تناغم  (3)

موقع الكتابة الثقافي uncategorized
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

د. مصطفى الضبع

كل المتعلمين من جيلي والأجيال التالية حتى كتابة هذه السطور مروا ويمرون بهذا المشهد الذي أفقده التكرار عجائبيته: طالب يسأل أستاذه محاولا فهم نقطة ما في درس ما في مقرر ما، ومدرس يرد بواحد من ثلاثة ردود معلبة وجاهزة تنطلق من منصة وعيه دون تفكير:

  • احفظها هكذا وفي الامتحان اكتبها كما حفظتها.
  • هذه النقطة ليست موضع سؤال في الامتحان.
  • عند أي مدرس تأخذ درسا خصوصيا ويحرضك على أستاذ الفصل.

وهو حوار يكشف عن نشاط إيجابي لدى طالب يسعى لفهم عالمه، مستخدما عقله فى محاولة فهم الظواهر مانحا عقله منطقية عمله القائمة على الفهم دون مجرد الحفظ، ونشاط سلبي لمدرس إما هو فاقد لأبسط قواعد التعامل مع عقول طلابه وإما هو غير مدرك لقيمة دوره، وإما هو نتاج لعملية تعليمية فاسدة لم تؤهله للقيام بدوره مما يفضى إلى تحقق المعادلة المغلوطة، أو لنقل المعادلة الكارثية واستمرارها: رجاحة عقل الطالب وتدني عقل المدرس، وتدرك كارثيتها بإدراك منطقية المعادلة: إذا تساوت عقلية الطالب وعقلية معلمه فالأمر فى صالح الطالب فما بالنا بارتفاع مستوى عقلية الطالب في مقابل عقلية المعلم الذى يصر على أن يتحول الطالب إلى جهاز تسجيل يتلقن ما يسمع دون تفكير (العام الماضي كانت ابنتي فى الثانوية العامة وهالني أن مدرسة اللغة العربية تصر على تسميع قواعد النحو !!!!)، والأمر مازال معمولا به فى كثير من مدارسنا دون إدراك المساحات الفارقة فى التفكير ومتطلباته بين الأجيال وبين المراحل التعليمية فما تتطلبه عملية التعلم لدى الطفل تختلف عما تتطلبه عملية التعلم لدى من هم أكبر منه فى مراحل تعليمية أخرى، ويظل السؤال الأعجب : هل تتطلب عملية التسميع مدرسا فهى عملية لا تتطلب سوى شخص يعرف القراءة.

فى مصر قاعدة قانونية ولكنها تتبع القانون العرفي (وما أكثر القوانين العرفية التى تعمل بها المؤسسة التعليمية ) تصنف القاعدة طلاب العلمى حسب الفهم وطلاب الأدبي (وهم الفئة الأكثر عددا) بطلاب الحفظ (بتوع أدبي حفيظة) وأعرف طلابا في كليات الآداب ودار العلوم والأزهر يحفظون مقرراتهم من الغلاف إلى الغلاف (أو من الجلدة إلى الجلدة حسب التعبير الدارج).

ولا يتوقف الأمر عند مدرس هذه طريقته ولكن يتجاوزه إلى وزارة تصر على طرائق امتحانية عفا عليها الزمن، وتقبل (سياسيا) استمرار وضع التعليم بطعم الدروس الخصوصية ذلك الطعم الذى ينفرد ولى الأمر المصري بتذوقه وكأن الأنظمة السياسية المتعاقبة أدركت تفرد المصري به فقررت ألا تحرمه منه.

إن الفارق بين مسؤول لا يعرف ومسؤول لايريد هو الفارق بين مستويين حضاريين: ليس العيب فى ألا تعرف فبإمكانك – إن امتلكت الإرادة – أن تعرف ولكن العيب ألا تريد أن تعرف، وربما هنا يكمن سر الفشل فى سوء إدارة العملية التعليمية، الفشل الإدارى قبل أي فشل، والفبول بممارسة عملية قتل ممنهج للمتعلمين.

لقد أنتج التلقين وعيا هشا حدوده حدود الصفحة التى يستظهرها المتعلم وعاش العقل فى حدود الصفحة فاختقى الواقع وقضاياه التى تتطلب تفكيرا ووعيا لم تسع العملية التعليمية إلى تنميتهما والعمل على تطويرها لنظل ندور فى حلقة مفرغة، طالب يحفظ ولا يفكر، يلتحق بجامعة لا تنمي لديه أية قدرات، ويتخرج لعالم يعانى تكدسا في الإنتاج وخللا فى التوزيع تجبره الظروف على العمل بالتعليم منجاة من أن تدهسه عجلات البطالة فيصبح معلما لا يمتلك أية مواهب  لأداء العملية الأخطر فى تاريخ الأمم (في مرحلة لاحقة سأفتح ملف مشاهداتي لهذه النوعية من المعلمين، والموجهين على مدار عشر سنوات عمل بالتربية والتعليم ).

 

وللحديث بقايا  

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized
ترقينات نقدية
د. مصطفى الضبع

تناغم (22)