تناغم  (15)

موقع الكتابة الثقافي uncategorized
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

د. مصطفى الضبع

“طالبة الأمس هي أم اليوم”، قد تتخرج مئات الطالبات ولا تعملن ولكن  بالتأكيد سيكن زوجات وأمهات، وهو ما يجعلنا نقف عند عدد من الأسئلة: ماذا حصلت الفتاة لتكون أما في المستقبل (السؤال ينطبق على الفتيان أيضا) وهل يتضمن تعليمنا مايؤهل الشاب ليكون زوجا وأبا؟ وما يؤهل الفتاة لتكون زوجة وأما؟ بالطبع الإجابة معروفة، فلا نحن قدمنا برامج تعليمية مؤهلة ولا نحن جعلنا من المقررات الراهنة مادة تثقيفية يمكنها تعويض غياب هذه البرامج (اكتفينا فقط بمادة التدبير المنزلي للفتيات والجميع يعلم أنها مقرر روتيني لا يسمن ولا يغني من جوع وقد حصرنا الأمر في كيفية إعداد الطعام عملا بنصيحة تقليدية: أقرب طريق إلى قلب زوجك معدته).

ومع تعاظم الدور التاريخي والإنساني للأمهات، و قد أجبرت متغيرات الحياة والظروف الأسرية والمعيشية الضاغطة الآباء على اللهاث يوميا وراء توفير الاعتمادات الكافية لقيام الأسرة اقتصاديا وهو ما يعني غياب الأب معظم الوقت وتحمل الأم الجانب الأكبر من المسؤولية التربوية (إن لم تكن المسؤولية كلها ) وهو ما يتطلب تأهيلها تأهيلا مناسبا ( ولا أقول خاصا ) للقيام بهذا الدور، وهو ما يجعلنا ندرك أن  نقصا شديدا في تعليم الفتيات ترتب عليه ارتكاب خطايا في حق الأجيال الراهنة والقادمة، مما أفضى بدوره إلى إنتاج أجيال من الأمهات يقصرن كثيرا في حق أبنائهن لا عن تعمد ولكن عن نقص في الإعداد، وهو ماعبر عنه أحمد شوقي بقوله الموجز والدال:

وَإِذا النِساءُ نَشَأنَ في أُمِّيَّةً       رَضَعَ الرِجالُ جَهالَةً وَخُمولا

تناقل الجيران حكاية الأم التي توقظ طفلها (في الرابعة من عمره) بقولها: يافاشل، فراح يبكي متسائلا: أنا فاشل ؟ وأن الأم التي فاجأها الرد راحت تحكي لجاراتها الحكاية متندرة على رد فعل الطفل ولم تنتبه إلى ما ارتكبته في حقه  كما لم تتنبه إلى ذكاء طفلها وتستثمره في تنمية مهاراته، كما أن معظم الجارات والجيران ممن تلقوا الحكاية توقفوا عند كونها نوعا من الدعابة وعلق معظمهم متندرا بالجيل الجديد الجريء، فصيح اللسان و غيرها من الصفات التي تعود البعض على إطلاقها في مثل هذه المواقف  دون أن يحاول أحدهم تنبيه الأم إلى ما ارتكبته (وماتزال) من ممارسات تربوية خاطئة،  بقي أن أشير إلى أن  الأم خريجة كلية التربية وتعمل بالتربية والتعليم، وهنا أتذكر عددا من المدرسين (من خريجي كلية التربية ) ممن عملت معهم في التربية والتعليم وقد كانوا جميعهم  يستخدمون أساليب أبعد ماتكون عن التربية  (تفنن أحدهم في إنتاج معجم غني من الشتائم للطالبات فيما تفنن آخر في تنويع مصادر القمع والعقاب الجسدي لطلابه، واجتهد ثالث في إضاعة وقت الحصة رافعا شعار: وزارة لا تمنحه راتبا كافيا لا تستحق عملا حقيقيا).

طوال السنوات الماضية يمر المدرسون والمتعلمون على نص ابن خلدون المقرر على طلاب الفرقة الثانية من المرحلة الثانوية وهو يقول: ” من كان مرباه بالعسف والقهر من المتعلمين حمله علي الكذب والخبث وهو التظاهر بغير ما في ضميره،خوفا من انبساط الأيدي بالقهر عليه وعلمه المكر والخديعة لذلك وصارت له هذه عادة وخلقا، وفسدت معاني الإنسانية التي له من حيث الاجتماع والتمدن وهي المدافعة عن نفسه ومنزله،وصار عيالا علي غيره في ذلك بل وكسلت النفس عن اكتساب الفضائل والخلق الجميل،فينبغي للمعلم في متعلمه والوالد في ولده ألا يستبدا عليهما في التأديب”.

يكتفي الجميع بالمرور، دون الوعي بالقيمة، لتمر السنوات وتأتي أم لتوقظ طفلها واصفته بالفشل، فماذا تنتظرون من طفل يوقظ بهذه الطريقة؟.   

وللحديث بقايا

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized
ترقينات نقدية
د. مصطفى الضبع

تناغم (22)