطية

* ممن عرفت رأى نظيف؟

– اتصل بفاروق حسنى، وقبلها اتصل به الشيخ محمد سيد طنطاوى، عليه رحمة الله، يشكو من نشرى مقالاً لمستعرب أمريكى عن قراءات القرآن فى مجلة ” فصول” !

جابر عصفور

* وكيف كان فاروق حسنى يتعامل مع هذه المواقف؟                                    

– كان الرجل، وهذا يحسب له، يفرق بين جابر الكاتب وجابر الموظف. كان من حقه أن يحاسبنى كموظف، مع أنه للحق وللتاريخ لم يقف ضدى موقفاً سلبياً قط، باستثناء مرة واحدة

* ما هى؟

– لما احتفلت مصر بمرور 200 سنة على الحملة الفرنسية، وكان رأيى أنه لا يمكن الاحتفال بذكرى استعمار، إنما يمكن أن نحتفل مثلاً بتاريخ العلاقات المصرية الفرنسية، لا بأس، لكن أن نحتفل بمرور 200 سنة على غزو فرنسا لمصر فهذه فضيحة. هنا اختلفنا بشدة

* حصل أن تقدمت باستقالتك فى واحدة من هذه الخلافات؟

– لم أصطدم بفاروق حسنى إلا فى النهايات وكان السبب مدير مكتبه، اختفلنا حول مصلحة المترجمين.. رأيت أن يحتفظ المجلس القومى للترجمة بحق النشر لمدة 5 سنوات، وإذا أردنا أن نعيد الطبع مرة أخرى، فمن حق المترجم أن يتقاضى أجراً على هذه الطبعة، لكن السيد مدير مكتب الوزير…

* فاروق عبدالسلام؟

– بما عرف عنه من فساد، وقف بشدة ضد هذا القرار، وللأسف أقنع فاروق حسنى بما أراد. لدرجة أننا احتكمنا لمجلس الدولة، مع ما يعنيه ذلك من ضياع للوقت، الأمر الذى استغرق سنة، لكن النتيجة جاءت لصالح المترجمين، أعطت فتوى المجلس حجية أنه لا يجوز لناشر أن يستخدم حق الترجمة أكثر من 5 سنوات !

* أعود إلى فاروق حسنى ما شهادتك عليه، للتاريخ؟

– للأمانة وللتاريخ أرى أن اسم فاروق حسنى يأتى بحروف بارزة، بعد ثروت عكاشة، أنا كنت داخل المطبخ وأعرف أن ما فعله هذا الرجل للثقافة المصرية كثير.. واحد: لم يحدث فى تاريخ الآثار المصرية أن رممت كماً وكيفاً بهذا الشكل. اتنين: ما أنشىء من مكتبات فى عهد فاروق حسنى يكاد يعادل ما أنشىء على مدى 50 سنة قبله..

* وماذا عن الحصيلة يا دكتور.. كنت مفكر الوزارة ومن يرسم استراتيجيتها؟

– ( مقاطعاً ) لم يكن فى سياسة فاروق حسنى إلا شىء واحد، لكن لم يكن هناك من ينفذه، وهو.. أن الثقافة الجماهيرية كانت وستظل خط الدفاع الأول للثقافة المصرية، لأن الثقافة الجماهيرية متغلغلة فى كل قرية ومدينة

* أعود إليك.. بدأت حياتك مناضلاً..؟

– ( مقاطعاً باستنكار ) ومن قال لك إننى توقفت عن النضال؟!

* ( دون التفات مكملاً السؤال ).. وانتهيت ببيع كرسى طه حسين فى مقابل كرسى الوزارة؟

– غير صحيح، الذى جلس على مقعد الوزارة هو جابر عصفور.. تلميذ طه حسين وبروح طه حسين، والدليل على ذلك أننى لم أستمر فى الوزارة أكثر من 8 أيام، وما جعلنى أبقى هذه المدة هو إنقاذ متاحف مصر، وكان معى مسؤول عن الأمن هو هشام فرج، هذا الرجل يستحق شهادة.. ظللت أنا وهو بدون نوم لمدة 8 أيام، لكى نحافظ على متاحف مصر من النهب. بعد حلف اليمين فوجئت أن هناك 10 قصور ثقافة ما بين تدمير أو حرق ونهب

* بهذا المعنى كان قبولك للوزارة بهدف حماية آثار مصر؟

– لا، أنا قبلت الوزارة بناء على جملة قالها لى أحمد شفيق.. إنت عندك مانع تساهم معانا فى إنقاذ مصر؟! من يمكن أن يرفض هذه الدعوة؟! قلت له: ليس لدى مانع بشرط أن تكون هناك وجوه جديدة، لكن الوجوه الجديدة للأسف كانت قليلة، وكان لا بد عند أول اجتماع لمجلس الوزراء أن يحدث الصدام

* ألم تفكر يا دكتور جابر بضمير المثقف أنك بقبول الوزارة تضفى نوعاً من الشرعية على نظام لم يعد شرعياً؟!

