الله .. الاسم والكلمة

magdy nassar
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

مجدي نصار

“اسم الله”

مفتتح كل محاولة، كل مسعى، كل درب. صغيرًا أصدق كل شىء، يقول الجميع إن ذكر اسم الله يكفي لحدوث المعجزات، أتعجب: وما المعجزات؟ يقولون: ما لا يمكن أن يحدث. أشهرها في وجه السماء، أرددها: بسم الله، أكررها فاردًا جناحيّ استعدادًا للطيران، لا معجزة تحدث، لا شىء عجيب، ينتابني الشك الطفولي الساذج: لابد أنهم كاذبون! تمر الأيام، أفقد ساعة يدي الجديدة، لم تمر ساعات على حيازتي لها، وحدي في الشارع في ظهر شديد السخونة، لا عون ولا سلاح، باسم الله ألوذ، لا جديد تحت الشمس، ضاعت ساعتي للأبد .. ريبٌ جديد .. احتجت سنينًا من الاحتكاك بالحياة لأدرك أن اسم الله كان كافيًا لعودة ساعتي، لولا أن عبدًا من عباده أسرها لنفسِه.

“اسم الله”

اسم الله فَرضٌ قبل النحر .. نلتف حول الجزار فيما ينقض على البقرة الفريسة، إنه لا يصدح بالكلمة أبدًا .. نتهامس؛ أطفال يتهمون رجلا بالكفر … بعد سنوات، تدخل الحي سيدة ملتحفة بالسواد، تستجير بالجميع، تبكي وتصرخ وعلى يدها طفل عاجز، ينام عنها الناس، يتغافلون، يصحبها الكافر في رحلة بعيدة، يعود بعد أيامٍ .. يعاود الذبح ولا يصدح باسم الله ما يزال!

“بيت الله”

بيوت عظيمة، رحيبة وفسيحة، نلهو خارجها وداخلها فرحين، ينهرنا أحدهم، يمنعه آخر: “دول أحباب الله” .. يغيب الحنون ويبقى الغليظ، يطردنا شر طردة .. يصيح أحدنا: “ده بيت ربنا، مش بيتك”، ينهال عليه الرجل بالضرب .. نهرب .. نراقب محيط المسجد لدقائق .. ثم نعاود الدخول .. لا ندخله إلا إذا غاب الشيطان عنه؛ بيد أن الشيطان نادرًا ما يغيب .. اليوم، كلما أصحب أطفالي إلى المسجد، أطالبهم باللهو؛ سوف أنقض على الشيطان إن عاود الظهور.

“كلام الله”

وضعت قانونًا يليق بمراهق؛ يحصر كل الأشخاص في دائرة الله: الذين يفعلون الخير يسمعون كلام الله، والذين يفتعلون الشر يهملون كلام الله. في الجامعة أقرأ لأمل دنقل يقول: (لا تسألني إن كان القرآن مخلوقا أم أزلي .. بل سلني إن كان السلطان لصًا أم نصف نبي!) .. إنهم يختلفون حول كلام الله، يقول الفلاسفة كلامًا ويقول الأصوليون كلامًا آخر عن كلام واحد؛ كلام الله .. أحتاج سنينًا لأحسم أمري: هو كلام الله في النهاية، مخلوقا كان أو أزليا .. مهمتي تدبره أكثر من البحث في التوقيت والكيفية.

“هدية الله”

يقول صديقي إنني متيم باللغة وواقع في غرامها .. أثلج بها قلبي حين وصفتُ العالم (بمدينة الله العظيمة وهديته للخلق) .. كررت الجملة في فرح؛ منهيًا إياها بـــ (خلق الله) .. ربما لم يدرك صديقي أن اسم الله هو ما غلَّف الكلام بالجمال.

“صُنع الله”

قبل ذلك بسنوات، فهمت إنني مغرم باللغة .. أحببت روائيًا مصريًا قبل أن أقرأ له، وجدته في حوار لجريدة ما يخبر الصحافي بالسر وراء اختيار أبيه لاسمه: فتح الرجل المصحف، انتقى صفحة عشوائية، وقع بصره على (صُنع الله الذي أتقن كل شىء)، فاختار لابنه ذلك الاسم البديع .. بحثت عن أعمال الروائي (صنع الله إبراهيم)، قرأت (ذات) و(اللجنة) ولم تخل أي من جلسات القراءة من العودة للغلاف بين حين وحين لتأمل الاسم.

