أحمد محسن
الحياة
صرخةُ المِيلاد
نقطةُ البِداية في اللوحة
اللوحة التي تبدأ حِسِّيَّةً تمامًا
ثم تبدأ في التجريد
الحياةُ هي لبنُ الأمِّ،
لمستُها، وهدهَدَتُها
وصخبُ اليقظةِ حين لا نستطيعُ النوم
قُربَ أحدِهم حين نبكي
ثُمَّ تكبُر الحياةُ
وتَجري
نعدو وراءَها
وراء الفراشاتِ والقِططِ
والسياراتِ التي ترجعُ إلى الخلفِ
تُمسِكُ يدٌ بنا
وتُمسِكُنا يدٌ عن الحياةِ التي نُطارِدُها
تُعلِّمُنا الأيادي
ترسمُ لنا الأيادي الكبيرةُ
مساراتِ السَّيرِ الآمنِ
فنخرجُ عنها
نغافلُها
باحثين عن الحياةِ التي يُخبِّئونها عنَّا
فنجدها يراعةً جميلةً
ونُمسِكُ بها في أيدينا
فتنطفئ.
■■■
انتحار
الموتُ الذي كان يختبئ له وراءَ العيون،
وراء الأيام،
لم نستطع يومًا الإمساك به.
البلغَم
الذي لم يستطع قطُّ بصقََه.
شوكة لكي يقتلعها
اقتلع حياتَه.
حياته
التي كان يتأكَّد
ليلة بعد ليلة
أنّها لم تكن
سوى تلك الشوكة.
■■■
جِسر
أعتادُ السير وحيدًا
بلا قناع واقٍ
من الفيروس القاتل
تتقاطع طريقي
مع مَن يسيرون بأقنعتهم مُدلّاة
يختلسون الهواء
حين تقترب أشباحُنا
يُحكِمون وضعَ أقنعتهم
الناس
يخافون الحبّ.
■■■
اختصار
يتغيَّرُ تردُّدُ الأشياءِ
صديقي
الذي كنت أراهُ خمسَ مرّاتٍ في الأسبوع
أصبح يُهاتفني
مرَّة كلَّ أربعة أشهر
حين ينهزمُ في نِزالِ الأرق
وأكونُ أنا على مشارفِ الانهزامِ
أمام النومِ الذي يبتلعُني
أو الذي أُلقي بنفسي فيه.
يصمتُ صديقي
لا يعلمُ أيَّ تفاصيلِ الحكاية يختارُ
وأيَّها يختصرُ
يروي لي مُلخَّصَ دموعه
دونَ أن أراها
يتغيّرُ تردُّدُ الأشياءِ
بدلاً من أن يختصرَ صديقي الحِكايةَ،
اختصرني
واختصرتني حكايتُه.
■■■
فرقُ التوقيت
فَرْقُ التوقيت
فَرَّقَ بيني وبين أهلي
يستيقظون
بينما أنام
أبكي
ويَنامون عن دمعي
فرقُ اللسانِ
جَعَلَني أُحدِّثُ نفسي حديثًا
وأُحَدِّثُ من معي بآخر
ثم أفكِّرُ في الفرقِ وحدي
مَفارقُ الطُّرُق
أبعدتني عن صديقِ السنوات الصعبة
ضِعنا
“جمعنا الحبُّ
وفرّقتنا الطُّرق”
فرقُ المنفى
حرَمَنِي صديق زنزانةٍ
أحسبُ معه الباقي من المُدَّة
فرقُ الملامحِ
أبعدني عن سنواتِ البراءةِ
بوَجْهِ التجربة.
■■■
سؤال
نُلقي بِصُرَّةِ أيامِنا
على طاولةِ الدُّنيا
دراهِمُنا قديمةٌ
في هذا العالَم.
كم لبِثنا؟
نُفَتِّشُ في جيوبِنا المثقوبةِ
عن عُملةٍ تصلحُ لهذا الزمان
ما نحنُ في هذا العالمِ؟
أسفُ صريرِ العُملاتِ القديمةِ
على طاولةِ العالمِ الجديد.
■■■
دَيْن
نحنُ الفقراءُ
أيتامُ الدنيا
أنجبتْنا
وألقتْ بنا على رصيفٍ
لم يُكمِلوا بناءَه
لم يلتفتْ إلينا أحدٌ
كبُرنا
نعيشُ لنسُدَّ الدَّين
الدَّيْنَ الذي لا يسقُط عنّا
مهما قضيناه
نكفِّر عن الخطأ
الذي لم نرَ وجه مرتكبيه
التاريخُ
الذي لم نصنعْه
يصنعُ شقاءنا
تمرُّ حيواتُنا
من رصيفٍ إلى رصيف
تدورُ بنا الدوائرُ
والدَّينُ الذي وُلِدنا به لا يَبرح ظهورنا
يُصلِحُ أصحابُ الأمرِ بعضَ الأشياء
يُكملون بناءَ الأرصفة
لكي نستطيع معاناةَ أرقنا الليليّ
تحت سكّين الدَّيْنِ
الذي لا ينقضي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* شاعر ومترجم مصري مقيم في كولومبيا