– سؤال: هل تصورت أنت أو أى أحد من الثوار، أن نظام مبارك يمكن أن يسقط بهذه السرعة؟ أنا شخصياً اعتقدت أننا لو استطعنا أن نقنع هذا الـ “مبارك ” بتشكيل حكومة إئتلافية تمثل كل القوى الوطنية وتكون نواة لإصلاح جذرى، لو تم ذلك كان يمكن لهذا النظام أن ينجو من نهايته المأساوية

* هل استشرت أحداً من الأصدقاء حين عرضت عليك الوزارة؟

– استشرت عدداً من الأصدقاء منهم عماد أبو غازى

* بماذا أشار عليك؟

– قال لى: المسألة متروكة لضميرك وما يمكن أن تفعله 

* وضميرك ماذا قال لك؟

– ضميرى قال لى: ما دامت المسألة تتعلق بإنقاذ مصر من أزمة طاحنة اقبل

* ألا ترى أن ذلك مجرد تسويغ أو تبرير لشىء تشعر فى أعماقك بخطئه؟!

– أنا لست صغيراً وقد حنكتنى الأيام، وبداخلى مثقف متمرد كان يشترط علىّ دائماً بألا أقبل بالدنية فى دينى، وعندما رأيت أن موقعى فى الوزارة سيكون تجميلاً لوجه نظام قبيح، قدمت استقالتى غير نادم

* ألم تكن ترى قبل الاستقالة وجه النظام؟

– كان عندى أمل فى أن الوجوه الجديدة يمكن أن تغير

* تشعر الآن بالندم على قبول الوزارة؟

– لا، لأن الأيام التى قضيتها فى الوزارة أتاحت لى أن أضع بدايات لتغيير العمل الثقافى، وهذه البدايات لحسن الحظ أكملها وأضاف إليها الدكتور عماد أبو غازى

* هل كان حسنى مبارك مهيأ لحكم مصر؟

–  لا لم يكن مهيأ، وللأسف هو لم يكن يحكم، كان الحاكم هو جمال مبارك وعصابته

* لم تجمعك علاقة بجمال؟

– قابلته مرة اقتنعت بعدها أنه لا يصلح لحكم مصر   

* ولو كان عرض عليك تثقيفه، هل كنت سترفض؟

– كنت سأرفض، لأن هناك من حاول وفشل ومنهم الدكتور أسامة الغزالى حرب 

* هل لأنه ميئوس منه؟

– ليس لهذا السبب، لكنه كان متورطاً فى مشروعات اقتصادية تجعله من عتاة الرأسماليين، ولهذا كان أصدقاؤه من رجال الأعمال الذين عقدوا زواجاً غير شرعى بين السلطة والثروة فكانت الكارثة

* وماذا عن سوزان مبارك؟

–  سوزان مبارك مثل زوجها، كلاهما له أوجه متعددة.. أكثر هذه الأوجه فاسدة، لكنى لم أعرف من سوزان مبارك ولا من حسنى مبارك إلا الوجه الطيب

* بأى شىء تدين لمبارك؟

– عندما عرف أننى مصاب بجلطة فى المخ أنقذنى وأرسلنى لأكبر متخصص فى فرنسا

* هل تعافيت من موت ابنتك؟

– لا، طبعاً

* كيف تصالحت مع موتها؟

– محمود درويش هو الذى علمنى أن أحدق فى الموت. الموت رهيب، لكن إذا حدقت فى عينيه ذهب خوفك منه

* ألست خائفاً منه الآن؟

– لا

* ماذا يعنى غياب الابن؟

– غياب الروح

* وما الذى يخيفك؟

– العجز، وأن تتحول مصر إلى دولة دينية، وإن كنت متأكداً من أن ذلك لن يحدث   

* بم تشعر لو عرفت أن أغلب المثقفين لا يحبون جابر عصفور؟

–  لا، سأقول لنفسى: هذه كذبة، لأنى أثق أن أغلب المثقفين يعرفون فضل جابر عصفور  

* هل تحققت نبوءة طه حسين بأنه سيكون لك شأن فى النقد الأدبى؟

– هذا هو الشىء الوحيد تقريباً الذى لا خلاف عليه بين أحد، ربما اختلف البعض معى فى الممارسة السياسية أو الثقافية، لكن فيما يتصل بإنجازاتى كناقد أدبى لا أعتقد أن هناك من يجرؤ على التشكيك فيها