“هبة الله”

أجمل بنات الفصل، عيناها عسليتان واسعتان، تأكلها عيون الولاد .. تهيم بصديقي، يغيب فيها ومعها عن الحياة، يصبح أحدوثة الجميع، يقول أكثرنا حكمة: “محظوظ ومسكين، لم يتحمل سهم العينين” .. رحل حكيمنا هذا دون أن يعرف الحب .. والنصيب، منح الهبة لرجل آخر .. وصاحبنا المحظوظ دارت عليه الدائرة، يعيش الآن بلا حظ في الحب أو الحياة.

“عطية الله”

بأعصاب تحترق .. أتابع مباراة هامة للزمالك، وفيما فريقنا متأخر بهدف أمام الخصم المغربي (الوداد)، يعلو صوت المعلِّق مادحًا اللاعب المغربي (يحيى عطية الله)؛ كالعادة أسمو مع وقع الاسم على سمعي. اسم (عطية) _ الشائع في بلادنا والمعروف للمتأمل أنه ليس إلا عطية من الله، لم يستوقفني هكذا من قبل. هكذا فعل لفظ (الله) حين التحم بعطيته.

“نور الله”

مركزه قلوب الطيبين، إحدى انعكاساته في الشمس، كثير منه في عيون طفل سعيد، وكله في وجه حزين اغتصب ابتسامة ليزيح بها الهم عن تعيسٍ معذب.

“الله في بيوت الطيبين”

تنفرد أمي بمجازٍ عجيب؛ كلما حكى أحدهم عن نجاته من شر ما، تقول له “ربنا في بيتك!” هكذا ببساطة: ينجو فلان لأن “ربنا في بيته”، وتنجو فلانة لأن “ربنا في بيتها”. هكذا بيُسرٍ جميل: يحِلُّ الله في بيوت الناس الطيبين، يتجلى من عليائه ليسعفهم.

“فرج الله”

كانت تمر بقريتنا امرأة تطلب المساعدة باسم الله، تقول بصوت عذب ليس كمثله صوت: (يا فرج الله يا قريب). كان صوتها نفّاذًا يخترق القلب. حين سمعتها أول مرة، سحرتني نبرتها، تعمدت الاقتراب لأراقب الجملة الآسرة وهي تتوزع في الأركان. مرّ الزمن وحين درست في الجامعة قصيدة (الحاصدة الوحيدة – Solitary Reaper) للشاعر (William Wordsworth) وجدته يعيش في القصيدة حالة مماثلة، مع الحاصدة التي تزيح هموم العابرين بحلاوة صوتها وكلمات أغنيتها الغامضة الدافئة، حتى أن وليّم قال أنه ظل يحمل الصوت داخله لسنوات، بالضبط كما أحمل صوت عجوز قريتنا داخلي إلى الآن.

“روح الله”  

حين قرأت عن الثورة الإيرانية لم أكن مدفوعًا بالبحث التاريخي أو السياسي، بل مغرما باسم قائدها (روح الله) وبكنيته (آية الله). حين عادت (طالبان) للحكم في أفغانستان، بحثت أول ما بحثت عن (ذبيح الله) أحد قادة الحركة، مغرمًا كعادتي باسم يقترن باسم الله.

“نعمة الله”

شاب طيب القلب، مجتهد ومثابر، يكبرني بعام دراسي واحد، كان يلخِّص مادة علم الصوتيات ويقوم ببيع الملخصات لدفعتنا .. صاحبته معجبًا بالاسم أولًا .. أثار الاسم فضول الجميع في الحقيقة .. كلما قرأت في ملخصاته أنزل ببصري إلى اسمه الذي يتذيل الصفحات .. لا زال الاسم يتردد في أذني إلى يومنا هذا؛ بنفس الطريقة التي كنا نناديه بها (نعمتلَّه).

“معاذ الله”

قالها (يوسف) ليهرب من فخ (زليخة)، رددتها لفظًا وفعلًا في أغلب المواقف، بيد أني حين كنت يوسفا، لم أرددها، ورددتها زليخة.

“رحمة الله”

كل ما أرجوه في النهاية.

 

 

 

 

 

مقالات من نفس القسم