نسج مصطفى ذكي عوالمه القصصه ببساطة آسرة ، رغم أن الشخصيات تبدو مُضطربة أو مريضة أو تُعاني من خطب ما إلا أن أفعالها شديدة التلقائية تنحى باضطرابطها أو مشاكلها بعيدا ً .
ففي المجموعة الأولى ” نوستالجيا ” :
يبدو واضحا ً من الأسم فكرة العودة إلى الماضي و الحنين لذكرى ما خبت وراء السنين . و الذكرى التي اختارها الكاتب ليسترجعها هي فترة المدرسة و غلف تلك الذكريات في قالب فانتازي . مثلا ً قصة ” فراشات ” يسرد الكاتب قصة مُدرسة الموسيقى التي تُغري التلاميذ بُمشاهدة نيزك يعبر في السماء و يُمكن رؤيته بالعين المُجردة و كل من رأه يتمنى امنية ستتحقق . حتى نصل للنهاية المُباغتة . ويستكمل الحكي في القصة التالية ” أحمد مبروك ” فيحكي عن زميل الدراسة الطيب الذي يصطدم بُمدرس أحمق يجرح كرامته و يُهينه .
أهم ما يُميز تلك المجموعة أنها تتسم بالبراءة و الشفافية مثل الأطفال تماماً . حتى وإن تشابهت نهايات القصص ، فالمقصود منها الاشارة الي رفض الابطال العالم الموحش الذي يحيط بهم و توقهم لعوالم أكثر رحابة .
المجموعة الثانية ” حكايات قديمة ” :
يستند الكاتب على الموروث الديني كعنصر اساسي لبناء القصص ، و يتضح ذلك أكثر في قصة ” صياح أخير للديك ” و قصة ” الأغواء الأخير لرجل عادي ” فتبدو تلك القصتين كأنهما وحدة واحدة يربطهما نسيج واحد مُستندا ً على قصة ” سيدنا يوسف ” عليه السلام .
” يحكون بأن أحد أجدادي البعيدين قد صلب . كان محبوسا ً مع نبي تنبأ له بأنه سيُصلب ، و تأكل الطير من رأسه صُلب بالفعل . يتحدثون عن لعنة أصابت أبناءه من بعده ، صلبوا بالكامل جيل من وراء جيل . أتقن ابنه الأصغر صناعة الصلبان لينتقم لأبيه . يقولون بأنه قد صُلب على صليب من صنعه هو “
أما قصة ” طوف ” فالمرجع هنا قصة ” سيدنا نوح ” عليه السلام و الطوفان ، و محاولة سام أو الراوي الهروب من الماء بالصعود على قمة جبل، لكن الماء يصل إليه ايضا ً . لكنه هنا يُعيد كتابة مشهد الغرق بطريقة حداثية . ” هم بأمان الان داخل دائرتهم المغلقة . ليس هناك بلل ولا برد . أرتعش غصبا ً عني ، والصقيع بمنعني عن التفكير . المياه ترتفع و الحركة تزداد صعوبة . أضع اللوح أمامي و أصعد فوقه “
المجموعة الثالثة ” حظر ” :
عبر خمس قصص يرصد مصطفى ذكي حالة التخبط التي تحياها الشخصيات خلال فترة حظر التجوال . ففي القصة الأولى ” حظر ” نجد مشهد الأمطار و الليل مما يسبب رؤية مشوشة و ينعكس ذلك على الراوي الذي يعود مُتأخرا ً ، و أيضا ً على الضابط المكلف بتطبيق قانون الحظر و الأهم زوجة الراوي التي تعود متأخرة هي الاخرى و تردد المقولة الغريبة التي يُرددها الضابط ” أمطار بوهيمية” .. هنا على القارئ أن يُعمل عقله ليستنبط لماذا يُردد زوجة الراوي و الضابط نفس الكلمة .
أما قصة ” خلوة ” و التي نرى خلالها القهر في أبشع صوره ، أنتهاك جسد امرأة مقهورة في علاقة تُدفع لها قسرا ً . ” يقترب منها صول طويل القامة . يقف قليلا ً ليتأملها قبل أن يُشير إليها لتخرج . لم تنظر ورائها ، مشت خلفه بهدوء لاخر المبنى الخانق . قلبها يدق بشدة ولا تتوقف عن أكل شفتيها ” . تبدو تلك القصة يمثابة صرخة مقهور الذي لا يملك حيلة تدفع عنه هذا الظلم ، و قد ساهم السرد الجميل في تعميق هذا الاحساس .
المجموعة الرابعة ” حلول ” :
تبدو شخصيات تلك المجموعة من القصص مُتعثرة في مشاكلها التي تحيا بينها أو التي تطرأ فجأة في مسار حياتهم .. لكن هل تسعى الشخصيات لتغير مصيرها أم تغرق في مشاكلها ؟
ففي قصة ” بابل ” و التي تُعد القصة الأعذب ضمن قصص المجموعة ، نجد الطفل زياد الذي توحد مع العابه حتى تجرفه معها لعوالمها اللا معقولية ، و التي تصل لنهايتها التي يفقد فيها الأب طفله للأبد .
أما قصة ” تقمص أخير ” نجد أن روح الشخصية التي يؤديها الممثل أمام الكاميرا تتلبسه تماما ً حتى في حياته الخاصة ، لتصل للذروة بفقده رجولته ، نتيجة تقمصه لدور الخصي ، فغرق حتى الثمالة في الشخصية . تُرى ماذا سيفعل البطل ؟
نصل للقصة الأخيرة و هي مصادفة أجمل قصص المجموعة ” ميكي ” الشاب الذي يخفي حقيقة عمله عن أهله و يعمل كميكي أو بطوط حسب أختيار المدير المتسلط ، ذلك اليوم أختار المدير أن يقف أمام الزبائن بشخصية ميكي ، و يترك المدير المحل بعد أن يُغلق على غرفته التي تحوي ملابس الشاب و نقوده ، ويصبح لا مفر من العودة لبيته و هو ميكي . مأساه مكتملة الأركان رسمها مصطفى ذكي ببراعة شديدة و تحديدا ً النهاية التي جاءت على غير المتوقع ، مُعبرا ً عن فكرة التسلط و تحكم القوي في مصير الضعيف .
عبر تسعة عشر قصة طاف بنا مصطفى في عوالم فانتازية أو عاد بنا للتاريخ و أحيانا ً يلتصق بالواقع ، كل ذلك و أكثر نقرأه في هذه المجموعة من خلال قصص مُحكمة البناء و بأسلوب بسيط بعيدا ً عن أي تكلف لغوي لا طائل منه.
.