* مع من تضع نفسك فى كفة واحدة؟

– مع جابر عصفور، مع احترامى لكل الآخرين  

* ثائر ديب يرى أن جابر عصفور رغم تعلقه بالحداثة، إلا أنه ما زال يكتب عن الماضى؟

– الكتابة عن الماضى ليست ضد الحداثة، بالعكس.. يمكنك أن تكون فى ذروة الحداثة وأنت تكتب عن الماضى، ومن يفهم الحداثة فهماً سطحياً هو من يعتقد أنها كتابة عن الحاضر، ثم إنى لا أكتب عن الماضى وحده، فكتابتى قسمة بين الماضى والحاضر

* هل اضطررت للتضحية بشىء، كى تصل إلى هدف؟

– ضحيت بوظيفتى كأب فى حالات كثيرة، لكن زوجتى تحملت هذه المهمة بشجاعة

* جابر عصفور هل هو ذكى؟

– لا أعرف

* محظوظ؟

– ممكن، وفى داخلى أشعر بأن الله لم يتخل عنى فى أحلك الظروف. يا أخى أنا مررت بكارثتين ما زلت إلى الآن أعجب كيف نجوت منهما.. جلطة المخ وفقد ابنتى      

* قل لى: كيف روضت الحزن؟

– الحزن رفيق الصبا

* ألا يوجد، أنا آسف فى اللفظ، بداخلك شخص انتهازى؟

–  كان بان عليّ

* السياسة بشكل ما هى ميدان قتال؟

–  طبعاً

* هل اضطررت لدخول معارك للحفاظ على موقعك، خاصة أنك عمّرت طويلاً فى الكرسى؟

–  لم تكن معارك، بل دافعت عن نفسى، وعلى فكرة لو كنت تركت لحالى، لحققت فى وزارة الثقافة أكثر بكثير مما فعلت. لكن لا تنس أن حزب أعداء النجاح موجود فى كل موقع

* أفهم من ذلك أن هناك من حاربك داخل الوزارة؟

– طبعاً، طبعاً

* من؟

–  لا داعى للأسماء

* سمعت أن شجارات كانت تقوم بينك وبين سمير سرحان فى الجلسات الخاصة على من يخلف منكما فاروق حسنى؟

– لم يحدث، وبالمناسبة سمير سرحان نفسه قال إنه كان طموحاً جداً للوزارة، وأكمل: لكن عندما كبرت كبرت عن هذا الطموح

* ما الذى لم يتحقق بعد من أحلام جابر عصفور؟

– أن أكمل ما بدأته، منذ أن قدمت استقالتى من الوزارة قررت أن أتفرغ لمشروعاتى العلمية   

* وأنت تقدم استقالتك من الوزارة، هل شعرت بأنك غسلت يديك من دم الشهداء؟

– لا، شعرت أننى فعلت شيئاً إيجابياً من أجل هؤلاء الشهداء، لأنى أثرت معركة هائلة فى مجلس الوزراء بسبب هؤلاء الشهداء ولم يساندنى سوى مشيرة خطاب، حتى زاهى حواس وقف يتفرج ولهذا أنا زعلان منه 

* فساد مبارك الذى تندد به الآن، ألم يرشح فى وزارة الثقافة؟

– قدمت فى حق فاروق حسنى شكاوى كثيرة ولم يثبت أى منها. فاروق، وكنت أعرف خصوصياته، رجل نظيف اليد، وما نهب من الوزارة لم يكن بسببه أو بعلمه، وحدث ببراعة منقطعة النظير 

* ألم تكتب شيئاً من خطب مبارك أو بياناته أثناء الثورة؟    

– على الإطلاق

* أعود إلى مقولتك أن كارثة مصر كارثة ثقافية، ألم تكن أنت، وسامحنى على التعبير، جزءاً من هذه الكارثة؟!

