ممدوح التايب
(1)
في البدء، كنت نقطة من أول السطر
وصرت – بفعل الحقن المجهري – لطخة
من القار والطين في الهامش
حيث كتب:
| هذا جناه ” دالي ”
وما جنى طفل القار – هذا – على أحد |
(2)
قفزت من لوحة رسام – دادائي- ينام
عاريا، يكدس العالم في قلبه أكواما من القش
ورأسه يتدلى من البلاكون ويسد
الشارع؛ كنت – أيضا – عاريا إلا من ملصق
إباحي على فمي، فلم أصرخ كمولود
حين يفتح عينيه على العالم، يصيبه العمى.
(3)
رأيتني، أركض في الشارع، مشدوها
بكل هذا الخراب، طفل مريض بالسرطان
يلعب مع الموت الغميضة؛ عساه حين
يفتح عينيه – مندهشا – لا يرى المحاليل
وأبوه- باكيا – يشد على وجهه الملاءة البيضاء،
وأعمى صارت عيونه كل النوافذ
فكلما فتح نافذة هزه صمت جليدي حول
السرير، ومواء قطة ولهاث ضفدع فوقه،
وامرأة، بقلب هش، تفتح رجليها للبحر
فيستحي منها ويلم الودع.
(4)
رأيتني مستلقيا في قاربي المثقوب،
سعيدا بالماء يبلل – رويدا رويدا – لفافة
الحشيش في فمي، رأيتني وخفر
السواحل يحملونني إلى ملك خصي
فإما يتخذني ولدا، أو أضاجع ، عنه،
صاحبة الجلالة..رأيتني والسياط
تنهش لحمي حين باغتني
الحرس، بينما أهدهدها كي تنام.
(5)
قلت : أنا عامل تلغراف قديم
أعرف كيف أبارك للموتى مساكنهم
وأعزي الأحياء في انتظارهم المقيت.
وأعرف أسرارا عجيبة ـ
مثل أن جارتي تضاجع كلبها الدوبر
داخل صفيحة، وأن بائع الحليب يستمني
لسكان العمارة في الأكياس
وأن العالم في حاجة للحنوِ
لكنني لست ناياً ولا برتقالة.
(6)
كانتا يداي رقيقتين كالإسفنج
وكان قلبي يحب الحياة كالفراشة
هش كالفراشة
يفاجئ في إطلالته الصباحية كالفراشة
يطير من الغصن ….. إلى النافذة ….. إلى الجدار
إلى وشم على ظهر حبيبتي في معهد التمريض.
(7)
صرت بعدما تكسر القلب كالبندق
أمشي بلا نبوءة، وظلي الذي يتجنبني
كلما تقابلنا صدفة، لا يعترف بي
صاحبا ولو بالإكراه. أحييه فلا يرد
أسأله سيجارة! فيبصق على الأرض
نمسك بياقات قمصاننا العفنة،
ونلم علينا الناس.
(8)
قلت: الأرض كروية، كنهد غجري
وكلما بدأت من حزن انتهيت إليه
وأن للنهار – بعماه – عيونا
وللجدران – بصممها – آذانا
وللبحر فم عاهرة يملؤه بالزبد
وما قلت أن للصحراءِ بطنا
جائعا للحم وريقا عطشا للدم
كان دمي لكنهم سفكوه ليرضى الإله.
(9)
وحين أفرد ذراعي كشهيد أندلسي
ترتطم يدي بدواء الكحة وطبق الكمادات
أصحو وأحدق في عزلتي، لا أجد
غير عرائسي القطنية على الدولاب
تبول على الأرض في اصطفاف
مهيب وقاتم كجنرالات مهزومين.
ـــــــــــــــــــــــــــ
شاعر مصري
من ديوان “عصافير في شباكِ من غبار”