د. مصطفى الضبع
لكل عمل طريقتان أساسيتان في الأداء: طريقة تقليدية تعتمد على النقل، وطريقة إبداعية تعتمد على إعمال العقل، وإعمال العقل هنا نوع من الإبداع، ولم يعرف التعليم المصري سوى الطريقة الأولى التي تعتمد نسقا تقليديا ينقله اللاحق عن السابق بأمانة تامة من رأس الهرم التعليمي (وزارة التربية والتعليم) وحتى جيوش المعلمين مرورا بكل أنواع الإدارة والمتابعة، وهو ما يجعل من الحديث عن الطريقة الثانية ضربا من المستحيل، نعم قد تجد من المعلمين من يفكر تفكيرا إبداعيا رغم القيود المفروضة عليه لكنها حالات فردية لا تصل صانع القرار، وتظل المساحة شاسعة بين الوزارة والقائمين على العملية التعليمية دون أن تأخذ الوزارة بزمام المبادرة وتمد يدها لتلقي أفكار المعلمين، فلدى الوزارة آلاف من المعلمين لدى الكثير منهم أفكار وخبرات واسعة في مجال التعليم و لدى الكثير منهم أيضا رغبات حقيقية في الخروج من المأزق ولكن لأن الوزارة تكتفي بوضعية اليد العليا المسيطرة، ولم تفكر الوزارة مثلا في إجراء استبيانات تستطلع فيها آراء المعلمين حول التعليم ومشكلاته و حدود تطويره ومدى رضا المعلم نفسه عن أداء الوزارة أو الإدارة التعليمية التابع لها أو حتى أداء إدارة المدرسة التي يعمل بها، بالطبع لم تفعل لسبب بسيط أن الوزارة ذاتها لا تدرك حجم المأساة وتكتفي في التعامل مع المعلم بنظام المحاسبة فقط عملا بمبدأ البحث عن أخطاء المعلمين (يراجع في ذلك عمل لجان المتابعة القادمة من الوزارة والتي لا يكون همها سوى تقصي أخطاء المدرسة والمعلم لا كونها حلقة وصل وبحث واستكشاف للكوادر القادرة على ضخ أفكار جديدة من شأنها تجاوز حالة الشلل التي يعانيها التعليم).
إن حالة من التواطؤ تسود الوزارة على اتساع مؤسساتها، التواطؤ على العمل بطريقة لم تعد صالحة، حالة بلورها أحد الوزراء السابقين بما نقل عنه قولا: نحن نوهم المعلمين بأنهم يحصلون على مرتبات وهم يوهموننا بأنهم يعملون.
وكأن التعليم ومشكلاته و الطرائق المعتمدة فيه جميعها ضرب من القدرية التي لافكاك منها ليبقى الوضع على ماهو عليه وعلى المتضرر اللجوء لله سبحانه وتعالى، وتظل الأسئلة المحيرة تسهم في إستنزاف قوى كل من يمتلك وعيا أو من يتطلع لتعليم على مستوى اللحظة الحضارية، أسئلة لم تفكر الوزارة في طرحها من الأساس فطرحها يعني الاعتراف بمضمونها والاعتراف بدوره يعني تحمل المسؤولية، وتظل الأسئلة تتراكم تراكم المشكلات والمعوقات والنتائج الكارثية، وفي كل حوار بين اثنين أو أكثر عن التعليم تفرض الأسئلة نفسها:
- هل لدى وزارة التربية والتعليم رغبة في التطوير ؟ فإذا وجدت الرغبة فلماذا تتعاقب الوزارات دون ظهور أي بارقة أمل ؟ وهل الأمر يكمن في وزارة لا يملك القائمون عليها مقدرات التغيير وهى تعاني من مشكلات الإدارة أم أنها سياسة دولة يقتصر دور الوزارة على تنفيذها، سياسة قائمة على أن يظل التعليم مشكلة لا حل لها ليجد الشعب ما يشغله عن ممارسة السياسة مثلا؟.
- أين دور المجلس الأعلى للجامعات و الجامعات المصرية من قضية التعليم، وأين مئات الأبحاث التي يقوم بها الباحثون في التربية حول مشكلات التعليم في مصر؟، ومن غير الجامعة ينشغل بقضية كهذه ؟.
- أين دور المؤسسات الإعلامية المدركة أبعاد قضايا الواقع وما يترتب عليها؟
- أين دور مؤسسات المجتمع المدني بما تملك من قدرات استكشافية للعمل ومساحات حركة بين طبقات الشعب المختلفة ؟.
- لماذا لا تفكر مؤسسات الدولة بوعي قائم على أن قضية التعليم هي قضية أمن قومي بالأساس وأنها لاتقل خطورة عن أي قضية تمس هذا الأمن؟.
وللحديث بقايا