– أنا لم أكن جزءاً من الكارثة، بل كنت أحاول الحل، لكن لا يمكن لأحد فى وزارة الثقافة، حتى الوزير لا يمكن له أن يحل مشكلة مصر الثقافية، لماذا؟ لأن ثقافة مصر أشبه ما تكون بطائر جسده هو وزارة الثقافة، أما جناحاه فهما: أولاً.. التعليم والإعلام، والإعلام بالمناسبة أهم من الثقافة، ثم تأتى بعد ذلك وزارة الثقافة والأوقاف وبقية الوزارات بأدوار ثانوية. الجناح الثانى هو مؤسسات المجتمع المدنى. لو أن جسد الطائر شغل العقل واستبدلت التالف منه بقطع قوية، وغيرت وبدلت فى الجسد  وحركة الجناحين وإرادة الطائر، ساعتها يمكنك أن تنقذ مصر ثقافياً   

* لكن، رغم وجودك 18 سنة فى الوزارة وبقاء فاروق حسنى على رأسها لمدة ربع قرن، لم تسهموا فى عملية الإنقاذ هذه؟

– قلت لك إن المسألة متكاملة، ويا ما قلت لفاروق حسنى هذا الكلام وكان مقتنعاً به تماماً

* إذن لماذا لم ينفذه؟

– لم ينفذه، لأنه ليس جهة التنفيذ، أنت تريد قراراً سياسياً، لتنقذ مصر من الكارثة

* لماذا لم تحاولوا توصيل ذلك للرئيس السابق؟

– حاولنا

* وبماذا أجاب؟

– سألنى : وما الحل، فشرحت له ما ذكرته لك

* ثم؟

– لم يسفر الأمر عن شىء، قال لى.. والله معك حق

* وماذا قال لك حين طلبت منه الاستقالة من رئاسة الحزب الوطنى؟ وفى أى ظرف حدث ذلك؟

– طلبت ذلك فى مقالات الأهرام، لكن يبدو أننى كنت أطلب المستحيل

* إذن لم تطلب منه الاستقالة أمام أحد؟   

– طلبت ذلك أظن فى آخر اجتماع له بالمثقفين، وفى أكثر من مكان

* والرد؟

– التجاهل

* أراد عدد من المثقفين تدعيم موقف صنع الله إبراهيم بعد رفضه للجائزة ببيان، لكنك اتصلت بهم وهددتهم، كى يتراجعوا عن هذا البيان؟   

– غير صحيح، ولعلمك مكانة صنع الله فى نفسى لم تتزعزع أدبياً ونقدياً، لكن ما أغضبنى هو الخديعة

* فى تعقيب له على ذلك قال.. هم ( يقصد النظام ) خدعونا لمدة 30 سنة، ما يجراش حاجة لما نخدعهم لمدة 3 أيام !

– لكنى لم أكن أمثل السلطة، واللجنة التى رشحت صنع الله إبراهيم من كبار نقاد العالم العربى ومبدعيه، وهؤلاء لا يمثلون مبارك، وعلى فكرة قبل أن تسألنى: كانت هذه هى مبرراتى لقبول جائزة القذافى، القذافى لم يعطنى الجائزة من جيب أبوه، الذى منحنى الجائزة لجنة تحكيم عربية وعالمية محترمة

* ( بخبث ) على كل حال أنت تنازلت عنها؟

– تنازلت عن اسمها

* لكنك لم تتنازل مادياً؟

– لأ، مادياً لا

* وليس فى نيتك طبعاً؟

– إذا ثبت لى أنها من جيب القذافى

* قيل إن إبراهيم الكونى، الروائى الليبى الذى حصل على جائزة الرواية العربية، وقف وراء فوزك بهذه الجائزة كنوع من رد الجميل؟

– من يقل هذا الكلام إما أبله أو جاهل. لأن جائزة الرواية فى مصر تشرف بأن يحصل عليها إبراهيم الكونى، وجائزة القذافى أو غيرها من الجوائز تشرف بأن يكون الحاصل عليها هو جابر عصفور        

* كيف ترى جمال الغيطانى؟

– من أحسن وأعظم روائيينا ومثقفينا

* يبدو أنكم فى هدنة الآن؟

– الغيطانى كان دائماً على خلاف معى حول قضية واحدة، وأظن أننا ما زلنا مختلفين حولها، وهى أن الإسراف فى المهرجانات تبديد لأموال الشعب، وكان من رأيى أن مصر من أقل الدول فى إقامة المهرجانات، اتنين: أن هذه المهرجانات فرصة ليتعرف المثقفون المصريون على نظرائهم فى العالم

* ما رأيك فى صبرى حافظ؟

– صبرى حافظ واحد من أهم النقاد فى العالم العربى، لكنه يفسد هذا النقد بتصرفات لا يمكن أن توصف إلا بأنها خيانة لقيم حقيقية

* مثل؟

– موقفه من نجيب محفوظ، صبرى كتب، نتيجة صلاته العراقية، مقالاً من أسوأ ما يمكن، يكيل فيه السباب لمحفوظ فى مجلة الأقلام العراقية. وأنا أعرف أن نجيب محفوظ تأثر جداً بهذا المقال لدرجة أنه كاد يبكى. اتنين: صبرى عندما يجد مصلحة فى شىء يمالئ صاحب المصلحة إلى أبعد حد. فعل هذا مع فاروق حسنى، ومعى عندما كنت أميناً للمجلس الأعلى للثقافة. ما أكثر ما كنت أدعوه، من لندن، فى كل مناسبة لا لأنه كان صديقى، إنما لأنه ناقد كبير يستحق. وقد لامنى كثيرون على الحفاوة به

