عقيل هاشم
القصيدة “الدرامية” تأخذُ رمزيّتها ودلالتَها من تشكّلُ اللّغةُ اذا تشكلت محمولاتها الفكرية من الإيحاء الرمزيّ بوصفه المعادل الموضوعي لحدث الكتابة الادبية ,وان العناصر الدرامية داخل القصيدة الشعرية ترتكز على مجموعة من الأحداث التي يصنعها الشاعر/الإنسان، ولا يتدخل في صنعها، وعليه فإنَّ “الدراما “في حقيقتها هي التعبير الفني عن فعل، أو موقف إنساني، وبدون هذا الفعل لا تكون هناك دراما؛ لأن الدراما هي التعبير المسرحي للسلوك البشري الناتج عن الفكر.
وهنا تعتمد القصيدة على الأدوات الدرامية ؛ لأنها ترتكز على الحركة المستمرة، والتحول والانتقال من مكان لمكان آخر بشكل دائم ملتحمة بالتناقض الإنساني، (الحزن، الحب، الكراهية…الخ )، وبالنتيجة تكون “موضوعية كونها معبرة عن هذه المتناقضات موقفا أو شعوراً ذاتياً صرفاً”
وهنا تقوم القصيدة الدرامية على شبكة من العلاقات بين الحدث والشخوص والصور المفردة والصور العامة، تنبض جميعا نبضا دراميا واحدا وتصبح صورها ذات علاقات نسيجية فكل صورة مرتبطة بما يقابلها وبما بعدها ارتباطا عضويا، والتعبير الدرامي هو أعلى صورة من صور التعبير الأدبي..
طرحت الشاعرة ” ريم البياتي ” في مجموعتها الشعرية “بوابات الهلع ” قصائد شعرية يطغى عليها شكل كتابي “الدراما”، وهذا الشكل يمنحنا دلالات مهمة وتأويلات عدة، وفي ظني أن الشاعرة أرادت أن “تمسرح النص الشعري” .
ولاحظتُ أنها تنسج على نسج “سفر الانشاد” وتسير على منوالها – “اللغة، والصورة الشعرية، والإيقاعات الموسيقية الحزينة التي تحمل داخلها أحزان درامية” لها دلالاتها الروحية والدينية ؛ ربما هذا التأثر هو جزء من البيئة -التقاليد -الثقافة ,أو ربما حصل استدعاء من مخزون لاشعور للشاعرة الجمعي الذي يتجاوز حدود الجغرافيا المحلية ويستند إلى رموز ومكونات وتجارب مشتركة بين جميع أبناء البشر.
ان الحديث بالدراما عن صورة الطفل العربي، هذه الصورة التي يتشكل من خلالها سيرة الطفل الحزينة التي ترصدها عين الشاعرة من أنفاسها حالات الحزن التي تؤثر في ذاته، بل إن الأحلام التي يمتلكها صارت مبددة وواهية في ظل الإهمال الواقع على حياة الطفل.
يفتح عينيه رويدا
اين انا؟
طفل مربوط اليدين
من قمطني؟
لكن اللحظة تهرع مثل الريح تدور
ويفتح عينيه ببطء
أناشيد الشاعرة قصائد أو نصوص هدفها الوصول إلى هدف سياسي معارض بل مقاوم لانه الاكثر تاثير في نفس ووجدان القارئ ,ومشاركة أيضا في تفاعلية الحدث .ولا مجال لإنكار حقيقة أن هذه الأناشيد كُتبت بتوظيف تراث الشعوب.
المهم أن نشيد الأناشيد له طريقته في الكتابة وشكل ترتيب الألفاظ وفق تأويل المعنى..
.ويتضح ذلك من خلال تركيبة الجملة الشعرية وهي مميزة جدا .
حملته يد لاكف لها
يتأرجح بين الغيم ,ولكن ليس كطائر
خطوات تسبق خطوات
لكن القدم مسمرة
والغيم يذوب ,وتلك الكف تؤرجحه..
اما بالنسبة لسمة الأسلوب نجد هناك سمة التضمين في القصائد – اللغة وإنشاء الصور ، فنرى فيها توليفات (مسرحية ) للتعبير عن طبيعة الصراع الدرامي عن هموم شعب الذي دفع ضريبة دم وتهجير وهو المسالم المحب للانسانية ، وهذه الحوارات هي جزءاً من مشاكل الانسانية ،وعلى الشاعر ان يساهم في كتابة هذه الأحداث. لذلك فان عملية التوليف الشعري تنهال على خيال الشاعرة بغزارة لتكتبها في قصيدة درامية، هي فضاء واسع من الاستلاب و قساوة الحرب والدمار والجوع وقتل الموروث .
يفتتح الجلسة
يتلفت صوب القاضي
ما أسم الماثل؟
تسري هممه عن القوس
صفحات تفتح …تغلق
يسأل:وردان ؟
أيكون سعيدا؟
ليس له من هذا بيان
أيكون شقيا؟
وهذا ايضا للنسيان
إن جل هذه المفردات الشعرية التي خرجت من سياقها المعجمي لتدخل في سياق شعري يمنحها النص حياة جديدة، فتصبح رمزا لافتا في بناء النص الشعري ، بل تصير ذات خصوصية في استخدامها داخل النص، فبطل النص الدرامي “وردان” الذي تتحدث عنه الشاعرة يتجلى صوته بين الرجاء والصبر والتمسك بعهد الله، في المحن. هذا البناء الفني الذي يدخل في القراءة الدرامية يدل على استدعاء الشاعرة لروح البطل الدرامي الذي ارتبط بالمحن والصبر والرجاء. فتصبح إذن الذات في مأزق إنساني لافت من خلال التناقض بين أهداف الروح والجسد.
جلس الكل، ووردان تقدم خطوتين
يحمل الأوراق في الكف اليمين
وانحى الجذع احتراما للرباب
فكر الملقي ,ياللهول من هذا الهراء
كل هذا الجمع تأمره النساء
خاب قوما طالما ولوا النساء
وفي الختام .. إن اناشيد الشاعرة حديث يحمل حزنا غائرا في النفس البشرية البطل “وردان”، فهو لا يتحدث عن حزنه الفردي الخاص به، بقدر حديثه عن أحزان عامة أصيبت بها النفس البشرية، فقد أنتج هذا الحزن أبعادا وصراعا نفسيا متأرجحا بين صورة العالم ، ووقعه على النفس ، و إن الحزن هو الشيء الوحيد الصادق في هذه الحياة، فيمكن للذات أن تحزن على نفسها لكنها لا تنجرف في مبالغة الأحزان وجراحاتها،وإنما تنهض كطائر العنقاء من الرماد..