النقد الأدبي والنقد الثقافي.. أسئلة النص وأسئلة النسق

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 22
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

قلولي بن ساعد  

لا أعتقد أن هناك مثقفا مطلعا على بعض سرديات النقد المعاصر السياقية منها أو النسقية المنبثقة عن الإنفجارات  المتتالية على صعيد العلوم الإنسانية بالغرب مسقط رأس النظرية الغربية والفضاء الإبستيمي الناشئة عنه  يمكن له أن يصدق فعلا أن النقد الثقافي هو هذا التيار المبشر بموت النقد الأدبي.

 فالغذامي نفسه التي تنسب إليه هذه القطيعة الدالة على (موت النقد الأدبي) وحتى لو قال ذلك عرضا في كتابه المرجعي (النقد الثقافي قراءة في الأنساق الثقافية العربي ) الكتاب الذي كشف فيه الغطاء عن ما يسميه بالأنساق الثقافية  المهيمنة في التراث الشعري العربي وفي نصوص الحداثة الشعرية العربية وهي حداثة شكلية كما يرى لا أهمية لها في الفضاء الدنيوي كتجل لحياة النص وديمومته.

 والدليل على ذلك أن الغذامي لم ينكر أن أبدا  النقد الثقافي جزء من النقد النصوصي ولا شك أنه كان بسلوكه هذا يمارس على ذاته وعلى مخياله النقدي نوع آخر من النقد هو النقد الذاتي إذ إعتبرنا تجاوزا أن الغذامي قد  قام بالدعوة إلى موت النقد الأدبي.

النقد الذاتي  الذي لا يزال المثقف العربي بعيدا عنه ويتهيب من طرحه لأنه يطال الذات العربية التي كان يرى محمد عابد الجابري أنها على الصعيد النفسي “لاتقبل النقد إلا في صورة مدح أو هجاء”.

 لقد كان صعبا على المثقف العربي المستسلم لثقافة الوثوق الأعمى وللأوهام التي عششت في ذهنه ومخياله بسبب بعده واغترابه عن روح وجوهر ” النقد الذاتي ” وإعتباره ذاته بعيدة عن نقد الأنا والآخر أن يقبل بنوع من التفكيك والمساءلة الصادمة “لوعيه الشقي ” والوعي الشقي كما يحدده عالم النفس الشهير جان بياجيه ” هو الوعي القائم في بحر الإزدواجية والتناقض “.

 وفي كتابه الصادر سنة 2017 ( الجنوسة النسقية أسئلة في الثقافة والنظرية ) لم لم يتوانى الغذامي  في التأكيد على أن النقد الثقافي ” لن يكون إلغاء منهجيا للنقد الأدبي بل إنه سيعتمد إعتمادا جوهريا على المنجز المنهجي الإجرائي للنقد الأدبي  ”  (01).

وكل ما في الأمر أن هناك ثغرات لم يكن بوسع النقد الأدبي النصوصي ترميمها لأنها ليست من صميم المنظومة النظرية التي يستقي منها النقد الأدبي  أدواته المفهومية والتقنية والإجرائية فأنشغل بالبنية وأهمل النسق.

والنص كما نعلم بنية ونسق وليس ينية فقط مما لا يمكن إستنفاد كل أسئلة القراءة المفتوحة أمام رياح العقل البشري في إستنباط الدلالة الثقافية من باطن النصوص الإبداعية الجديرة بالتناول النقدي من منظور النقد الثقافي الذي لازال النص الإبداعي الجزائري والعربي عموما بعيدا عنه.

بل وهناك من يتهيب مما أبداه بعض النقاد من الدعوة إلى تمكين النقد الثقافي و” تبيئة ” بعض مفهوماته والأسئلة التي يحاول إثارتها بدعوى أنه يساوي بين جميع النصوص من حيث كونه لا يقول لنا ما إذ كان هذا النص جميلا أم رديئا من الناحية البلاغية والجمالية طبعا على إعتبار أن النقد الثقافي ليس من وظائفه أبدا التعرض للحيل الأسلوبية والبلاغية في النص أو الكشف عنها وهي دعوة  باطلة بل وتخفي وراءها توجسا رهيبا من النقد الثقافي الكفيل بتعرية الثقافة العربية والنص الإبداعي كتجل لهذه الثقافة من الأنساق الثقافية المهيمنة تحت غطاء الجمالية والحيل الأسلوبية والزخارف اللفظية بما تهيل عليه ما يسميه محمد عبد الله الغذامي ” بحكومة البلاغة ” بعض الهيمنة النسقية.

هذا هو سؤال النسق الذي قاد عددا من النقاد الثقافيين إلى الإنفتاح على إنتاجية أسئلة ما بعد البنيوية وما بعد الحداثة وغيرها من أشكال السيرورات المتتالية التي جاءت بها الخطابات البعدية بوصفها الحاضنة المعرفية التي إتكأ عليها مؤسسو حقل الدراسات الثقافية.