* فؤاد زكريا؟

– رجل فاضل جداً وكانت تربطنى به علاقة حميمية، رغم إساءته إلىّ نتيجة سوء الظن

* كيف أساء إليك، ثم ألم تلعب دوراً فى عدم حصوله على جائزة مبارك؟

– على الإطلاق، لا والله، بالعكس أنا كنت أتمنى أن يحصل عليها

* لكن قيل إنك كنت سبباً فى عدم حصوله عليها، لأنه لم يوافق على نشر كتاب لك فى سلسلة “عالم المعرفة “، معللاً ذلك بضعف الترجمة؟

– غير صحيح، بالعكس فؤاد زكريا كان يرى أننى أترجم أفضل من أساتذة قسم الإنجليزى، وعلى فكرة هو راجع الفصول وكان شديد الإعجاب بها، وعندى تعليقات بخطه تؤكد هذا. لكن لم يكن هذا هو السبب، السبب فى عدم نشر الترجمة أمران.. أن كتاب ” عصر البنيوية ” كان فيه فصلان.. واحد عن لوي ألتوسير وهو ماركسى، والثانى عن ماركسى قديم هو الآخر، فقال زكريا إن هذا سيحرجه مع شيوخ الكويت، ومن ثم طالبنى بحذف الفصلين، لكنى رفضت ونشرت الكتاب فى بغداد       

* وكيف أساء لك؟   

– مرة فى حوار له أعلن أن محمود أمين العالم كان عضواً فى لجنة التحكيم وأعطانى جائزة العويس مجاملة، وهذا غير صحيح. وأغلب الظن أن أحداً ما نقل له ذلك وهو صدق، لأن زكريا كان فى هذه الفترة مريضاً. وقد رددت عليه بعنف، وهو بدوره غضب من ردى وردها لى فى معركتى مع عبدالعزيز حموده. اتهمنى فؤاد زكريا بتتبع الأثر البوليسى، لأننى أحصيت بدقة سرقات وأخطاء حمودة      

* ما هذه السرقات والأخطاء؟ ولماذا لم تظهرها إلا بعد أن هاجمك حمودة؟

–  لا علاقة لهذه الأخطاء بالهجوم علىّ، أنا كنت أعرف أن عبدالعزيز حمودة، رحمة الله عليه، لا يعرف شيئاً من هذه الأشياء. كان الرجل مشغولاً بجمع المال، لكنه التحق بالرايجة فقرر الهجوم على الحداثة، فكتب كتابه الذى يواجه فيه الحداثة والنقاد المحدثين، لا بأس.. هاجم كما تريد، لكن لا تهاجم بناء على افتراءات، ومغالطات، لا تفعل ذلك بطريقة تنقصها الدقة العلمية

* صافى ناز كاظم؟

– ليس بينى وبينها، إلا كل ود، حتى وإن كانت تهاجمنى أحياناً بسبب ما تراه فىّ من اتجاه علمانى  

* ويوسف البدرى؟

– يوسف البدرى ودانى المحكمة بسبب أننى فى تقديره من العلمانيين. وأنا رجل مسلم وأشهد أن لا إله إلا الله، رغماً عن أنف يوسف البدرى وصافى ناز كاظم

* أحمد عبدالمعطى حجازى؟

– كانت بيننا خلافات، لكنها انتهت ونحن الآن سمن على عسل

* المجلس القومى للمرأة، ما مبرر وجودك به؟

– دخلت المجلس إيماناً منى بأن المرأة العربية بشكل عام مظلومة، وكنت ممن حرضوا بالمناسبة على إنشائه، عندما أقمت احتفالاً كبيراً جداً بمرور مأئة عام على كتاب ” تحرير المرأة ” لقاسم أمين، ودعوت فيه كل ممثلات الحركات النسائية فى العالم العربى. وكان من الطبيعى أن أدعو عن طريق فاروق حسنى السيدة الأولى لافتتاح المؤتمر. وجاءت وفوجئت بنجاح المؤتمر، ومن هنا كانت فكرة إنشاء مركز قومى للمرأة. وكان من الطبيعى بعد هذا النجاح أن تفكر السيدة سوزان مبارك، التى لم تكن تعرفنى إلا فى هذه المناسبة، فى وضع اسمى ضمن المؤسسين للمجلس، ومن ثم توليت فى السنوات الأولى لجنة الثقافة والإعلام، لكن سُحب الإعلام من الثقافة بتدخل من صفوت الشريف

