اللّوحُ المفقودُ من نشيدِ “إِنانا”

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 1
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

علاء الدين عبد المولى

“إنانا” الصّغيرة تُرْضعني من أناملها عسلَ الوردِ

تحرصُ أن توقعَ الوقتَ عن سورِه ليطاردَه النّهرُ: عدْ يا أخي نلدِ القمحَ من نهدها لتباركنا أرضُ تمّوزَ، عدْ لنواصلَ تأليفَها من عناصرِها المرمريّةِ… لكنّه الوقتُ يأخذُ منحى الغزالِ

وتبقى “إنانا” الصّغيرةُ خارجَ أزمانها عذبةَ اللّوبانِ على نفسِها تتغذّى بها أغنياتُ الجبالِ

“إنانا” تغيّرُ وجهةَ نهري وتُلبسُني شجراً

يضيءُ على الجانبين وتُطْلِعُ من صَخرةٍ في السّفوحِ نشيداً تدرّبني / على قولِهِ في طقوسِ الجماعِ المقدّسِ…/ تُظهِرُ لي قمرَينِ هلالينِ، تومئُ بالفخذَينِ لأسرعَ بالرّقصِ داخلها

“إنانا” تحرّرُ هذا الكلامَ، تحلّلُ أن أتوضَّأَ من ماء خمرتها الدّاخليّة حتّى أرتّلها

“إنانا” تقولُ كثيراً، كثيراً تقولُ بلا كلماتْ

تؤلّفُ لي مُعجماً ثمّ تشرحُه بالحياةْ

“إنانا” الصّغيرة تخصبُ من قطرةٍ من مطرْ

وتفسحُ لي من طريقِ الفصول إلى النّبْعِ أروي أنايَ إلى أنْ أفوّضَ قلبي إلى كرزٍ مشربٍ بالبروقِ

تشيرُ إلى أنّها أنّةُ النّايِ في نهنهاتِ الهيامِ

أكفّ عن العزفِ، ألقي عليها رداءً من الأرجوانِ

فتهمسُ لي: يا شقيقي

أخي في الْتقاطِ الْغُيومِ

عشيقي الّذي سوف يقذفُ فيَّ ثمالةَ إعصاره السّومريّ

أخي في الوقوفِ على مدخلِ الكونِ نصغي لوقعِ الفراشاتِ في دربها اللّيلكيّ ونغرفُ من شبقِ الرّيحِ أسماءنا والصّفات

ونصرعُ غولَ الخريف الكئيبِ

لنذهبَ أبعدَ من ظلّنا وندافعَ عن  عشبةِ الأرضِ بعد الخرابِ

سننسجُ من قبلاتِ المياهِ ثياباً لأطفالنا العائدين من اللّهوِ بينَ المجرّاتِ… يا صِنوَ قيثارتي وهي مركونةٌ عند جذعِ الصّنوبرِ، وزّعْ على وتري أبداً من رعودٍ

خذِ الأرضَ من أوّلي / قلْ: شَبيهُكَ أمسي وأنتَ شبيهكَ هذا الرّحيلُ المطرّزُ بالخيلِ… وَسْوِسْ لأشباحِ حقلي لتهربَ من حارس الزّرْعِ، يا خادمَ البعلِ في معبدِ الوردِ، كن طيّباً واستعدني إليكَ

خذِ الأرضَ: أقصدُ خذني

لنهبطَ سبعينَ دهراً / ونصعدَ سبعينَ نهراً / وننجبَ بابلَ أو دجلةً وشآما

ونطردُ عن سورِنا شبحَ الموتِ نسهرُ في حنطةٍ ونبيذٍ نعبّئُ للرّاحلينَ الجرارَ الجديدةَ… يا هاجسي المتنقّلَ بينَ الحدائقِ صلّ معي خلفَ زهرةِ لوتسْ

ونحنُ نُشبِّعُ بالشّمسِ أثوابنا ونقدّسْ

سيمضي علينا مغيبٌ وألْفٌ / ويولدُ منّا شروقٌ وألْفٌ / ونحنُ هنا، لا نهايةْ

لنا، لا بداية… نحنُ هنا نغزلُ الثّوبَ ثمّ نعيدُ الخيوطَ إلى دودةِ القزّ حتّى تعيدَ صياغته، بينما سنتابعُ في الشّمسِ رقصتنا، / يا أخي ولذيذي

