نمر سعدي
إنتظاري لك على مفترقِ القصيدةِ أصعبُ الأشياءِ وأجملُها معاً.. يعلِّمني كيفَ أصنعُ من قصبةٍ تنمو في أصابعي ناياً لفمكِ الخائفِ كدوريٍّ في الربيعِ وكيفَ أحوكُ من غيمةٍ قميصاً لنومكِ المغسولِ برذاذِ الخريفِ.. مشكلتي الوحيدةُ أنني على عجلةٍ من أمري دائماً ولا وقتَ لديَّ لانتظاركِ
********
أيلولُ شهرُكِ.. حاجاتٌ مؤرَّقةٌ
إلى النحيبِ.. وكم أخلفتِ لي وعدَهْ
أيلولُ شهرُكِ.. تختالينَ فيهِ ولا
يبتلُّ صوتُكِ بالغيتارِ والوردةْ
أيلولُ فتنتُنا الأولى ولعنتُنا
ورِدَّةٌ في أغانينا عن الرِدَّةْ
أيلولُ ثالثُنا الأحلى.. بلا سببٍ
يبكي النبيذُ على أبوابهِ وحدَهْ
أيلولُ سلكٌ نحيلٌ كانَ وتَّرهُ
دمي لآخرِ نجمٍ فيكِ إذْ مدَّهْ
********
سأبيعُ أعوامي على الطُرقاتِ
مثلَ أتيلا يوجيفَ التعيسِ
لصائدٍ أعمى
يرى ما لايراهُ الناسُ
أو للسائقِ الضجرِ السمينِ..
لبائعاتِ الخبزِ في الفجرِ المرصَّعِ بالمَحارِ..
لسربِ عشَّاقٍ سَكارى
للجسورِ وللأزقَّةِ
للفراغِ الساحليِّ
وللنهاراتِ الجريحةِ في القصائدِ
للصدى الملهوفِ
للصدأِ النظيفِ…
مباركٌ هذا الترابُ
خطيئتي وبراءتي هذي البلادُ
مهادُ قلبي عشبةٌ بريَّةٌ
نامتْ على دربِ القطارِ
********
لا أريدُ الكلامَ ولا الصمتَ
فيدُكِ التي أغلقتْ على يدي كزهرةِ لوتسٍ متوحشَّةٍ
أصبحتْ عصفورةً حجريَّةً في الحديقةِ العامَّةِ
وخصرُكُ المصقولُ كقمرٍ وحيدٍ
منذُ البارحةِ وأنا أسمعهُ يبكي من بعيدٍ كطفلٍ
فيصيبني بندَمِ عظيمٍ على قصائدَ لم أكتبها
أو مزقتُها وبذرتها حولَ بيتي
لتنبتَ كالحشائشِ البريَّةِ في نيسانَ
أو لأنني لم أبُسْ في زيارتي القصيرةِ
كلَّ حجرٍ أو وردةٍ مهملةٍ في الطريقِ إليكِ
لا أريدُ شيئاً
أريدُ فقط أن أعرفَ معنى الزرقةِ
********
لم يعرفوا ماذا أريدُ وأشتهي
من كُحلِ عنقائي
ومن أسرارِ تفَّاحِ الغوايةِ
فالضلالُ يقودني نحوَ البحيرةِ
مثلَ أعمى النايِ…
ما انتبهوا إلى أني مصابٌ
بالجناسِ وبالعتابا الساحليَّةِ
والرنينِ الأنثويِّ..
تأمَّلوا فيما وراءَ النصِّ من أبديَّةٍ عذراءَ
أو بجعٍ خرافيٍّ
يحطُّ على رمادِ الماءِ..
لم يتحمَّلوا عفويَّتي
بخطابِ قُبَّرةٍ.. وماتوا واقفينْ
*********
لا لفظَ يُفضي إلى الرؤيا
فكُن ليَدي
يا أيُّها الغيبُ.. يا معراجنا الأبديّْ
كن طائراً في مدى عينيَّ..
كن حَجَراً
يمشي إلى النهرِ في قلبِ المحارةِ.. لا…
محارَ يُفضي إلى نهرٍ..
أرى شجراً
في لوحةٍ ينحني للريحِ
أو لمقامِ الوردةِ/ الرَصَدِ
لا نأمةٌ فوقَ غيمِ الدربِ.. لا حبقٌ
فوقَ النوافذِ..