وهو مفهوم أشمل من النقد الثقافي في مركز برنغهام ببريطانيا للدراسات الثقافية التي تعتبر إحدى الخلايا التي ستنبثق عنها سلسلة أخرى من التوجهات المعرفية وهي توجهات كلها تصب في مصلحة المعقولية التي تحفظ للتعددية الثقافية بأن تدشن بعض أهدافها  بما في ذللك ثقافة الهوامش والأطراف خاصة في العالم الثالث ( النساء / السود / الأفارقة / الأسيويين) والنصوص المجاورة لها على غرارالسينما والمسرح والفنون التشكيلية  كروافد ثقافية لم تكن محل عناية من طرف النقد الأدبي النصوصي الذي  ركز كل جهوده على النص   الإبداعي المؤسساتي وعلى نصوص ( الحداثة الرفيعة ) بتعبير ماري تيريز عبد المسيح بأثر مما يضمن للقراءة النصية إمتثالها لفوقية المركزية الغربية  التي تلقى بعض مناهجها النقاد العرب بنوع من الميكانيكية والشكلانية حتى لا أقول التبعية المذلة.

وعليه ليس غريبا أن يستيقظ في آخر المطاف ناقد فرنسي  من أصل بلغاري وهو تودوروف بعد مسار طويل من الممارسة النقدية في أفقها الشكلاني على وقع بما يسميه الناقد الهندي ديبيش شاكابراتي ( صحوة التابع ) فيقدم مراجعة لمساره النقدي في كتابه ( الأدب في خطر ) واصفا كل ما فعله هو وزملائه من (الأغيار) القادمين من بلغاريا بالوقوع داخل غيتو هو ( الغيتو الشكلاني ).

يحدث كل هذا بإعتراف أحد أقطاب المدرسة الفرنسية بصنميتها التي نعرفها جميعا وهو رولان بارت الذي لم يتردد في مكاشفة لعبد الكبير الخطيبي عندما قرأ كتابه ( الإسم العربي الجريح ) إلى أن الخطيبي يعلم بارت ما لم يقف عليه معترفا بأن الخطيبي  يخلخل معرفته ويأخذه بعيدا عن ذاته إلى أرضه في حين يحس بارت كأنه في الطرف الأقصى من نفسه.

 قد تبدوالعبارة التالية  (الخطيبيي يعلم بارت مالم يقف عليه بارت) بالنسبة لقاريء  لم يتعود على نوع من الحوار المتكافئ بين مثقفين أحدهما من الفضاء الثقافي الأمبراطوري وهو بارت والثاني من الضفة الأخرى الضفة التي جرى عليها فعل الطمس والإحتواء.

 ولكن بارت فعلها أمام الخطيبي ولم يتردد أبدا في الإعتراف بقدرة الخطيبي على جره إلى أرضه وكان يقول ” هنا يمكن لمثقف غربي مثلي أن يتعلم شيئا من الخطيبي ليس أساسنا اللغوي واحدا  ومع ذلك يمكن أن نأخذ عنه درسا في الإستقلال إننا واعون جدا بإنغلاقنا الإيديولوجي ” (02).

وإذن فنحن بإزاء تحول في أدوات المعالجة النقدية للنص الإبداعي العربي المشحون بتلك الظرفية التي تورط فيها العنف الإبستمولوجي الغربي المتواطيء مع عنف آخر هو العنف الإمبريالي لتجاوز حالات الإنغلاق الأيديولوجي الذي إعترف به بارت بما يعني اللجوء إلى ما تسميه الناقدة الهندية ما بعد الكولونيالية غياتري سبيفاك (التفاوض) مع النظرية الغربية للحد من مفعول الهيمنة الإبستيمية كما وردت إلينا من مراكز إنتاج المعرفة النظرية بالغرب المرتبطة بالسرديات أو علم السرد أو (الإرجاء)  بمفهوم ديريدا كلحظة وعي نقدي لا بد منها لتوطين الأدلة والمفاهيم أو (تبيئتها ) بتعبير الجابري أو ( أقلمة المفاهيم) بتعبير الباحث السوري الدكتور عمر كوش الأقلمة التي خصص لها عمر كوش كتابا سماه ( أقلمة المفاهيم تحولات المفهوم في إرتحاله ) بهدف إنتاج المعنى والدلالة من النص.

وهو هنا بالنسبة للقراءة الثقافية المعنى الثقافي الذي غيبته القراءات النصية والبنيوية والسيميائية وغيرها من القراءات السابقة عليها أو المتزامنة معها إلى حد الحلول في ما وصفه إدوارد سعيد ( بتيه النصية )  لأسباب وسياقات تاريخية لم يكن من الممكن الإعتراض عليها أو مساءلة الناقد النصوصي بشأنها  بالنظر لحداثة تجربة الكتابة النقدية بالجزائر وتعثر مشاريع الترجمة والبحث العلمي والتذبذب الحاصل على صعيد مشروعات النهضة العربية التي لم تهب عليها رياح ( الأنسنة ) إلا قليلا.  

…………….

إحالات

01 ) الجنوسة النسقية أسئلة في الثقافة وانظرية – عبد الله الغذامي ص 136 – الطبعة الأولى  2017   المركز الثقافي العربي بيروت

 02)  شهادة كتبها رولان بارت بعنوان ( ما أدين به للخطيبي) منشورة ضمن كتاب الإسم العربي الجريح لعبد الكبير الخطيبي – ترجمة محمد بنيس ص 15 منشورات دار الجمل بغداد / كولونيا

مقالات من نفس القسم