بين التوريث وانتحال الحياة .. “عصافير النيل” .. شاعرية المهمشين فى ممر معتم

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام
عاشقان فى ممر معتم يبحث كلاهما عن الآخر لسنوات عجاف ويلتقيا فقط ليجترا سنواتٍ من الحلم والالم . بهذا المشهد يعلن المخرج مجدى احمد على عن ميلاد جديد لـ"عصافير النيل" التى حملت رؤية قاتمة لوطن ضائع . والشعور الذي قد ينتابك بعد مشاهده فيلم موجع كعصافير النيل التي حلقت من سماء إبراهيم أصلان المليئة بالدهشه والنابضه بالشجن والبهجة فى آنٍ واحد , لتهبط إمام كاميرا مجدي احمد على , هو شعور بلذة الألم التي تستعذب معها مواجعك حينما تدرك ماهيتها . وبعيداً عن المقارنات الغير مجديه بين النص الادبى والشريط السينمائي يمكن ادراك مدى الاختلاف بين ما يطرحه عالم ابراهيم اصلان المبهر من افكار وبين ما يرويه مجدى احمد على الذى قدم مضموناً بصرياً خاصاً لا يتقاطع مع افكار اصلان الا فى كونهما اعتمدا على نفس العالم بمفرداته المختلفه من مكان وزمان وشخصيات باعتباره أداه للوصول الى غايتين مختلفتين .

ولاننا نتعاطى السينما فيجب ان نغوص فى الصورة التى رسمها مجدى احمد على معتمداً على سيناريو يتعامل بحس شاعرى مع مدينه قادرة على اغتيال براءة ساكنيها دون حتى ان يدركوا ما شوهته بداخلهم من ملامح , فالعمل الذى قد يبكيك كما يستضحكك يعبر عن حاله فقدان الهويه التى يعانى منها المجتمع بأكمله لا مجتمع “فضل الله عثمان” الذى لم يكن حاضراً بنفس حضور شخصياته التى ساهمت فى تقويه هذا الشعور بنقلات دراميه ناعمه لنصل فى المشهد الاخير الى نتيجه صادمه هى اننا لا نعرف طريقاً للوطن الذى نعيش على ارضه ولكننا نبحث عنه لعدم شعورنا بالانتماء الى هذه الجثه الهامدة التى ما زالت اشلائها فريسه بين انياب الجماعات الدينية والنظام البوليسى ليأتى اليسار كبديل يعول عليه النص لاصلاح ما افسده تطرف القوتين رغم عدم ذكره صراحة ولكن مجرد الاشارة الى بغض الجماعات الدينية لشخصيه “عبد الله” يشير الى طبيعتها .

وبغض النظر عن اختلافنا مع الافكار الناصريه يمكن ان ندرك مع تتابع المشاهد ان الفيلم لا يقدم اليسار على انه تذكره داوود القادرة على تشخيص وشفاء امراض المجتمع لان كاتب السيناريو يبدو اكثر موضوعيه فى تعامله مع الواقع حتى انه يؤكد على سلبيه بطله فى مشهد الاعتداء على سعيد الصالح من قبل المتطرفين كما يشير الى تملصه من مسئوليه استعادة الارض الضائعه التى يحاول بطل الفيلم “عبد الرحيم” القائها عليه فى اشاره رمزيه الى توريث اخفاقات الاجيال السابقه الى التى تليها وهى الأفه التى اصابتنا فى العقود الاخيره بعد اهمال كل جيل لازماته والقاء مسئوليتها على الأتى فى متتاليه بغيضه رفعت كم التراكمات الى حد لا يستطيع معه الجيل الحالى ان يمتلك القدرة على الحياة لا على تحمل ميراث كارثى .

وشخصيات عصافير النيل على اختلافها رسمت بحرفيه عاليه ولكنها اشتركت فى كونها شخصيات تنتحل الحياة ولا تعيشها حقا حتى شخصية عبد الرحيم التى جسدها فتحى عبد الوهاب بمهاره وحرفيه ليست جديده عليه لا يمكن اعتبارها شخصية تحب الحياة ولكنها شخصية تبحث عما تحبه ولا تجده ليمرضها الواقع قبل ان يلتقى البطل بمن يحب وقد نال منهما المرض قبل ان يعيشا . كذلك شخصية الرائعه دلال عبد العزيز والمخضرم محمود الجندى فالاولى تخشى الظلام ولكنها تموت فيه والثانى يتقلد سيف هاملت ويردد عبارته الاثيرة “اكون او لا اكون” ويموت ايضاً دون ان يحظى بالعدل الذى ينشده لتؤكد الشخصيات على اظهار السيناريو لشاعرية المهمشين التى امتهنتهم السينما فى سنواتها الاخيرة . والى جانب تميز فتحى عبد الوهاب فى التعبير عن ملامح شخصيته الفريده تستحق عبير صبرى لقب ممثله للمره الاولى منذ سنوات ويخرج الجندى ودلال عبد العزيز خارج التقييم بعد مباراه متكافئه فى الاداء كما يتميز احمد مجدى ورامى الطمبارى ومشيره احمد ومنى حسين وانتصار حسن ومها صبرى وضيوف الشرف عزت ابو عوف ومريم حسن ولطفى لبيب والفت امام وحلمى فوده. ويجب ان نشير الى تميز كاميرا رمسيس مرزوق والاضاءة الخافته التى سيطرت على المشاهد الداخليه وعبرت عن مشاعر الشخصيات والقيود التى تحاصرها كما ارتقت موسيقى راجح داوود بالعمل واضافت اليه مزيداً من الشاعريه كذلك مونتاج احمد داوود الذى حافظ على وحده الايقاع رغم تعامله مع اكثر من مستوى زمنى . ورغم جاذبيه العمل الا ان هناك بعض المشاهد التى اثقلته بالاضافه الى الاعتماد على الراوى فى بعض المناطق التى كان من الممكن للصوره ان تتسيد المشهد .

وقد تبدو الرؤيه معتمه كالممر الذى افتتح به مجدى احمد على فيلمه ولكنه اختار نهايه اخرى لعصافير النيل اكدت على الطابع البوليسى للدولة وحالة الفرار التى يعيشها المواطن على ارضه ولكنه لم يقتل بطليه بمرضهما المزمن ليترك بارقه امل لشفاء مستحيل او لفجر قد تشرق شمسه بعثور الجده على بلد تبحث عنها ولا تجدها .

 

مقالات من نفس القسم