* إلى من ذهب الإعلام؟

– لزميل كان عميداً لكلية الإعلام، ثم بعد ذلك أنا أخذت ” شلوت لفوق ” بسبب السيدة التى كانت مسؤلة عن المجلس

* فرخندة حسن؟

– نعم، لأنى لم أكن طيعاً كما تشتهى، ولهذا أخذت شلوت لفوق فأصبحت عضو اللجنة المركزية، وهذه لجنة استشارية لا فاعلية لها إلا الاجتماعات اليومية

* وما الدافع وراء تصرف الشريف؟

– لأنى كنت ضد الإعلام وضد صورة المرأة فى الإعلام

* ألم يكلمك بشكل مباشر؟

– صفوت الشريف، فيما أعرفه عنه، لم يكن من النوع الذى يواجهك بما لديه. إنما يخزّن، حتى يحين الوقت المناسب، ليقتص منك

* وأنت ألم تكن تفعل ذلك يا دكتور؟

– اعطنى مثلاً

* هناك كثيرون كانوا يستحقون جوائز الدولة، لكنك حُلت دون حصولهم عليها لمواقف شخصية؟   

– اضرب لى مثلاً 

* الأمثلة قد تحرج؟ لكننى أعرف شخصياً حالات كثيرة؟

– بص، أنا لم أتدخل فى أن يحصل أحد على جائزة أو يمنع منها، إطلاقاً، والله على ما أقول شهيد 

* ما الذى بينك وبين طلعت الشايب؟

– ليس بيننا إلا كل ود

* لكنه يقول كلاماً خطيراً يستوجب وقفة لو صح؟

– يقول

* قال، فى حوار لليوم السابع، إنك لم تكن تقبل المناقشة وكلامك نهائى، وكنت تدير المركز على طريقة صاحب العزبة؟ ما ردك؟

– كذاب، لأن أغلب أسرارى وأسرار المركز كانت مع طلعت الشايب. وعندما استقال، لأنى قلت له إنك تعامل المترجمين معاملة سيئة وهم يشتكون منك مر الشكوى، عندما قلت له ذلك غضب وقال لى: أنا أحسن منهم. فقلت له: لا يمكن أن تكون أحسن من المترجمين، نحن فى خدمتهم. ويبدو أننى قسوت عليه فى الرد فقدم استقالته فى اليوم التالى، ومع ذلك أبقيت الاستقالة وعاودنا الاتصال به تقديراً لقيمته، لكنه كان غاضباً، ثم حين هدأ، لأنه شخص انفعالى، طلب من يوسف القعيد ومن منير عامر أن يتوسطا عندى، لكى يعود، لكن الدكتور فيصل يونس كان قد أعاد الترتيب الإدارى للمركز، فلم يكن له مكان فى الوضع الجديد

* يرى الشايب أنك اتخذت من المركز محطة انتظار للوزارة، حتى إنك لم تكن تذهب إلى هناك إلا لإجراء الحوارات الصحفية؟

– إذا كان هذا صحيحاً، فكيف وقعت قبل أن أغادر المركز على الكتاب رقم 2000، وعلى فكرة لم يصدر إلى الان الكتاب رقم 2000، ما صدر حوالى 1700

* هل كنت تعين، والكلام للشايب، موظفين بدون مؤهلات مناسبة، لدرجة أنك عينت خريجة علوم، مجاملة لزوجها زميلك بجامعة..؟

– ( مقاطعاً ).. وهل لدى الأستاذ طلعت مؤهلات مناسبة؟! الأستاذ طلعت كان مدرساً إلى أن أتيت به، لأنه مترجم ذو خبرة، ووصل إلى أعلى سلم وظيفى بعدى فى المركز، وكان يتقاضى أعلى مرتب بعدى

* كم كان راتبه؟

– اسأله، كما أن كتبه، بخلاف السنوات الأخيرة، كانت تترجم فى المركز بأعلى أجر، وهو يستحق كمترجم   

* وهل ترجمت كتاباً لمحمود درويش عن الإنجليزية؟!

