سليمان محمد تهراست
لَا أَذْكُرُ أَنّنِي صَرَخْتُ كَالبَشَرِ الضُّعَفَاءْ
بَلْ تَكَلمْتُ فِي المهْدِ صَبِيًا كَكُلِ الأَنبِيَاءِ الذِينَ
لَمْ يُحَالِفْهُم الحَظُ مَعَ وَحْيّ السّمَاءْ
عَلَى يَمِينِي مَلَاك صَغِيرٌ يُدَوِنُ فِي مُذَكِرَتِهِ اسمِي، قَدَرِي، لُغَتِي، وَحَتّى
أَخْطَائِي الّتِي لَمْ أَرْتَكِبْهَا بَعَدْ
وَعَلَى يَسَارِي أَنْظُرُ إِلَى وَجْهٍ فَأَبْتَسِمْ
لَا أَدْرِي أَيْنَ رَأَيْتُهْ؟
فِي الجُزْءِ الفَارِغِ مِنِي يُرَاقِبُ اللهُ أَصَابِعِي العَشَرَهْ
فَيَنْفُخُ فِيهَا فَتَشْتَعِلُ بِالضّيَاءْ
لَكِنْ لَا أَذكُر أَنني لَمَحْتُ امْرَأَةً تَرْقُصُ
أَوْ رَجُلًا يَرْفَعُ أَكُفَهُ شَاكِرًا كَما كَانَتْ تَفعَلُ
نَجْمَةٌ عَلَى يَسَارِي عَادَةً
فِي الهُنَاك أُنْصِتُ إِلَى صُرَاخِ الأَحْيَاءِ المتْعَبِينَ أُدْرِكُ أَنّنِي
عَلَى الأَرْضِ حَيْثُ
يَتَوَسَدُ الأَغْلَبُ الزُّجَاجَاتِ الفَارِغَهْ
وَالأَغْلَبُ يَعْبَثُ بِالأَرْوَاحِ فَيُحَوّلُهَا إِلَى حَسَاء سَاخِنٍ
لِلدّبَبَة فِي الجُزْءِ الأَبْيَضِ مِنَ الأَرضِ
البَارِدَهْ
هَكَذَا كَانَتْ تَصِلُنِي الأَخْبَارُ عَبْرَ أَثِيرِ الحَبْلِ السُّرّي كَما يَجِيء
الهَوَاءُ وَالمَاءُ وَبَعضُ
الأَوْبِئَهْ
أَنْسَى العَالَمَ وَمَا أَرَاهْ
يَعُودُ الجَمْعُ أَدْرَاجَهُم بَارِدِي المَلَامِحِ كَالمَوْتِ الَّذِي
يُزَاحِمُ الحُرُوبَ
الكَثِيرَهْ
غَيرَ عَابِثِينَ بِصُرَاخِ الشّوَارِعِ المَوْبُوءَةِ بِالنَّأَمَاتِ الحَزِينَهْ
غَيرَ مُكْتَرِثِينَ بِظلَالٍ عِنْدَ المّمَرِ
مَذْبُوحَهْ
فِي اللّيلِ اخْتَلَطَ المَوتُ بِالحَيَاة فِي المَمَرَاتْ
أَنَا وَهِي المهَمَشَانِ
الوَحِيدَانِ نَعْقِدُ أَحْلَافًا ضِدَّ جَوِاسِيسِ الغَدْ
وَضِدَّ دُخَانِ الحَرَائِق وَالصدَاقَةِ
الزّائِفَهْ
لَا تَسْتَسْلِمُ لِلْوَجَعْ
لَا أَسْتَسْلِمُ لِلدَّمعْ
نَسْهَرُ مَعًا حَالِمَيْنِ تَحْتَ ضَوْءٍ شَارِدْ
هي بِالسَّنَدْ
وَأَنَا بِالقَصِيدَهْ
………….
*شاعر من المغرب