محمد بروحو
نعق بوم من مكان قريب من حديقة الرجل الذي كان آنذاك ممددا على أريكة، أُعْتُدَّتْ من جذوع شجر البلوط المتيبس. فرشت تلك الأريكة من وبر البقر الناعم، ذو لون برتقالي فاتح ولامع، وأسندت إلى أربعة أطراف خشيبة؛ رباعية الشكل، اتخذت شكل قوائم زرافة رشيقة حين لامست الأرض، بينما رُصع إطارها الخارجي بصدف من عاج أنياب فيلة ضخمة. بينما تساقطت أوراق شجر الدراق مصفرة ومتيبسة على ترنيمة مساء خريفي بارد، وآنذاك لف المكان سكون غامض، امتد على مد البصر صف من أشجار الصفصاف الباسقة، حادت ضفتا النهر الساكن ماؤه. وحينما لامست الأفق المبلط بأرجواني فاتح سحب أطلت من الغروب، صاعدة متثاقلة، بدت تلك الأشجار باهتة الألوان، راكنة ساكنة، وقد أُنْشِئَتْ ظلال بفعل ميلان شمس قاربت المغيب، فبدت كأشباح شاردة ومتيبسة.
وأما الرياح الموسمية فلم تعلن بعد عن بدء هبوب متعود عليه، لذا بدت أوراق شجر الصفصاف الباسق معلقة كخفافيش ركنت إلى النوم.
وعلى بعد بضع أمتار من حديقة الرجل، انساب خرير مياه، ساح متباطئا، في حين أرسل لمعانا وضاء، حينما كان يصل إلى برك صغيرة دانية، أنشئت تحت أحجار مجوفة ومتراكمة، عند حافة النهر من الجهة الشرقية لحديقة الرجل.
وانقضى موسم الخريف، وظل الرجل يحضر بانتظام إلى الحديقة، كلما سنحت له الفرصة بالحضور إلى هنالك، ويستلقي من جديد على تلك الأريكة التي وضعت رهن إشارته في شرفة البيت، تحت سقف يظللها، اعتد من قش وقصب عتيد منذ سنوات عديدة، ومنذ أن قام الرجل بأول زيارة له لهذه الحديقة الغناء، ومنذ ذاك الحين وهو يواظب على الحضور إليها. وكلما استلقى على تلك الأريكة وغفا غفوة محارب أسكرته نشوة نصر أكيد. حضرت في ذهنه ذكرى الأيام الخوالي؛ حلوة لذيذة المذاق، وشمت في نفس الرجل ذكريات خالدة.
ورنا إلى فضاء حالم بالشاعرية، وساح إلى ربوع شاسعة فرشت بورود، تعددت أنواعا وأشكالا وألوانا، تكاثرت على جنبات الحديقة وأحواضها الغناء، وحوائطها المرصعة بأحجار مكورة، و صفاح اتخذت أشكالا مختلفة.
وحل المساء وغابت الشمس، ولف الحديقة سكون غامض، لكن الرجل ظل غافيا، ولم يستيقظ.
………….
*كاتب من المغرب