القرية الحاضرة.. المنظور والاتجاه

كأنني حي محسن عبد العزيز
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

د. عفاف عبد المعطي

عندما نريد الكتابة عن القصة القصيرة لابد أن ندرك أننا نكتب عن النوع الأدبي الأصعب، حيث كتابة الفعل ورد الفعل في حفنة كلمات، وطالما كانت القصة القصيرة مجالاً للتنظير والدراسات والتي أعتبر أهمها على المستوى العربي كتاب ” فجر القصة القصيرة” للكاتب الكبير يحيى حقي وكذلك كتابات الناقد المغربي الكبير سعيد يقطين عن النص السردي في مجمله.

وعندما تصدر مجموعة قصصية محددة النوع ينبغي أن تكون من الأهمية بموضع القراءة، ومن تلك النصوص مجموعة ” كأنني حي” للكاتب محسن عبد العزيز. تنقسم المجموعة إلى ثلاثة أقسام: الجزء الأول يبدأ بقصة تحمل عنوان المجموعة نفسه “كأنني حي” وتنتهي بقصة “الحالمان معاً” والجزء الثاني يبدأ بقصة “الزلزال” وينتهى بقصة “لا”.  والمجموعة القصصية في مجملها تؤطر لرؤية نفسية شمولية لعالم القرية عبر راوٍ يتخذ من الوازع النفسي لديه وصفاً للعالم المروى.

وأتصور أن أجمل القصص وأصعبها هو الجزء الثالث؛ قصص قصيرة جدا وهى: “الحجاب- كلب الدار- سباق- أبدا- صياد- زواج – ضوء القمر”. وهي مشاهد قصصية تفنن كاتبها في تقديم رسالة صغيرة للقارئ، لكنها مُعبّرة في كل قصة عن نسق فكرى أراد الكاتب محسن عبد العزيز بها إرسال إشارات نوعية للقارئ. ففي قصة ” كلب الدار” عوى كلب الدار على سيد الدار، اندهش الرجل وصرخ فيه بغضب، لكن الكلب زاد في العواء حتى منع سيد الدار من الدخول.. الكلب وفِىٌ حقا، لم يكن يريد لسيد الدار أن يرى زوجته في حضن رجل آخر. تلك أولى الرسائل التي تقدمها القصص القصيرة جدا فى مجموعة “كأنني حي”. وفى قصة “سباق” حيث السباق بين البنت والولد والسؤال الجوهري أيهما الفائز مع السؤال المهم الذى يطرحه الراوي العليم” لماذا لا يكون هناك جمهور يشجع على الهزيمة؟ جمهور يشجع على الهزيمة سوف يغير من شكل الكون تماما، ترى ما هو شكل الكون في هذه اللحظة، وحيث تحض الجماهير-دائما- بالسوء على الفوز. وبالطبع الجحيم هو الآخرون.  

 تمتاز قصص “كأنني حي” للكاتب محسن عبد العزيز بأنها عادةً ما تترك انطباعاً كبيراً واحداً، أو تأثيراً واحداً على القارئ، ويمكن أن لا تكون القصة القصيرة مبنية حول شخصية، أو مكان، أو فكرة، أو عمل معين ومحدد، فهي عادةً ما تكون موجهة للقراء الذين يمكن أن يمتلكوا تجارب شخصية مثل القصة المعنون بها القصيدة حيث يرثى الراوي أمه ومن قبلها يرثى نفسه ويواسيها لقبول فكرة رحيل الأم، أو معرفة مسبقة بالقصة، لأنها تعتبر موجزة مثل قصة أبدا “كان طيبا وقورا. لا تذكر هل أمسكت يده أم لا، وهى تعبر به الطريق. فتزوجها قررت ألا تأخذ بيد أحد مرة أخرى أبدا ”  

ومن ضمن فلسفة القصص القصيرة جدا فى المجموعة وجماليات الصورة نجد قصة صياد عن ” الولد الذي راح يلعب بالبندقية كان يريد أن يصطاد يمامة، فأصاب قلب عصفورة كانت تغسل قدميها في البحر وتبتسم للشمس علي سطح المياه”.

أيضاً نجد عدداً قليلاً من الشخصيات فى معظم القصص؛ وذلك لأن تقديم أي شخصية للشخص يلزم إضافة معلومات حوله مثل قصة يشبه اميتاب باتشان، ووصف قصير حول تواجد روح مرتبطة بالرواى في القصة مثل قصة الكلب الأحمر، لذا لم يتم تقديم أي شخصية غير ضرورية ضمن قصص المجموعة، حيث يمكن أن يحتل صوت الراوى وشخصية المروى عنه مساحة القصة، وكذا زمناً من الأحداث المهمة فيها.

كانت نهايات القصص مفاجئة في العديد من الحالات، ففي حال كانت أحداث القصة القصيرة أثرت على القارئ بشكل كبير، وكانت جيدة، فإن القارئ سيتحمس للقصة بشكل كبير حتى لو كانت نهايتها مفاجئة، حيث تمتلك عدد من القصص نهاية غير متوقعة، ولكنها معقولة.

 ظهرت فى المجموعة صيغة الغائب ذو المعرفة الكاملة مثلما في قصة “الدكتاتور يشاهد التليفزيون “، وهو الراوي الذي يعرف كل شيء، ويكشف الأفكار الداخلية والمشاعر لأي شخصية في القصة. وتتبلور الفكرة الرئيسة  للقصة في قصة “ضوء القمر” حيث ضوء القمر الشفيف يرسم ظلين خفيفين لولد وبنت يتناجيان. البحر أمامهما لا نهائي، والرمال تغرق أقدامهما في نعومتها. يلف الولد يده حول كتفها ويميل برأسه علي رأسها، فيذوبان، ويصبحان ظلا واحدا.. وكذلك الحبكة: وهي الترتيب الذي اختاره الكاتب لتقديم الأحداث في القصة مثل قصة ” الريح ” و الأصح “الرياح”:” في طريق سفرهما إلى ليبيا للعمل اختلف الرجلان وكان دائما بينمها شجار منذ خروجهما من قريتهما التي أصبحت الآن بعيدة، فقال أحدهما للآخر وهما في مكان قصي لا يوجد فيه غيرهما : تري إذا قتلتك الآن من يخبر أهلك إني قتلتك؟.. فرد الآخر بثقة لا يعرف من أين جاءت، الريح تخبرهم”.. ثم يأتى العرض: وهو المقدمة للإطار العام للقصة، وللشخصيات، وموضوع القصة مثل يا أخي..لا تقتلني عند سفح الجبل..الديك يصيح ولو لم يصّل أحد..لا تقتلني عند السفح..هذا مكان لا يليق.. اقتلني فوق الجبل.. واجعل موتي منارة، يهتدي بها القتلة كلما أرادوا أن يطفئوا ضوءا. هذه الشمس ضوءها مني والقمر أيضا.. أغاظك هذا لأني صغير؟ كيف ذلك؟ وأنت لا تستطيع أن تجلس تحتها مصلوبا سنين عمرك.

ثم تأتى الأحداث الحاسمة فى القصص وهي الأحداث التي تتسلسل لتصل للذروة مثل قصة أشجار الخوف والذروة التى تُعتبر الحدث الأكثر تشويقاً في القصة، تليها الأحداث التي يبدأ فيها حل موضوع القصة أو حل العُقدة، أو نهاية القصة التى تقرأ بتشويق سردى أشبه بسلسال من القصص المتجانس المتضافر فى عِقد واحد.

 

مقالات من نفس القسم