تحت وطأة ابتزاز ابتساماتها وإلحاحها، خضعت أمها، وأطلقت عنان خصلاتها. لم تكن تعرف أنه ستبنت لها على ضفاف ضفائرها أجنحة ستحملها إلى أحلام رحبة بعدد خصلاتها المتحررة.
الطفلة حلمت بقصص الحب وخطاباتها. بعثرتْها بين عينيها، وغرست على وجوه أحبائها قلوباً أزهرت بساتين ربيعية بألوان قوس قزح. شرعت للحب وسائدها، وزينت به مفارشها. كتبت بحروفها المتعرجة أحجية لزميلاتها، فصرن جميعاً علامات موسيقية في نوتتها الخاصة، وأودعتها درجها المدرسي.
لم تكن كالأميرة التي اكتفت بالجلوس بين جدران قلعتها تندب حظها، وتمشط خصلاتها الذهبية، ولكنها اعتادت أن تتراقص بخصلاتها المتبعثرة، ورائحتها تشدو خلفها، فأثارت غيرة أهالي المدينة الذين اعتادوا قياس طول شعرها ولهوها بمقياس حقدهم.
أرادوا هبة من جمالها وعطرها، فصارت كلما قبَّلت قدماها حياً، امتدت الأيادي إلى خصلاتها المتساقطة من فرط ما حملت من عشاقها، وحبسوا بين كفوفهم ومجساتهم الشَّمِّية شيئاً من رائحتها.
جربوا فيها خلطات وأعمالاً سحرية؛ علَّهم ينالون جزءاً من سحرها، أو حتى لتعلق روائحها بأجسادهم، ولكنها خابت جميعها، وما نالوا سوى زيادة أعداد مريديها الذين أثملتهم رائحتها، فتبعوها لتأخذ قلوبهم وتلونها وتطعِّم بها إحدى قصصها.
يوماً، سقطت بين يدي معلمتها إحدى أحلامها المدونة. تتبعت بصمات روائحها، فدلَّتها على درج مكتبها المدرسي، وما أن فتحته حتى طاردت كل عشاقها، وقيدتهم بجدول الضرب، وحاولت أن تلقنهم التعليمات المدرسية.
أمسكت المعلمة بضفائرها، وخنقتها بشرائطها، ومشطت ألوانها ورائحتها، فصارت كتلك الشجرة التى أفقدوها تيجانها لدواعي التشذيب، فوقفت تداري سوءاتها عاجزة.
اجتمع الأهل وأولياء الأمور. اتهموها بالفجور، واعتبروها تشجع أطفالهم على الإثم. حملوا رائحتها التي التصقت بقلوب أبنائهم كدليل إدانة، وطالبوا بتطهير المدرسة والمدينة من خيالاتها.
كان عليها أن تختار عقوبتها بنفسها، وكان هذا جزءاً من العقاب، فأعادت ضفائرها إلى محبسها، وتركت جسدها يلهث تحت سياط الشمس حتى تتخلص من رائحته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من مجموعة “صندوق لا يتسع للأحلام” الصادرة مؤخرًا عن دار كيان
شرين يونس ـ قاصة مصرية صدر لها:
ـ في انتظار سانتا ـ مجموعة قصصية