قلبي كانَ بوصلتي
إلى سدومَ التي حلَّتْ أصابعُها
عُرى القميصِ وفكَّتْ حُبسةَ الجَسَدِ
يدايَ طيرانِ منفيَّانِ في بلدٍ
من الرمادِ.. ومن أهواهُ في بلدِ
أخافُ من قمَرِ الموتى ومن ندَمٍ
يعيشُ في القلبِ مثلَ الرغوِ في الزبَدِ
*********
تكبرينَ كما تكبرُ الأغنياتُ
بلا سبَبٍ في حقولِ الذرةْ
كما تتكوَّرُ بعضُ النجومِ
على السطحِ مثلَ الثمارِ
كما تتكوَّنُ حولَ يديكِ
غيومٌ مسائيَّةٌ لرنينِ الطيورِ
كما يتجمَّعُ حولَ الينابيعِ
شِعرُ النسيبِ القديمُ
كجندٍ حيارى
كما تقتفي الزهرةُ الحجريَّةُ
وجهيَ حولَ ندى الخاصرةْ
تكبرينَ بلا سبَبٍ
قربَ فردوسِ آدمَ
ينتعلُ الشوكُ قلبَكِ
يقتسمُ الجندُ ثوبَكِ..
لا يهرمُ الرملُ حولَ خطاكِ
ولا تكبرينَ
سوى في المَجازِ وفي الذاكرةْ
*********
تخفَّفْ من اللغةِ الكاذبةْ
من أغاني الرعاةِ الخفيفةِ
من نزَقٍ عابرٍ في القصيدةِ
من وقتكَ العاطفيِّ
ومن زنبقاتٍ ثلاثٍ تطلُّ عليكَ
كما تقفُ القبَّراتُ
على خيطِ رغبتكَ الذاهبةْ
وممَّا يقولُ المسافرُ للظلِّ
عندَ الحديقةِ..
يا آخري أو أنايَ.. انتبهْ
أنتَ حوذيُّ حلمكِ
تمشي إلى ما تريدُ
وتدخلُ في الجهةِ الغائبةْ
كلَّما أزهرَ الفلُّ في كاحلِ امرأةٍ
أكلتهُ كلابُ قصائدكَ السائبةْ
*********
تقاسَمتكَ بلادُ الأرجوانِ هنا
من مسقطِ القلبِ حتى آخرِ المنفى
فكلَّما زادتْ الأشعارُ قافيةً
تزدادُ وجداً خريفيَّاً ولا تشفى
أمامَكَ العوسجُ الطينيُّ مشتعلٌ
وأنتَ تحجبُ عن عينيكَ ما شفَّا
تخطُّ نصفَكَ في زهرِ الفراشةِ أو
تمحو عن الماءِ أو لوحِ الصدى نصفا
إقرأ كتابَكَ.. ضوءُ الملحِ ينزفُ من
جرحِ اشتهائكَ في هذا المدى نزفا
*********
سأصعدُ ذلكَ الدرجَ الرخاميَّ
المغطَّى بابتساماتِ الصبايا الفاتناتِ
ونبتةِ الدفلى الحزينةِ
في نهارِ الكرملِ الورديِّ..
حتى أقطفَ الدهشةْ
عن الشفةِ الرقيقةِ مثلَ زهرِ الحورِ
عن شفقِ الشبابيكِ العتيقةِ
ثمَّ أرمي بالبنفسجِ مثلَ جنديٍّ تعيسٍ
بعدَ خُسرانِ الحبيبةِ والمعاركِ..
روَّضَ الوحشةْ
*********
الشاعرُ البدويُّ ضلَّ
غناءَهُ الرعويَّ
ضلَّ سماءَهُ الأولى
وسبعَ قصائدٍ
وانحازَ للنسيانِ
أو ربَّى قطيعَ ثعالبٍ
في قلبهِ البحريِّ
والمعنى القريبْ
ما زالَ يبحثُ عن سرابٍ آدميٍّ
سوفَ يُرشدهُ إلى تُفَّاحةٍ
في عُهدةِ الأفعى
وعن ذهَبٍ يُلمِّعُ ما اختفى
في أجملِ الكلماتِ والنظراتِ
من صدأِ القلوب
********