د. مصطفى الضبع
سنويا يعيش المسلمون في كل بقاع العالم أربعة أشهر حرم ويعيش المصريون أربعة أخرى هي الشهور الحرم المصرية (يونيو – يوليو – أغسطس – سبتمبر)
الشهور الإسلامية تقتصر على العبادة والسكينة أو على الأقل وقف القتال خلافا للأشهر المصرية التي يدور فيها قتال من نوع خاص، يونيو امتحانات الثانوية العامة، يوليو انتظار النتيجة وحساب التبعات الاقتصادية المترتبة على موقعة الثانوية، أغسطس ظهور النتيجة والدخول في حسبة برما، سبتمبر استقرار الطالب في كلية لم يؤهل لها ودراسة لا يرغب فيها وتخصص لم يكن يوما هوايته ويدخل الطالب في إعادة هيكلة حياته بناء على المواقع الحربية التي خاضها وقد خرج منها منهك القوى منتهك الموهبة (هل يوجد إنسان على وجه الأرض حرمه الله من الموهبة؟)
تتوالى الحكومات ويتبدل الوزراء ويبقى حال التعليم المصري محلك سر (ولكن للوراء طبعا)، يتوالى الزمن والثانوية العامة موضع صداع لا يطاق للأسرة المصرية وكأن العالم فقد القدرة على التطور.
اجتماعيا خلقت الثانوية العامة نمطا من التفكير الاجتماعي القائم على أن معركة الثانوية العامة معركة مصير اجتماعي يؤول إليه الطالب والأسرة من قبله بوصفها شهادة مرور تؤكد التحول الإجتماعي من طبقة إلى أخرى، تعليميا خلقت الثانوية العامة نمطا من التفكير الدراسي الذي حول التعليم إلى أنماط من التفكير ومسارات من التعامل مع المادة العلمية بوصفها مادة جامدة لا مجال للعقل فيها وهو ماتبلوره صرخة أم تتصل بالإعلامي محمود سعد عشية امتحان اللغة العربية متسائلة عن شرعية سؤال ترتيب الكلمات في المعجم وأنه سؤال صعب وغير وارد بالمرة (تقصد السؤال الذي يطلب ترتيب ثلاث كلمات حسب ورودها في المعجم)، صرخة الأم تكشف عن ثلاثة أمور يقينية حول الطالب والأسرة والمدرسة، فالطالب فقد القدرة على التفكير بفعل طرائق نمطية عملت على إلغاء العقل لصالح عملية التلقين، فالسؤال من السهولة بحيث لا يحتاج سوى قدر من التفكير لم يتعود عليه كثير من طلاب الثانوية العامة بفعل هذه الطرائق، والمدرسة بفعل الممارسات التربوية الجامدة نجحت بشكل نادر في تحويل الطالب إلى جهاز كاسيت لا عمل له سوى التسجيل داخلا في مفرمة التلقين، والأسرة لم تعد ترى سوى المجموع الكبير بوصفه البوابة الملكية للعبور إلى كليات القمة ذلك الوهم الكبير الذي تعيشه الأسرة المصرية، تعيشه مجبرة أو مختارة ولم يعد يعنيها بناء شخصية الأبناء العقلية والمعرفية في مواجهة تطورات العصر بقدر ما يشغلها قضية الشهادة القادمة من القمة.
والأمر بالطبع لايعفي القائمين على نظام الامتحانات (أقول نظام) من مراجعة أنظمة عفا عليها الزمن وتجاوزتها اللحظة الحضارية، حيث تعود الطالب على الإمتحانات نمطية الطابع التي تكتفي بقياس التلقين لا الفهم وهو مايجعل الامتحانات نوعا من التوقع (كيف تقبل الوزارة نشر ملازم وكتيبات عن الأسئلة المتوقعة التي تعدها نخبة من الموجهين وواضعي الأسئلة ؟؟!!)
وكأنها معضلة كونية تقف الثانوية العامة أزمة لم تشغل واحدة من الوزارات المتوالية للتعليم نفسها سعيا للحل أو مجرد التفكير فيه، تقف الوزارات المتوالية موقف مدرب الكرة الذي لا يعرف من عمله سوى تبديل لاعب مكان آخر دون الدخول في خطة اللعب أو قراءة المشهد أمامه لذا تنتهي المباراة وهو يفكر في عملية تبديل جديدة ولا يدرك مدى خسارته أو خسارة الجمهور من حوله، فهل من المعقول أن يكون دور وزارة التربية والتعليم مجرد التقديم والتأخير، أن تكون الثانوية العامة سنة أو سنتين دون دراسة القضية بوصفها مشكلة حضارية لها بعدها الأساسي في الأمن القومي فلمصلحة من يحصل الآلاف من الطلاب على درجات لاتعبر عن المستوى الحقيقي للطالب ؟.
وللحديث بقايا