شفاهُكَ عاصفةٌ مطريّةْ

لسانُكَ نهرُ نبيذي

وفخذاكَ أرجوحتا غيبتي وانتشائي

يداكَ طريقُ السّماءِ

فدعني هنا رخوةَ الانهمارِ

كحبّةِ خوخٍ تسيلُ رويداً رويداً من الاعتصارِ

إليكَ بنفسيَ، خُذْني عشيرَتَكَ الأقربينْ

نحسّنُ من نَسَبِ الياسمينْ

ونُرجِعُ للرّحلةِ السّومريّةِ لوحَ الحنينْ

أنا مهبطُ اللّوزِ حين تصيّفُ…/ مروحةُ الموجِ حينَ تجدّفُ / صيّفْ وجدّفْ

لتعرفَني كيفَ أرجفْ

وأعرفُ أكثرَ منكَ… وأعرف…/ افرحْ بجَنْيِ ثماري

نضجتُ سريعاً عميقاً بعيداً صبَبْتَ رعودكَ في جسدي / أجّتِ الأرضُ تحتَ ثيابي

وفاحَ الغزالُ ببرعمهِ، شُدّني من قميصي إلى جدّنا النّهرِ نغسلُ فيه سلالَ الهدايا

ونكملُ رحلتنا في دروبِ البحيراتِ، ننظرُ للماءِ نبصرُ أكثر من نرجسٍ يتلمّظُ من غُلْمةٍ… نتزوّجُ ثانيةً فالوليمةُ لم تكتملْ / والحرائقُ ما زالَ يمكنُ أن تشتعلْ / فاتّصلْ / وانفصلْ / يا أخي وعشيقي وزوجَ غدي المتسربلَ بالكرمةِ التّدمريّةِ، يا سيّدي وصغيري

ويا شاعري وعشيري

أنا عشتروتُكَ تمرحُ فيَّ العصافيرُ منذ الصّباحْ

فأشربُ كوبَ الحليبِ السّماويّ من طائرٍ عابرٍ في الأساطيرِ لا اسمَ له أو جناحْ

وأذهبُ نحو الشّعابِ إلى شجرٍ ظامئٍ أتقدّمُ منه وأسقيه نَهدي

هناكَ على طرفِ السّهلِ كان الغزالُ الجديدُ

يحاولُ وثباً أهشّ له بقميصي فيسرعُ، يا صاحبي وغزالي!

امتلكني وكثّرْ غلالي

وسافرْ إلى أبدِ العارفينَ خلالي

تمتّعْ بهذا الجموحِ أنا سهلةُ الانقيادِ

كنقطةِ خمرٍ من القدحِ العاشرِ

فيا لغزيَ الحرّ يا شاعري

ويا حاضني من قديمي إلى حاضري

أستعدّ لنُكملَ ما ينقصُ الأرضَ من شجرٍ وبلابلَ، أسرعْ إذاً وارتكبْ أفقاً آخراً يُشتهى فيه قلبي

أضئني بما شئتَ من برقِ ظهرِكَ شتّتْ جموعَ الغزاةِ على طرَفَيْ غابتي / يا وسيلةَ مجدي ويا غايتي…

 

“إنانا” الصّغيرة تملكُ تفّاحةً لا تُقاوَمُ/ تملكُ ثروةَ عطرٍ موزّعةً بالتّساوي على حلمتيها/ وتأخذُ حمّامها في بحيرةِ غاردينيا حولَها يقذفُ  الماءُ نشوتَه/ وتفورُ على كتفيها كؤوس الزّبدْ

“إنانا” الصّغيرة ترمي بأقواسها فتصيبُ المغنّي بعدوى الأبدْ…

…………….

* سوريا (ألمانيا)

 

 

 

مقالات من نفس القسم

خالد السنديوني
يتبعهم الغاوون
خالد السنديوني

Project