– لا، الكتب موجودة

* اهتممت بالكم على حساب الكيف؟

– فى المرحلة الأولى حدث ذلك  

* من باب إرضاء الهانم.. سوزان مبارك؟

– لا، بل لإيمانى بقانون أن التغيرات الكمية تؤدى إلى تغيرات كيفية. كنت حريصاً على أن يؤكد المركز وجوده

* وماذا عن مستوى الترجمة، قيل إنك كنت تتساهل فيه؟

– لا، كيف أتساهل وكان الشايب هو المسؤال عن ذلك، لقد كان مساعد المدير للشئون الفنية ! طلعت نفسه هو الذى كان يتساهل، كما رد عليه أحد زملائه  

* والطبعات الثانية من كتب لم توزع أصلاً؟

–  كانت تأتينى كشوف من المشرف على التوزيع ومن الشايب شخصياً للكتب التى نفدت، ومنها كتبه، فكنت أعيد طبعها، وعرفت بعد ذلك أن كتبه لم تكن قد نفدت !!

* كان هناك 7 موظفون فى المركز كانت مهمتهم هى قص أخبار وصور جابر عصفور؟

– العلاقات العامة هذه كانت تابعة لزميلكم سيد محمود، اذهب واسأله

* على ذكر سيد محمود، هل كان إطلاق يده فى الإدارة، كما يقول الشايب، سبباً فى تقديم الأخير استقالته؟

– غير صحيح، بالعكس سيد محمود شاب كفء، وعمل إنجازات فى العلاقات العامة تحسب له       

* قل لى.. هل ثمة اتساق بينك وبين نفسك؟ أو أن جرثومة الازداوجية التى لم ينج منها مثقف عربى، قد أصابتك؟

– شوف.. أنا رجل صريح مع نفسى، ولو قرأت كتبى ستجد أن أكثر كلمة تتردد فيها هى كلمة المساءلة، لاعتقادى أن المثقف الحقيقى هو الذى يسائل نفسه قبل أن يسائل غيره

* هل هناك ما تريد الاعتذار عنه؟

– إطلاقاً.. فى العمل الثقافى، لا، الحمد لله

* حتى بالنسبة للأشخاص؟

–  إطلاقاً، لا يوجد شخص تعمدت أن أسيء إليه قط، كان مكتبى مقتوحاً لكل المثقفين بلا استثناء، حتى الذين أساؤوا لى وقفت بجانبهم وقت الشدة

* من من المثقفين ما زال على اتصال بك؟

– كلهم

* من الذين استفادوا منك؟

– شوف، هناك دائماً مجموعة من الانتهازيين حول كل مسؤول

* كنت تعرف أنهم انتهازيون؟

– طبعاً، كنت أعرف من صديقى ومن سينقلب علىّ

* حصل انقلاب؟

– طبعاً

* ممن؟

– لا داعى للأسماء

* لما قبلت الوزارة، من وجد فى قبولك فرصة لتصفية الحسابات؟

– كثيرون من أصدقائى صدموا بقبولى

* ألم يحاولوا اثناءك؟

– عبروا عن رأيهم، ومنهم الأستاذ ده إللى اسمه، إللى إنت قلت اسمه.. ثائر ديب. ثائر ديب ده أنا الذى أتيت به إلى مصر وعرفته على المثقفين المصريين ونشرت كتبه وجعلت منه مترجماً معروفاً على امتداد العالم العربى. ثائر ديب مع مجموعة أخرى أصدروا بياناً هجومياً حاداً، لكنى كنت أقول لنفسى.. هؤلاء بينى وبينهم التجربة

* ماذا يبقى من حسنى مبارك؟

– لا يبقى منه للأسف شىء، لأن هذا الرجل أضاع ما له من أعمال إيجابية بغباء نادر

* ما أعماله الإيجابية؟

– فى البداية، عندما جاء عمل مصالحة وطنية، وأفرج عن السجناء السياسيين، فضلاً عن إعادة المفصولين لأعمالهم. أنا شخصياً كنت مفصولاً من جامعة القاهرة وأعادنى للجامعة، ظل فترة رجلاً وطنياً نظيفاً، حتى زوجته لم تكن لها سلطات وقتها

* متى بدأ التحول؟

– بعد سنوات، ويبدو أن من حوله لعبوا دوراً فى ذلك؟

* من منهم يمكن أن تشير له بالاسم؟

– هم فى السجون الآن، لكن هناك من لم يدخلوا السجن

* مثل؟

– أحمد فتحى سرور، ولا هو فى السجن؟

* فى السجن؟

– إللى قبل كده، إللى قبل فتحى سرور

* رفعت المحجوب؟

– رفعت المحجوب، عليه رحمة الله

* يستحق أن يكون فى السجن، لو لم يمت؟

– أظن، لأنه من الذين أفسدوا مبارك. الذين أفسدوا مبارك كثيرون وأنا شخصياً أستغرب هذه الوطنية التى يتظاهر بها الآن كمال الجنزورى وبعض الذين كانوا من رجال مبارك، ولا أعرف لواحد منهم وقفة حاسمة. على الذين يريدون أن يحاسبوا على ما حدث فى مصر عليهم أن يحاسبوا الجنزورى بسبب المليارات المهدرة فى مشروع توشكى

