اللحم

لبنى علاء
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

لبنى علاء 

انتظر قليلًا، ما هذه الرائحة؟
-آه…إنه اللحم.
-أي لحم؟
-حسنًا… أنت تعلمين اني انتقلت لهذه الشقة منذ يومين فقط، وأنا أهتم بجسدي، لذا حين أنتقل لمسكن جديد أضع في كل غرفة قطع متماثلة من اللحم النيء وألاحظها لأرى أيهم يفسد سريعًا وأيهم يصمد أكثر، والغرفة التي يصمد بها اللحم أكثر تكون غرفة نومي، فأنا لا أريد أن أترك غرفة جيدة وأنام في غرفة تمرضني.

غمغمت: غريب،إنه مشابه لشيء ما درسناه، نعم، إنه ذلك العالم العربي الجليل -تضحك- الذي وضع قطعًا من اللحم في أرجاء المدينة ليعلم أكثرمكان مناسب لبناء مشفى.
-نعم أبو بكر الرازي، أعلم أنه أمر غريب ولكن أفضل من المرض، صحيح؟
-على أي حال، أتمنى أن ينتهي هذا الاختبار سريعًا فأنا لا أطيق رائحة هذا اللحم ولن نفعل أي شيء وهو حولنا في كل مكان.
-اممم… تشربين قهوة اذا؟

-حسنًا.

تركها ليعد القهوة ودخل إلى المطبخ. لماذا لم يفكر قبل ذلك في وضع قطعة لحم بالمطبخ؟ سيكون ذلك غير ملائم إن كانت هي آخر القطع الفاسدة، لن يعيش في المطبخ، غالبًا.

عاد إليها ليجدها تتطلع إلى قطعة اللحم في الغرفة.
سألته: لماذا اللحم؟ لماذا لا تضع خبزًا أو فاكهة، ولماذا لحمًا غير مطهو؟
-في أول مسكن انتقلت إليه كان المبرد لا يعمل وكنت بالفعل اشتريت اللحم، طهوت جزءًا منه والجزء الآخر قسمته للاختبار، ومن حينها أصبح اللحم هو مادة الاختبار، وأعتقد أنه أسهل لمتابعته.
-اممم حسنًا.

حاول أن يقترب منها ولكنها أشارت لللحم: تخلص من ذلك عند زيارتي التالية، تركت قبلة على خده الأيسر وغادرت.

في الصباح رآها في العمل فتبادلا تحية الصباح كالمعتاد وكل جلس على مكتبه ليحدق في الشاشة التي أمامه ويفكر في نصوص دعائية لعلامات تجارية تناسب أبناء الطبقة المتوسطة، سبع ساعات كل يوم لخمس أيام في الأسبوع لاقناع أبناء الطبقة المتوسطة أنهم بحاجة لذلك أو ذاك، أو أن هذا بالضبط هو ما سيحقق لهم حلمهم للترقي الطبقي.

ذهبت للمطبخ لتعد قهوة سريعة التحضير -موجهة لابناء الطبقة المتوسطةأيضًا -فلحق بها.

-غادرتِ سريعًا بالأمس.

-لا أطيق رائحة اللحم وأجد ذلك الاختبارغريبًا بعض الشيء.

-ما رأيك أن تأتي الليلة ولكن في وجود لحمٍ مشوي هذه المرة؟

-حسنًا لا بأس بذلك.

صنعت دائرتين بالمعلقة في كوبها وعادت إلى المكتب مرة أخرى وعاد وراءها دون أن يحضر شيئًا.

في السابعة كانت تدق بابه كالمتفق عليه، فتح لها الباب فدخلت تدور بعينها لتعرف أي الغرف نجحت في الاختبار ووجدت الفراش في أصغر غرفة.

-أرى أن الصغرى قد نجحت باجتهاد.

-نعم، للأسف، ولكن لا بأس، وضعت بها الفراش والكومود ووضعت الدولاب في الغرفة المجاورة كي لا اختنق من الضيق.

-كان يمكنك ببساطة أن تختار أكبر غرفة.

-لا أتوقع أن تتقبلي ذلك، ولكن هكذا أدير حياتي منذ سنين وهكذا أجد راحتي، فأنا لا أريد أن أجد نفسي مريضًا بالسرطان وأنا في الأربعين من عمري.

-لا أحد يريد ذلك، لكنك ستجد نفسك مريضًا بالملل قبل ذلك. على أي حال سأخرج للشرفة لأدخن سيجارة، فأنا لا أريد أن أكون سبب في مرضك بالسرطان.

-حسنًا، لا داعي للسخرية.

بعد دقائق دخلت من الشرفة وجدته قد هيأ المائدة فجلست وشكرته، تناولا الطعام بهدوء ثم أحضر زجاجتي بيرة وجلس بجوارها، شعر بالتوتر في الأجواء ولكن لم يستطع تحديد السبب فتجاهله، شربا البيرة مع حديث فاتر ثم دخلا للغرفة الضيقة.

استيقظ في الصباح فلم يجدها، اغتسل وحلق ذقنه ثم دخل لينظف حجرة المعيشة من عشاء الأمس فوجد سيجارة مغروسة بقطعة لحم فوق المائدة، تعكر وجهه قليلًا وألقاها في القمامة.

دخل الشركة وجلس أمامها متجاهلًا التحية، جلس قليلًا ثم ذهب إلى مطبخ وهو يعلم أنها ستتبعه.

-وجدت هديتك هذا الصباح.

-لا تكن متجهمًا هكذا، كنت أمزح، ماذا ستعد لي العطلة القادمة؟

-لن يكون هناك داع لذلك. وانصرف.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كاتبة مصرية 

مقالات من نفس القسم