“المقاعد الخلفية” لـ نهلة كرم.. دراسة نفسية لجيل جديد

المقاعد الخلفية
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

محمود عبد الشكور

فى رواية “المقاعد الخلفية”، الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية، حساسية جيل آخر من الكاتبات، تنظرن بشكل أكثرتشككا وحذرا للعلاقة بين الرجل والمرأة، يتبلور حلم المرأة بالأمان بشكل أكثر قوة، وتتبادل الفتيات العزاء والنصائح، هاجس الوحدة أيضا حاضر وواضح، وتجارب الماضى كذلك، ولا مفر من المغامرة، فلا يوجد رجل مثالى كامل الأوصاف، ولا توجد فتيات أيضا بمثل هذه المواصفات.

نهلة كرم مؤلفة رواية ” المقاعد الخلفية”، الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية، لفتت أنظارنا بروايتها الأولى ” على فراش فرويد”، كتبت بجرأة تجربة فتاتين، وظهر واضحا اهتمامها بالجانب النفسى لشخصياتها، فى تجاربها القصصية القصيرة تمتلك شخصياتها أحلاما بالحرية والإستقلال، تطلبن ظروفا أفضل فى العمل والعاطفة، ودوما هناك مخاوف وهواجس اجتماعية ونفسية، وصولا الى هاجس الموت، الذى يخطف الأحبة، ويمنع الإحساس بالأمان.

سارة بطلة “المقاعد الخلفية” لها أيضا مخاوفها، رغم أنها فتاة عاملة ومستقلة، عملها فى شركة كمعدة لمادة وأفكار أفلام تسجيلية، يجعلها أيضا فى قلب المجتمع، وعلى علاقة قوية بالناس، ولكن علاقة قديمة لها فى المرحلة الثانوية، تسيطر على علاقاتها القادمة، يضاف الى ذلك ما تراه من فتور ومشاحنات بين أمها وأبيها.

 يمكن اعتبار الرواية دراسة نفسية لفتاة تمثل هذا الجيل بقوة، رغم خصوصية تجربتها، إنها تخشى من الإرتباط، ولا تحتمل فى نفس الوقت أن تعيش وحيدة، يمكن أن تحب، ولكنها تريد ضمانات لاستمرار هذا الحب، تعيش الحاضر ، بينما تقيدها تجربة الماضى،  تقوم بدور الناصحة لزميلاتها، بينما تحتاج هى الى المساندة، تبدو أحيانا قوية للغاية، وقادرة على اتخاذ قرارات مؤلمة، بينما تظهر فى أوقات كثيرة كشخصية هشة وضعيفة، اعتادت على أن تكون علاقاتها فى المقاعد الخلفية، وتليفوناتها أسفل البطانية، بل وتعودت على التمارض إذا لزم الأمر.

تبرع نهلة كرم فى التعبير عن أزمة بطلتها، تثبت المؤلفة الشابة أنها من أكثر كاتبات جيلها عناية بالبعد النفسى لشخصياتها، ولكنها لا تكتفى بذلك، وإنما تقدم بصوت سارة، الساردة الوحيدة، قصص ثلاث صديقات أخريات، لكل منهن مشكلتها وأزمتها ومخاوفها ، ومرة أخرى تعبر الكاتبة عن بنات جيلها، تقدمهن بعيوبهن ونقاط ضعفهن، إحداهن تقبل زوجا تسيطر عليه أمه، حتى لا تفسخ خطبتها، وأخرى تضطرب علاقتها مع أمها، وتفتقد الشعور بالأمان، فيؤثر ذلك على كل من تعرفه، والثالثة تحب رجلا متزوجا، يتركها لأنها أحبته، ولم تتحفظ معه، هناك حساسية كبيرة فى التعيبر عن تفصيلات المشاعر والعواطف المتقلبة، نشعر فعلا بالتعاطف مع هذه النماذج، بسبب ضعفها وبشريتهأ، ولأنها تتساند على  صداقتها وتجارب بعضها البعض.

يلعب الحوار دورا محوريا فى الرواية، بل لعلنا أمام حوار مستمر، سواء مع الذات أو مع الآخر، هناك أيضا حوار ومراجعة مع ماضى الشخصيات الذى يؤثر عليها، ورغم ذلك، فإن الكاتبة تنتقل بسلاسة بين الفصول، يعنيها بالأساس تحليل المشاعر والعواطف، وتنجح الى حد كبير فى ذلك، هناك أيضا إستغلال جيد لفترة أيام حكم الإخوان الأخيرة، وتوظيف انعكاساتها على ظروف الشخصيات وتحولاتها، شخصيات الرجال قدمت أيضا بدون انحيازات مسبقة، نماذج إنسانية يمكن أن تجد مثيلا لها فى كل مكان، تمتلك الرواية عموما هذا المزيج الناضج من الرومانسية والواقعية، ومن الأبعاد النفسية والإجتماعية، ومن طرافة النظرة للعلاقات الزوجية، بين جيل الآباء، وجيل الأبناء.

” المقاعد الخلفية”  لا تشير بعنوانها الى ما حدث لبطلتها فى الماضى فحسب، ولكنها تمنح التعبير أيضا مجازه القوى، كدلالة على عدم المواجهة والتخفى ، تنتهى الرواية وقد وضعت بطلتها يدها على مشكلتها، أما صديقاتها فكل واحدة منهن تختار طريقها، لا يمكن أن تكون المقاعد الخلفية حلا، ولا الهروب سبيلا، يبدو لى أن الضمان الوحيد هو نضج الشخصيات، قوتها الداخلية، وقدرتها على قهر مخاوفها، وليس أى شىء آخر.

مقالات من نفس القسم