الناقوس الزجاجي .. الموت كخيارٍ أخير

الناقوس الزجاجي .. الموت كخيارٍ أخير
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

جابر طاحون

ما أن يعرف الواحد أن أي كتاب هو سيرة ــ كتابة الألم بامتياز ــ  لكاتب حتي يقرأه متلصصًا ، بدافع البحث عن (تقاطع؟) أو كما يصف الألماني  "ولهيلم ديلثي" السيرة الذاتية بأنها «أرقى أشكال بلورة فقه الحياة، ونقلها إلينا "." ثم أدركت أن لا أحد من الناس كان يتحرك "

هذا ما تقوله " سيلفيا بلاث " في " الناقوس الزجاجي "

كتبت " سيلفيا " في يومياتها : "إلهي، أهذا هو كل شيء، تردد صدى الضحكات والدموع المنسكبة في الدهليز؟ تبجيلُ الذات والاشمئزاز منها؟ التألق والشعور بالقرف؟"

ما قد يميز ” سيلفيا ” أنها لم لم تحاول الهرب من حقيقة الذات أو الالتفات عليها و الوقوع في خداع الذات . إذن ربما يمكن القول عن ” سيلفيا ” أنها كانت سيرة محاولة و تجريب لا اعتراف او تطهر أو تبرير و اعتذار .
الجانب التوثيقي لما يبدو سجن الأشياء من حولها ، السجن الذي قد يكون أشخاصًا أو أماكن أو أحداثًا و محاولة البحث عن مكان لنفسها بين هذا كله و محاولة أن تكون هي نفسها رغمًا عن أي شيء
سواء ذاتها المتحولة بتحول ما يحيطها و اضطرابه أو تأمل الماضي و الوعي به 

في اليوم الحادى عشر من فبراير 1963 اطمأنت سيلفيا بلاث علي أبناءها و صنعت لهم الطعام . دخلت المطبخ و وضعت مناشف مبلولة تحت الأبواب لتسد منافذ الهواء ، فتحت اسطوانة الغاز  و وضعت رأسها في الفرن .

“الموت فن ككل شيء آخر

أتقنه بشكل استثنائي”

ربما يكون الموت  هو المحاولة الأخيرة للانتصار علي التعاسة . كان كل شيء حولها أوصلها لرغبة عارمة في الموت  . بات الإحساس بالغرابة هو الإحساس الوحيد و المسيطر . باتت تري كل ما حولها رؤوس صغيرة و بدوا مثل لا شيء أكثر أو أقل من رؤوس حمقاء غبية كثيرة .

لا شيء يبدو أكثر ترويعًا من الإحساس بأن كل العلاقات سطحية و بلا معني ، و أن تصبح الحياة نزيفًا متواصل ، و لا شيء إلا الحزن و الألم .
غادرت سيلفيا الحياة منقسمة بين “الأم الرقيقة والمرأة الطموحة، بين الكاتبة الجدّية والأنثى الشهوانية، بين الزوجة المثالية والروح المتحررة. فكانت تعتني يوما بشكلها، وتهمله يوما آخر. يوما تكتب، وتنظف في يوم آخر البيت. يوما تلزم الفراش مستسلمة لكسل التأمل، وتطهو في يوم آخر وتحضر المربيّات. كل ذلك في تأرجح مستمر بين الاكتئاب المحطِّم والإرادة الحديدية. كانت سيلفيا في اختصار ممزقة بين رغبتها في حياة “لا تختصرها يدا زوج”، وتوقها إلى حبّ مثالي يتجسد في زواج أدبي وذهني بقدر ما هو عاطفي وحسّي، لتشبع شغفها بالحب والكتابة على حد سواء.”

كانت  طوال حياتها تخبر نفسها أن الدراسة و الكتابة و القراءة و العمل مثل مجنونة هو ما تريد فعله . و بدا الأمر واقعيًا بعض الوقت، فعلت كل شيء و حصلت علي علامة ” ممتاز ” و لم يكن بإمكان أي أحد إيقافها ، و لكن ماذا عن قسوة الحياة ؟

ماذا تفعل أمام خسارة أب كان كل حياتك و أنت كل حياته ؟ ماذا تفعل أمام خسارة و خيانة حبيب ؟ ما هي المسافة بين أن تكتب سيلفيا في يومياتها :” العيش مع تيد شبيه بالاستماع إلى حكاية سرمدية. إن عقله لامع وخياله عظيم. ”      و بين :” نحن الاثنان غريبان لا يكلم أحدهما الآخر. وعندما نعود من نزهتنا القصيرة أشعر بالمرض ينمو ويكبر، بنومنا وحيدين، وبالاستيقاظ ذي الطعم الحامض.”

كل ما كتبته سيلفيا يوضح الحالة النفسية غير المستقرة التي كانت تعانيها و أن الموت كان حاضرًا بقوة دائمًا في حياتها ، تنبأت بموتها المبكر ، من دون أن يساورها شك أن ستعيش سعيدة و أن تمهد الحياة طريقًا دون خيارات متاحة إلا الموت
 

فكيف لي أن أشيخ الآن؟ أنا شبح انتحار شائن”
” 
كانت فكرة أن أقتل نفسي قد رسخت في عقلي بهدوء مثل شجرة أو زهرة”

 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 كاتب وشاعر مصري

مقالات من نفس القسم