* وكيف ترى عمرو موسى؟

– عمرو موسى كان فى حالات كثيرة يسكت، والسكوت فى حد ذاته مسؤلية. هناك أشياء أسامح فى السكوت عليها، عندما لا تستطيع أن تفعل شيئاً، عندما تلعب مع الكبار تلزمك بعض المرونة، وإذا لم تستطع التغيير فعليك أن تصمت

* بماذا خرجت من غابة السياسة؟

– السلطان هو من بعد عن السلطان

* هل أصبحت سلطاناً الآن؟

– سأضرب لك مثالاً.. لما كنا فى مشروع تطوير جوائز الدولة، لم تكن هناك فكرة عن جائزة باسم مبارك، كان هناك مشروع لتعديل مكافأة جائزة الدولة التشجيعية والتقديرية. فاقترحت وجود جائزة وسطى بينهما

* التفوق؟

– جائزة التفوق.. فاقترح الأستاذ محمد أبو العينين، وهو حى يرزق، وكنا فى مجلس الشعب ظهراً، أن تسمى هذه الجائزة باسم مبارك، خاصة أن اليوم كان يوافق عيد ميلاده، لكن فتحى سرور، بمعلمة وذكاء أجل الموضوع لليوم التالى

* لماذا؟

– حتى يكون التصويت فى الصباح، وأراد أن يحسب بعض الأشياء، وبالطبع كان يريد الحصول على موافقة الرئيس، وأظن أن زكريا عزمى اعترض أن تحمل اسم الرئيس جائزة صغيرة كجائزة التفوق! ثم أضاف.. لم لا نبحث عن جائزة كبيرة؟ فسألونى : هل هناك جائزة كبيرة، أجبتهم: لدينا مشروع قديم اسمه ” جائزة النيل الكبرى “.. فقالوا: هذه تصلح ! وهكذا أصبحت جائزة النيل هى جائزة مبارك، ولم أستطع فعل شىء. هذه هى السياسة

* وبم شعرت؟

– شعرت بالغضب، لأننى ضد إطلاق اسم الحاكم على أية مؤسسة أو منشأة

* وماذا فعلت أكثر من الغضب؟

– لم أكن فى وضع يسمح لى بأكثر من هذا

* أكمل؟

– لا شىء، صدر بعدها قرار من مجلس الشعب بالإحماع على إنشاء جائزة جديدة باسم مبارك

* ( بنبرة عالية فاجأتنى أنا نفسى وهى تخرج من فمى ) ألم يحدث شىء يجعلك تفكر جدياً فى تقديم استقالتك؟!

– كان علىّ أن أوازن بين شيئين: ألا تصطدم بشكل مباشر، ثم.. هل اصطدامك يفيد الثقافة أم لا. أنا وضعت فى اعتبارى هذه الرغبة الأنانية عند هؤلاء، ومن ناحية ثانية أنه ستكون هناك جائزة رفيعة القدر تعطى للمتميزين من المثقفين المصريين. وأعجبنى بالمناسبة رد أحد العلماء الذين حصلوا على جائزة مبارك عندما طالبوه بردها، فقال: هذه الجائزة من أموال الشعب المصرى وليست من مال مبارك !!

* نسيت أن أسألك عن صلاح فضل؟

– صلاح فضل زميل عمر

* تضعه إلى جوارك فى مقعد واحد؟

– بالعكس أضعه فى مكانة كبيرة جداً فى النقد. وأكن له كل الاحترام 

* عاطف عبيد، أحمد نظيف؟ حدد لى مسؤولية كل منهما فيما وصلنا إليه؟

– عاطف عبيد مسؤول عن كارثة فظيعة جداً قبل كارثة أحمد نظيف، وهى بيع القطاع العام، وكل من شجعوا مبارك على بيع القطاع العام مجرمون ويستحقون أقسى أنواع المحاكمة. وكل من شارك فى بيع القطاع العام خائن لبلده

* ما الذى بقى من عالمك القديم؟

– البراءة وطيبة القلب والتسامح. وأظن أن هذه الأشياء هى التى تبقينى متفائلاً                                                     

* ماذا يبقى من جابر عصفور؟

–  يبقى منه كتبه.    

………………….

* الأهرام المسائى وبوابة الأهرام  28/ 8 / 2011 ـ من كتاب “الأحياء يخبرون قصتهم” يصدر قريبًا عن دار “روافد”.

  

مقالات من نفس القسم